تزداد خشية وسطاء التهدئة، من اتخاذ الأوضاع الميدانية في كافة المناطق الفلسطينية منحنى تصعيديا أكبر، بسبب الأحداث الليلية التي تشهدها مدينة القدس المحتلة، والناجمة عن هجمات الاحتلال على المقدسيين، والتي تسبق مخطط المستوطنين المتطرفين لتنفيذ اقتحامات كبيرة للمسجد الأقصى خلال الأيام القادمة، للاحتفال بأحد الأعياد اليهودية، ما دفعهم لتنشيط اتصالاتهم ونقل رسائل ما بين الفلسطينيين وإسرائيل لتفادي أي تصعيد قادم.
أحداث القدس الليلية
وحسب مصادر فلسطينية مطلعة، فإن الجهود التي يبذلها الوسطاء الذين طلبت إسرائيل تدخلهم، لم تنجح بعد في نزع فتيل الانفجار، بسبب الأحداث التي تجرى في القدس المحتلة ليلا.
وطالب مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية برام الله، وآخرون في فصائل المقاومة في غزة، من الوسطاء العمل على “لجم” اعتداءات قوات الاحتلال في القدس، وضرورة تخلي تلك القوات الإسرائيلية عن دور الحامي لهجمات المستوطنين المتطرفين ضد المناطق الفلسطينية، والعمل على وقفها تماما، من أجل ضمان الهدوء.
إسرائيل تخشى من عمليات جديدة والسلطة وفصائل المقاومة طلبتا وقف التصعيد في القدس
وحاليا تتركز الجهود على كيفية إمضاء باقي أيام شهر رمضان، خاصة الأيام التي تشهد أعيادا يهودية، بلا تصعيد، خاصة أن “عيد الفصح” اليهودي، الذي يأتي في شهر رمضان، سبقته دعوات من جماعات استيطانية متطرفة لتنفيذ اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، في ظل دعوات العديد من الجهات الفلسطينية الدينية والفصائلية لشد الرحال للمسجد في الشهر الفضيل لحمايته من تلك الاقتحامات.
وعلمت “القدس العربي” أن اتصالات تجرى حاليا من قبل مسؤولي الإدارة الأمريكية مع قيادة السلطة الفلسطينية، ومع مسؤولين أردنيين، لضمان العودة للهدوء في القدس، تتزامن مع أخرى يقوم بها وسطاء التهدئة في مصر مع قيادة الفصائل الفلسطينية في غزة.
كما علمت “القدس العربي” أن قيادات مهمة في السلطة الفلسطينية، طالبوا بضغط أمريكي أكبر، على حكومة إسرائيل، من أجل ضمان عودة الهدوء للقدس، حيث اشتكت اقتحام وزير الخارجية يائير لبيد قبل أيام منطقة باب العمود في القدس المحتلة، وأكدت أنها تمثل استفزازا يثير حفيظة الفلسطينيين، على غرار ما يقوم به عضو “الكنسيت” المتطرف بن غفير.
وأكد مسؤول فلسطيني لـصحيفة”القدس العربي” أن هناك تنسيقا يوميا بين رام الله وعمان، لافتا إلى أن الأردن أبلغ الأمريكيين بضرورة التدخل العاجل لمنع تفاقم الأمور الميدانية، وأن واشنطن وعدت بذلك.
اتصالات أمريكية
وخلال اتصالات أجراها مسؤولون في الإدارة الأمريكية وآخرون إسرائيليون، مع آخرين فلسطينيين، عملوا على طرح التخوفات الأمنية من تنفيذ عمليات جديدة، خاصة في مدينة القدس، وقدم الإسرائيليون معلومات خلال الاتصالات التي تجرى لضبط الوضع الميداني، حول قيامهم باعتقال أشخاص كانوا يستعدون لتنفيذ هجمات جديدة، غير أن الجانب الفلسطيني أكد أن تصعيد الأمور أو عودة الهدوء مرتبط بمدى الإجراءات التي يقوم بها جنود الاحتلال والمستوطنون في القدس، وحذروا من مغبة استمرار الوضع الميداني الليلي في منطقة باب العمود.
وكان نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، قال “على الجانب الإسرائيلي أن يعي تماما أن ما يحدث في باب العمود وغيره من أحياء القدس، وتصرفات شرطة الاحتلال تجاه المواطنين الفلسطينيين، واستمرار معاناة الأسرى وحجز جثامين الشهداء، وحتى التهديدات الرسمية الإسرائيلية لعمليات عسكرية جديدة في غزة، ستؤدي جميعها إلى اشتعال النيران، وستضر بميزان الردع الهش أصلاً”، محملا إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد، كما حذر من المساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية.
يشار إلى أن وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، أجرى اتصالا ليل الثلاثاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحسب بيان رسمي إسرائيلي فإن غانتس طالب بـ”المحافظة على الهدوء” في فترة الأعياد، وأن هذه الفترة “يجب أن تكون فترة سلام وطمأنينة”، وأشار إلى أن إسرائيل تأخذ على محمل الجد الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة 11 شخصًا في الأسبوعين الماضيين، وأنها “ستواصل العمل بقوة لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين وقوات الأمن”.
