هزّت استقالة عضوة الكنيست عن حزب "يمينا"، عيديت سيلمان، اليوم الأربعاء، حكومة بينيت-لابيد بإعلانها الانسحاب من الائتلاف الحكومي، ما يعني ترك الائتلاف من دون أغلبية الـ 61 عضواً في الكنيست، الأمر الذي فتح الطريق أمام أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، وأعاد خلط أوراق المشهد الداخلي.
لماذا حصلت الاستقالة؟
إعلان الاستقالة المُفاجئ، حتى لرئيس الحكومة نفتالي بينيت، كما ورد في الإعلام الإسرائيلي، فتح باب التكهّنات والتوقّعات في "إسرائيل" حول أسباب هذه الاستقالة وخلفياتها، إضافةً إلى ما ذكره أغلب المُعلّقين، من أنّ السبب المباشر المُعلن للاستقالة هو المسألة الشرعية المرتبطة بالسماح بإدخال الطعام المختمر المحظور إلى المستشفيات في عيد الفصح اليهودي. وذكرت تقارير أنّ "سيلمان" كانت قد حذّرت سابقاً وزير الصحة من أنّه لن يكون بمقدورها الاستمرار في الائتلاف الحكومي إذا سمح بإدخال المأكولات الـ"حاميتس" (الطعام المختمر) إلى المستشفيات خلال عيد الفصح اليهودي.
وكشف معلّقون أنّ "مَن حاك هذه الخطوة هو عضو الكنيست ورئيس كتلة الليكود، ياريف ليفين، وصموليك سيلمان، زوج عيديت سيلمان"، فيما التوجّه -الآن- في الليكود هو لسحب عضو كنيست آخر من حزب يمينا، الأمر الذي يمكّن المنشقين، بحسب القانون، من إقامة كتلة منفردة جديدة.
وأضاف معلقون أنّ استقالة "سيلمان" جاءت نتيجة عدّة عوامل من جملة أمور، هو أنّ الضغط الكبير بعد العمليات الثلاث الأخيرة في (بئر السبع والخضيرة وبني براك) إضافةً إلى موضوع "الحاميتس"، والضغوط الثقيلة جداً على "سيلمان" لمغادرة الائتلاف منذ تشكيل الائتلاف. سبب آخر إضافي ذكر من قبل معلقين، هو تطرّق رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، إلى المناطق الفلسطينية المحتلة باسم "الضفة الغربية"لا "يهودا والسامرة"، بحسب التسمية العبرية.
وأشار معلقون إلى أن قصّة "الخبز المختمر" هي فقط العامل المحفّز، لكن لائحة أخطاء بينيت طويلة جداً. فمنذ زمن طويل يصرخ المستوطنون، وقسم منهم من داعميه، من تجميد البناء، وفي الأسبوع الماضي سمّى بينيت مستوطنات "الضفة الغربية" وليس مستوطنات "يهودا والسامرة"، وأمس في زيارته إلى "يهودا والسامرة" "نسي" الاجتماع بقيادة المستوطنين، التي تجاهلها تقريباً تماماً منذ أن عُيّن في الوظيفة.
السيناريوهات الرئيسة
بعد القنبلة التي ألقتها عضوة الكنيست عيديت سيلمان عبر استقالتها، التقسيم الحالي في الكنيست أصبح 60 عضو كنيست للائتلاف، و54 للمعارضة و6 أعضاء كنيست للقائمة المشتركة. مدلول الأمر هو أنّ الحكومة فقدت أغلبيتها الدائمة في الكنيست، ما سيجعل من الصعب عليها العمل. السيناريوهات الرئيسة الموجودة على جدول الأعمال:
الذهاب إلى الانتخابات
هذا هو السيناريو التفاؤلي من ناحية المعارضة ومن ناحية من يترأسها بنيامين نتنياهو، وهذا السيناريو الأكثر معقولية. في هذه اللحظات يعمل الليكود على تجنيد عضو كنيست واحد، وفي الأروقة السياسية يصرّون على أنّ عضو الكنيست نير اوربخ، من حزب يمينا، يسير على خطى سيلمان، وسيعلن هو أيضاً الاستقالة.
إذا استقال عضو كنيست آخر من الائتلاف، فهذا يعني أنه سيكون هناك 61 عضو كنيست سيحتشدون للتصويت على قانون حل الكنيست. ولا مصلحة للقائمة المشتركة، بحسب تقديرات المحللين في "إسرائيل"، بمواصلة وجود هذه الحكومة، التي فيها الحزب الخصم العربي – القائمة العربية الموحدة – تراكم الإنجازات، ولذلك تجنيد عضو كنيست آخر من جانب الليكود – معناه الذهاب إلى الانتخابات.
