كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن سد الطبقة السوري الذي سيطر عليه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لم يكن على قائمة الغارات، لكن الجيش الأمريكي ضربه على أية حال.
وفي التقرير الذي أعده ديف فيليبس وعظمت خان وإريك شميدت، قالوا إن انفجارات اندلعت في أكبر سد بالبلاد بذروة المواجهات ضد تنظيم الدولة، فالسد المكون من 18 طابقا على نهر الفرات ويحتفظ بمياه على طول 25 ميلا ويطل على واد يسكنه آلاف الناس، كان الركيزة الإستراتيجية التي سيطر عليها تنظيم الدولة.
وأدت انفجارات 26 آذار/مارس 2017 لسقوط عمال السد وساد الظلام. ويقول شهود عيان إن قنبلة واحدة أسقطت خمسة طوابق. ومع انتشار النيران وتعطل الأجهزة الحيوية، لم يكن هناك أي منفذ لمياه السد العملاق كي تتدفق منه، مما أدى لارتفاع مستوى المياه فيه واستخدمت سلطات السد مكبرات الصوت لتحذير السكان الذين يعيشون في المصب وطلبت منهم الهروب. وحمل تنظيم الدولة والحكومة السورية والروس الولايات المتحدة مسؤولية التفجير. ولكن السد كان على قائمة “عدم الضربات العسكرية” والمنشآت المحمية. وقال قائد القوات الأمريكية في حينه الجنرال ستيفن تاونسند إن الحديث عن دور أمريكي قام على “تقارير مجنونة”. وقال مؤكدا “سد الطبقة لم يكن هدفا للتحالف”، مع أن عناصر في وحدة في قوات العمليات الخاصة أطلق عليها “قوة المهام الخاصة 19” هي التي استهدفت السد مستخدمة أضخم القنابل التقليدية المتوفرة في ترسانة الجيش الأمريكي، واحدة منها بي أل يو -109 الخارقة للتحصينات والمصممة لتدمير المباني الإسمنتية السميكة، حسب مسؤولين بارزين.
وقاموا بتنفيذ الهجوم رغم التحذيرات من عدم ضرب السد، لأن انهيار دفاعاته قد تؤدي لفيضان يغمر آلاف المدنيين. ونظرا لوضع السد وكونه محميا من الهجمات، فقرار ضربه كان يجب اتخاذه على مستويات عسكرية عليا، لكن مسؤولين سابقين قالوا إن قوة المهام الخاصة استخدمت عملية مختصرة يتم اللجوء إليها عادة في وقت الطوارئ والتي تسمح بالضرب بدون الحصول على إذن. وقتل ثلاثة عمال اندفعوا نحو السد بغارات أخرى، وذلك حسب شهادات العاملين فيه. وقالت الصحيفة إن المسؤولين السابقين تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما وقالا إن بعض الضباط الذين أشرفوا على الغارات اعتبروا الضربة تهورا.
ويأتي الكشف عن تصرفات قوة المهام الخاصة 19 بعد سلسلة من التصرفات التي وصفتها الصحيفة في العام الماضي وقتل المدنيين في المواجهة الأخيرة مع تنظيم الدولة في بلدة باغوز، قرب الحدود السورية مع العراق. وقال سكوت موراي، العقيد المتقاعد من سلاح الجو إنه حتى في ظل التخطيط الحذر، فضرب سد بقنبلة ضخمة كان سينظر إليه القادة بالخطير وغير المقبول. وأضاف “استخدام قنبلة زنتها 2.000 رطل ضد هدف مقيد مثل السد أمر صعب وكان يجب عدم نقلها على طائرة” و”أسوأ من هذا فقد كانت الذخيرة ستتسبب بانهيار السد” وبعد الغارات حالف عمال السد الحظ عندما اكتشفوا قنبلة بي أل يو -109 ملقاة على جانبها ولكنها لم تنفجر، ولو انفجرت لانهار كل السد.