وفي غزة، ورغم التصريحات التي تحدث فيها مسؤولون إسرائيليون كبار عن وضع خطط عسكرية لمواجهة الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن إسرائيل بعثت مع الوسطاء رسائل، تؤكد أنها ستمضي في اتجاه تقديم المزيد من التسهيلات للفلسطينيين، خاصة في غزة، تشمل زيادة عدد التصاريح الممنوحة للعمال، وكذلك توسيع رقعة التصدير من غزة، وإدخال مواد جديدة للقطاع، في حال استمرت حالة الهدوء.
وللتدليل على ذلك، أصدرت سلطات الاحتلال قبل يومين دفعة جديدة من تصاريح عمال غزة، الذين يتمكنون من خلالها من دخول إسرائيل، وذلك بعد أن سمحت للغزيين باستيراد بعض السلع التي كانت ممنوعة من قبل، ومنها أدوات إلكترونية، لكن فصائل المقاومة في غزة التي تقودها حركة حماس، جددت للوسطاء رسالتها السابقة، بأن خطوات إسرائيل في القدس والضفة هي من تحدد طبيعة الوضع الميداني، وأن المقاومة لن تستمر في الصمت في حال اشتدت الهجمة على القدس المحتلة.
تحذيرات من غزة
وأنذرت فصائل المقاومة في غزة، عبر الوسطاء إسرائيل، بأن أفعال المستوطنين على الأرض، ودعواتهم لاقتحام الأقصى وإقامة “الطقوس التلمودية” التي تمثل استفزازا لمشاعر الفلسطينيين، واستمرار التنغيص على سكان المدينة المحتلة، كما هو الوضع الحالي، كفيل بقيامها بتغيير الأمور، ودفع غزة نحو المشاركة في “معركة القدس”، وتكرار سيناريو العام الماضي.
وفي رسالة جديدة أرادت من خلالها فصائل المقاومة في غزة، التأكيد على وحدة الميدان بين الضفة والقطاع، تستعد حركة الجهاد الإسلامي لتنظيم فعاليات جمعة “إسناد جنين ومقاومتها الباسلة”، وذلك من خلال تنظيم سلسلة من التظاهرات الحاشدة عقب صلاة الجمعة القادمة أمام عدد من المساجد الرئيسية في كافة مناطق القطاع.
وقال الدكتور يوسف الحساينة عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد، في منشور على حسابه في “فيسبوك”: “إن التغاضي عن جرائم الاحتلال الصهيوني العنصري في فلسطين، ولا سيما في القدس المحتلة، وما تحتويه من مقدسات إسلامية، وحي الشيخ جراح الذي يُستباح أمام نظر العالم المنافق، سيبقى عارا يلطّخ جبين الإنسانية المعذّبة والمضّطهدة”.
والجدير ذكره أن قوات جيش الاحتلال، لا تزال تواصل حالة التأهب على حدود قطاع غزة، خشية من انهيار الأوضاع الأمنية، حيث دفعت بمزيد من القوات وفرق القناصة، كما لا تزال حالة التأهب مستمرة في منظومة “القبة الحديدية” المضادة لصواريخ المقاومة.
وبسبب تصاعد أحداث القدس الليلية، والتي تشابه ما كان عليه الوضع العام الماضي، والذي أسفر وقتها عن اندلاع موجة غضب شعبي عارمة في الضفة وغزة ومناطق الـ48، تدحرجت لحد أن وصلت لحرب إسرائيلية على غزة، واستمرار فصائل المقاومة على موقفها، تدخل الوسيط الأممي، خشية من تطور الأحداث إلى نحو أخطر مما هو عليه الآن.
وقد تلقى إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اتصالًا هاتفيًا من تور وينسلاند المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشرق الأوسط، بحثا خلاله آخر التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
وقالت حركة حماس إن هنية استعرض خلال الاتصال ممارسات الاحتلال في الضفة والقطاع والقدس، مشيرًا إلى “جرائم الاغتيال والتي كان آخرها في مدينة جنين التي استقبل أهلها شهر رمضان باستشهاد خمسة من أبنائها، فيما تتواصل ممارسات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى، سواء التي قام بها عضو الكنيست بن غفير، وما قام به وزير الخارجية لبيد في باب العامود والذي يعد استفزازا لمشاعر المسلمين في هذا الشهر الفضيل”.
وطالب هنية من الأمم المتحدة ممارسة الدور المنوط بها في وقف هذه الممارسات في مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك لتأمين وصول كل المصلين إليه من الضفة والأرض المحتلة عام 48 ومنع أي استفزازات حوله.
كما تطرق هنية إلى ملف الأسرى في سجون الاحتلال وطالب بضرورة توفير متطلباتهم الإنسانية، مؤكدا في الوقت نفسه حقهم في الحرية، كذلك بحث رئيس حركة حماس مع المنسق الخاص جهود إعادة الإعمار في قطاع غزة وإنهاء وكسر الحصار، واستمع إلى شرح لما تقوم به الأمم المتحدة في هذا الخصوص.
وحسب بيان حماس، فإن المبعوث الأممي أثنى على العلاقة مع حركة حماس، ووصفها بـ”البناءة والاستراتيجية”، مقدرا الجهود التي تبذلها في أكثر من اتجاه.
والجدير ذكره أن وينسلاند التقى الثلاثاء مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في رام الله، وبحث معه آخر التطورات السياسية ومستجدات الأوضاع.