وبالمناسبة، الرابح الفوري من هذه العملية هو يائير لابيد، الذي بحسب الاتفاق الائتلافي سيتولى بشكل تلقائي مكتب رئيس الحكومة لمدّة 3 أشهر حتى يتم تشكيل حكومة جديدة في الكنيست المقبل.
تشكيل حكومة يمين في الكنيست الحالي
يتفق معظم الخبراء على أنّ فرصة تشكيل حكومة يمينية صرفة في الكنيست الحالي، من دون حلّ الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، تُعدّ سيناريو معقد جداً ، لكنه ممكن على الأقل على المستوى النظري. في وضع كهذا، عضو كنيست معيّن ينجح في تجنيد 61 عضو كنيست يدعمونه لتشكيل حكومة بديلة. وهذا سيناريو تقريباً غير ممكن، لأنّ هناك حاجة إلى أنّ تؤيد القائمة المشتركة هذا المرشح.
الاحتمال الآخر هو أنّ ينجح نتنياهو في تجنيد أصوات أعضاء الكنيست في حزب أزرق أبيض برئاسة غانتس، حتى في مقابل رئاسة الحكومة. غانتس نفسه أوضح عدّة مرات أنه لن يدفع قدماً عملية إفشال حكومة التغيير، لكن في واقع لا توجد فيه أغلبية للحكومة ويمكن أن يكون فيه رئيساً للحكومة و(إنقاذ) "إسرائيل" من انتخابات – فإنّ معضلته ستعود على الأقل من الناحية المفاهيمية إلى حدّتها. مع ذلك فرصة هذا السيناريو منخفضة.
إرضاء سيلمان وعودتها إلى الحكومة
لا تنجح المعارضة في جذب عضو كنيست من الائتلاف، وتواصل الحكومة العمل بشكلٍ غير مستقر إلى حين سقوطها على التصويت على الموازنة بعد أقل من سنة. الفرصة لذلك – عملياً – تكاد تكون معدومة.
يرى معلقون أنّ فرصة عودة سيلمان عن استقالتها ضئيلة، فهي لم تخرج بهذه الخطوة من أجل العودة عنها بعد ذلك. هذا عمل محسوب قامت بحياكته منذ مدة، وكانت تنتظر الفرصة المناسبة لها للقيام بذلك، حيث أبرمت صفقة سياسية مع نتنياهو لوضعها العاشرة في قائمة الليكود، وتعيينها المحتمل وزيرة للصحة. إذاً الليكود شكّل حكومة في هذا الكنيست أو الكنيست الحالي.
سيناريوهات محتملة أمام حكومة بينيت بعد فقدان أغلبية الكنيست
وذكرت تال شاليف، المراسلة الحزبية في موقع ويللا، في تقرير أن "التركيبة الحكومية الإسرائيلية دخلت أيام العد التنازلي، والسؤال الرئيسي الذي يطفو في الهواء ليس إذا، ولكن كيف ستنتهي عمليا، وهل سيكون مصير الكنيست هو صدور قرار بحلها، من خلال الدعوة للانتخابات قريبا، أم إيجاد 61 عضوا لتشكيل حكومة جديدة، مع وجود احتمال ثالث يتمثل بأن تستمر هذه الحكومة لفترة طويلة، رغم أنه احتمال مستحيل تقريبًا".
وأضافت أن "الوضع العددي الحالي في الكنيست يجسد حالة عجيبة، بعد أن اعتقد أعضاؤه أن أزماته انتهت، لكن الوضع اليوم يشير إلى أن الائتلاف بعد استقالة سيلمان بات لديه 60 صوتا فقط، وبالتالي فلن يسمح له بدفع أي قانون مهم، خاصة الميزانية المقبلة، ما لن يمنح الحكومة وضع الاستقرار المطلوب، والنتيجة أن هناك معارضة منقسمة، فكتلة نتنياهو التي تضم الليكود والحريديم والصهيونية الدينية، لديها الآن 54 عضو كنيست، وبجانب سيلمان ومن سبقها عميحاي شكلي، ومع ستة أعضاء كنيست، فقد وصلوا إلى 60 عضو كنيست، يمكنهم أن يشلوا أي خطوة حكومية تريد دفعها".
ليس واضحا ما إذا كان المنشقون سيصوتون لحكومة لاحقة يقودها نتنياهو، لذا فإن احتمال تجنيد منشق آخر ليصبح عدد المعارضين 61 عضوا، لسحب الثقة من الحكومة، يبدو ضئيلا، وفي الوقت ذاته، لن يستطيعوا تشكيل حكومة جديدة، فعلى سبيل المثال، إذا حاول وزير الحرب بيني غانتس زعيم أزرق-أبيض، الاستفادة من الوضع المستجد، والتفاوض مرة أخرى مع الليكود والمتدينين للحصول على موقع رئيس الوزراء، فليس من المؤكد أن نتنياهو والليكود سيوافقون على ذلك.