واعترفت القيادة المركزية التي أشرفت على عمليات مواجهة تنظيم الدولة بإلقاء قنبلة زنتها 2.000 رطل ولكنها نفت أن الهدف كان السد أو أنها تجاهلت الإجراءات المطلوبة. وقال المتحدث باسم القيادة المركزية إن القنبلة استهدفت برجا ملحقا بالسد فقط، وإن القيادة تلقت بلاغا قبل الضربة وإنها وافقت قبل العملية على غارات محدودة. وقال الكابتن بيل إربان، المتحدث باسم القيادة “أكدت التحليلات أن الغارات على الأبراج المقامة على السد لن تؤدي لضرر لسد الطبقة نفسه”، مضيفا أن السد لم ينهر وهو ما أكد أن “التحليل ثبتت صحته”. وقال الكابتن إربان “المهمة والغارات التي ساعدتها، عملت على عودة السيطرة عليه وسد الطبقة كما هو لسكان شمال- شرق سوريا ومنعت تنظيم الدولة من استخدامه كسلاح”. و”لو سمح لهم بعمل هذا قد توقع تحليلنا في ذلك الوقت أنهم سيتسببون بمعاناة أكبر لسكان سوريا”. لكن المسؤولين اللذين شاركا في العمليات أثناء ذلك وشهود العيان السوريين الذين تحدثوا للصحيفة وصفوا وضعا خطيرا وأخطر مما زعمت القيادة الأمريكية.
فقد أدت الغارات لتدمير معدات السد الذي توقف عن العمل، وارتفع منسوبه إلى 50 قدما بشكل كاد يتدفق إلى خارجه، مما كان سيتسبب بكارثة حسبما قال المهندسون. وكان الوضع خطيرا بدرجة قامت فيه السلطات التركية بقطع المياه من المنبع، وأعلن أعداء الحرب، تنظيم الدولة، الحكومة السورية والأكراد والولايات المتحدة عن وقف إطلاق من أجل السماح للمهندسين المدنيين العمل على منع الكارثة. وقال المهندسون الذين عملوا على السد إن تحركهم السريع والذي تم تحت تهديد السلاح أدى لإنقاذ السد والناس الذين يعيشون تحته. وقال مدير السد السابق إنه لو لم يتم التحرك “لكان التدمير خارج الخيال” و”لزاد عدد الضحايا عن عدد السوريين الذين ماتوا أثناء الحرب”.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة ذهبت إلى الحرب لحماية المدنيين والمنشآت الحيوية، وضرب منشأة لم تكن على قائمة الأهداف اقتضى فحصا وموافقة على أعلى المستويات، إلا أن تنظيم الدولة حاول استغلال هذه القواعد واستخدم المنشآت المدنية كمخازن للسلاح ومراكز للقيادة بما فيها سد الطبقة. وكان الحل الذي تبنته قوة المهام الخاصة هو وضع قواعد حماية المدنيين جانبا، حسب مسؤولين حاليين وسابقين. وبعد فترة بدأت القوة بتبرير كل الغارات على أساس الطوارئ وحماية النفس ومن أجل إنقاذ الجنود من أوضاع مهددة، حتى لو لم يكونوا في حالة خطر. وسمح هذا لها لكي تضرب الأهداف بسرعة بما فيها تلك التي لا تشملها قائمة الأهداف. وضربت الغارات التي تم التسريع بها مساجد ومدارس وأسواقا وقتلت أعدادا من النساء والأطفال، حسب عناصر سابقين فيها، بالإضافة للوثائق التي حصلت عليها الصحيفة والتقارير من مواقع الغارات في سوريا. لكن الهجوم على الطبقة هو مثال عن التهور والوقاحة في استخدام قواعد الدفاع عن النفس وكان سيتسبب بكارثة فيه.
ومع بداية الحرب رأت الولايات المتحدة أن السيطرة على السد الذي بني في عهد الاتحاد السوفييتي ويبعد 30 ميلا عن عاصمة الخلافة، الرقة، كمفتاح للسيطرة على المدينة. وسيطرت جماعات المعارضة عليه عام 2013 ولكن التنظيم ضمه إلى مناطقه التي توسع فيها عام 2014. واحتفظ التنظيم بقوة صغيرة حيث منحت أبراجه وجدرانه الإسمنتية السميكة حماية. ولكنه ظل نقطة مهمة لتوفير الخدمات المدنية، حيث ظل العمال يوفرون الطاقة الكهربائية وتنظيم عمليات الري التي امتدت على المزارع. وفي عام 2017 وعندما شن التحالف حملته للسيطرة على مناطق التنظيم كان يرى أهمية بالسيطرة عليه لمنع المقاتلين من إغراق السكان الذين يعيشون في تيار المصب. وكانت قوة المهام الخاصة-19 تعمل على الأرض وصممت عدة خطط للسيطرة عليه قبل الضربة، حسب مسؤولين. وطلبت القوة تقريرا متخصصا من وحدة المهندسين الخاصة في مكتب المصادر والبنى التحتية التابع للاستخبارات العسكرية وطلبت النصح وتقييم حجم القنابل التي يمكن استخدامها. وكان رد الوكالة العسكرية سريعا: السد ليس هدفا للضرب.