مع العلم أن سيلمان سبق لها أن أوضحت في مقابلات سابقة أنها تفضل حكومة بديلة عن الحكومة القائمة، فيما ركز نتنياهو في الساعات الأخيرة على أحزاب اليمين، للحصول على إصبع واحد فقط، رغم أنه يدعي أن مهمة حل الكنيست باتت أقل تعقيدًا بكثير.
لا يقتصر الأمر على الليكود فقط، بل إن يائير لابيد زعيم حزب "يوجد مستقبل"، قد يكون رابحا من هذه الأزمة، لأنه وفقا لاتفاق الائتلاف بينه وبين بينيت، فإذا سقطت الحكومة قبل التناوب، فسيصبح لابيد تلقائيا رئيس وزراء تصريف الأعمال، أي أنه سيكون رئيس الوزراء الرابع عشر لإسرائيل، بدلا من زعيم المعارضة، وإذا نجح الليكود في تشكيل حكومة بديلة، فإنه سيتفوق على أصدقائه وخصومه في كتلة يسار الوسط، وبالمناسبة، فلن يكون بينيت وزيراً في مثل هذه الحالة.
في الوقت ذاته، فإن أعضاء حزب أمل جديد، برئاسة غدعون ساعر، لن يعودوا بالضرورة بعد انتخابات جديدة، وتفتقر للقيمة الانتخابية للدخول في تحالفات استراتيجية، لذلك لا يعني تسرعه في دعم الانتخابات المبكرة، أما باقي الأحزاب، خاصة المتدينين، فإنهم يدعون لتشكيل حكومة جديدة على الفور، دون الحاجة لانتخابات مبكرة، لأنهم يخشون احتمال حل الكنيست، والذهاب للانتخابات، ولا أحد يعرف ماذا ستكون نتائجهم، لذلك فإنهم يفضلون تشكيل حكومة أخرى.
استطلاعات: النظام السياسي الإسرائيلي إلى دوامة تشكيل الحكومة مجددا
وأظهرت استطلاعات الرأي التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، مساء الأربعاء، أن نتائج انتخابات قد تجري اليوم ستكون مشابهة تقريبا لنتائج الانتخابات الأخيرة.
وتأتي هذه الاستطلاعات على خلفية تزايد احتمالات التوجه لانتخابات سادسة للكنيست، في أعقاب انشقاق عضو الكنيست عيديت سيلمان، عن حزبها "يمينا" والائتلاف الحكومي.
ووفقا لمختلف الاستطلاعات، يتصدر حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، نتائج الانتخابات، غير أنه لن يتمكن من تشكيل حكومة، وهو أمر مشترك مع الكتلة المناوئة له، والتي تفشل بدورها في الحصول على أغلبية برلمانية.
وبذلك، تكون إسرائيل، بتوجهها إلى انتخابات جديدة ستكون السادسة في غضون ثلاثة أعوام، قد عادت إلى المربع الأول، والدوامة السياسية التي تعطل تشكيل حكومة في ظل الانقسام بين المعسكرات.
ووفقا للاستطلاع، تفشل المعسكرات في حشد أغلبية لتشكيل ائتلاف حكومي من 61 عضو كنيست، إذ يحصل الائتلاف الحالي على ما يتراوح بين 54 و56 مقعدا؛ فيما يحصل معسكر نتنياهو (الليكود والأحزاب الحريدية و"الصهيونية الدينية)، على ما يتراوح بين 58 و60 مقعدا..
ووفقا لاستطلاع القناة 13 الإسرائيلية تزداد قوة الليكود لتصل إلى 38 عضو كنيست (29 عضو في الكنيست الحالية)، في حين يحافظ حزب "يش عتيد" على قوته ويحصل على 17 عضوا، فيما كما يحافظ يمينا على تمثيله بـ7 أعضاء كنيست.
في المقابل، يتراجع تمثيل حزب "شاس" الحريدي، ليحصل على 7 أعضاء كنيست، في حين يرفع حزب "كاحول لافان" تمثيله بمقعد برلماني واحد، ويحصل على 9 مقاعد؛ وتحصل قائمة "يهدوت هتوراه" الحريدية على 7 مقاعد، كما يحصل حزب "يسرائيل بينيتو" على 6 أعضاء كنيست، وكذلك حزب "العمل" والقائمة المشتركة (6).
وفيما يرتفع تمثيل الصهيونية الدينية إلى 8 مقاعد، وتحصل القائمة الموحدة على 4 مقاعد، يفشل حزب "تيكفا حداشا" برئاسة وزير القضاء، غدعون ساعر، في تجاوز نسبة الحسم، علما بأنه كان قد حصل في الانتخابات الأخيرة على 6 أعضاء كنيست.