وفي تقرير من أربع صفحات قال المهندسون إنه يمكن استخدام صواريخ هيلفاير التي تزن 20 رطلا لضرب الجوانب الشرقية من السد لكن هناك مخاطر حالة استخدام قنابل أو صواريخ مهما كان حجمها ضد البنى الإسمنتية التي تتحكم بتدفق المياه. وقال المسؤولون السابقون إن التقرير حذر من أية ضربة قد تؤدي لتعطل السد وتتسبب بمقتل آلاف الناس. وتوافق التقرير مع تقرير آخر للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير 2017 والذي حذر من ضرب السد لأنه قد يؤدي لتعطله وغرق المجتمعات التي تبعد عنه 100 ميل. وكان التقرير قد أعد قبل أسابيع من الغارة ووصل إلى القوة. إلا أن فريقا منها قرر في الأسبوع الأخير من آذار/مارس 2017 توجيه ضربة للسد وباستخدام أضخم القنابل المتوفرة. ولا يعرف السبب الذي دعا للضرب، ففي ذلك الوقت كانت القوات الأمريكية والتي تدعمها تسيطر على الجانب الشمالي من السد وقوات تنظيم الدولة تسيطر على الطرف الجنوبي.
وقال الكابتن إن قوات التحالف حاولت السيطرة عليه، ولكنها تعرضت لنيران كثيفة بشكل أدى لتكبدها خسائر فادحة ولهذا قررت ضربه، لكن عمال السد لم يشاهدوا أو يسمعوا عن ضحايا قبل يوم من الغارة. وما هو واضح أن قوة المهام الخاصة-19 طلبت الغارة دفاعا عن النفس بشكل حللها من العودة إلى المستويات العليا. وبحسب تقرير تم الحصول عليه بناء على قانون حرية المعلومات كشف عن طلب المشغلين مقاتلة بي-52 التي حلقت عاليا فوق السد وطلبوا ضربات على ثلاثة مواقع. ولكن التقرير لا يتحدث عن تعرض القوات لنيران القوات العدوة أو أنها تكبدت خسائر. ويقول التقرير إن الطلب جاء “لحرمان العدو من الأرض”.
ويقول مسؤولان سابقان إن مسألة الحرمان تشير إلى أن قوات التحالف لم تكن في خطر الهزيمة من مقاتلي العدو، وكان هدف قوة المهام الخاصة هو عملية وقائية وحرمان المقاتلين من الأبراج. وقالا إن شن هجوم تحت ذريعة حماية النفس كان مثيرا للدهشة نظرا لاختلاف الإجراءات. فبعد أسابيع قررت الولايات المتحدة إغلاق نظام قنوات قرب الرقة، واقتضى الأمر عملية موافقة مستفيضة من مجلس الأهداف. وهذا ما لم يحدث مع السد. ونفى مسؤول في وزارة الدفاع أن تكون القوة قد تجاوزت التعليمات، مشيرا أن الهجوم تم من خلال الإطار المحدد لمواجهة تنظيم الدولة ولم تكن هناك حاجة لطلب موافقة القيادة. وفي البداية طلب من بي-52 إطلاق قنابل تنفجر في الجو، وعندما فشلت في إخراج مقاتلي التنظيم طلب منها إسقاط 3 قنابل زنة كل واحدة منها 2.000 رطل وواحدة منها قادرة على اختراق التحصينات حالة لمسها الإسمنت. وقامت قوات المهام الخاصة بقصف شديد على الأبراج. لكن مقاتلي التنظيم هربوا لاحقا وخربوا توربينات السد التي لم تكن عاملة أثناء انسحابهم.
ووصف مهندس كهربائي آثار القصف وما تبع من مكالمات بين مسؤولين روس والقيادة المركزية الأمريكية في قطر وتحذيراتهم بأن الوقت قصير لمنع كارثة انهيار السد. وبعد أقل من 24 ساعة على الضربة تم الاتفاق على وقف العمليات العدوانية، ثم تحرك فريق من 16 عاملا، بعضهم من تنظيم الدولة والتحالف والحكومة السورية. وعملوا بجهد كبير مع ارتفاع منسوب المياه. ونفت قوات سوريا الديمقراطية تعرض السد لهجوم وقالت إنه دعاية. وقالت المتحدثة باسمه إن التحالف ضرب السد بأسلحة خفيفة بحيث لا تسبب الضرر له. ونفى القائد العسكري تاونسند تعرض السد للهجوم. ولم يتم اتخاذ إجراءات ضبط ضد قوة المهام الخاصة التي استمرت بطلب الغارات بناء على نفس المبرر، الحالة الطارئة والدفاع عن النفس.