هآرتس - بقلم: افنير كوهن "محرج جداً في جهله ذاك التصريح العلني الأجوف الذي جاء به رئيس الموساد دافيد برنياع، حين قال فيه إن الموساد يتعهد بعدم السماح لإيران امتلاك سلاح نووي. تصريح عديم المصداقية بسبب غطرسته، وصبياني وشوفيني وضيق الأفق في صياغته وتوقيته. كل من يسمع مثل هذا التصريح وتكون لديه خبرة قليلة في شؤون الذرة وإيران، يدرك بأن لا أهمية لتصريحه هذا.
الجاهل وحده قد يصدق بأن قوة خارجية، سواء وكالة استخبارات (الموساد أو الـ سي.آي.ايه) أو الجيش، يمكنها منع السلاح النووي عن دولة يعيش فيها 85 مليون شخص، وذات بنية تحتية نووية وصناعية من النوع الموجود الآن في إيران. نعم، عن طريق التحايل يمكن التسبب بضرر وتأجيل النهاية، وفي أفضل الحالات، كسْب سنة ربما أو أكثر بقليل. ولكن يجب الاعتراف بأنه لا يمكن لأي قوة خارجية منع إيران المصممة من الحصول على السلاح النووي، سوى باحتلال عسكري شامل.
حتى في حالة العراق، عشية حرب الخليج الأولى في 1990، عندما كان يعيش فيه أقل من 18 مليون نسمة، وكانت بناه التحتية النووية والتكنولوجية أقل بما لا يقاس مما لدى إيران اليوم، لم يدمر لا القصف ولا الجيش الأمريكي، البرنامج النووي الذي كان يملكه صدام حسين. با إن ما دمره في 40 يوماً هو هزيمته في الحرب. وبالتالي، اضطر إلى قبول الشروط التي وضعت أمامه، مثل نظام تفتيش نووي شديد. وفي حينه أيضاً، نجح نظام التفتيش بجهد استمر لسنوات، في تشخيص المشروع النووي للعراق وتدميره. أي أنه لا يمكن لهذه الدولة أن تلتزم بعدم امتلاك سلاح نووي إلا عبر نظام إشراف قسري، وبعد هزيمة في حرب حقيقية. وهو تعهد لن يكون صالحاً إلى الأبد، بل يجب ألا نقول في أي يوم “إلى الأبد”.
لو كانت إيران حقاً مصممة على اجتياز العتبة النووية وتفجير قنبلة نووية، لفعلت ذلك قبل فترة طويلة. لا توجد أي قوة خارجية، باستثناء احتلال جغرافي وإسقاط النظام، تستطيع منع إيران من الحصول على السلاح النووي، إذا كان لديها التزام وطني بذلك. ولا يمكنها حتى في أعقاب نشاطات عسكرية واسعة، إعاقتها وتأجيلها في نهاية المطاف.
بتحليل تاريخي، يبدو أن إيران اقتربت من القدرة النووية، لكنها لم تفعل ذلك بشكل حازم وبأي ثمن. إيران مصممة على الوصول إلى القدرة النووية، لكن في الوقت نفسه لها عنصر مواز يتمثل بالحذر والاعتدال، لئلا تتدهور إلى أوضاع مواجهة مع الدول العظمى في العالم. إيران تفحص طوال الوقت معارضة العالم لطموحاتها النووية، وتبحث في كل مرة عن فرصة للتقدم خطوة أخرى صغيرة إلى الأمام.
إيران بعد 2003، وهي السنة التي تم التخلي فيها عن المشروع الغريب جداً لحرس الثورة، (إنتاج ستة رؤوس متفجرة من الجيل النووي الأول) كانت حذرة جداً من تسريع طريقها نحو القنبلة، وضمن ذلك أيضاً السنتين الأخيرتين، أي حتى بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.
على الرغم من اقتراب إيران من القنبلة، إلا أنه من غير المعروف ما هي النقطة الأبعد التي تطمح إيران للوصول إليها في وضعها الحالي. من المرجح أن القيادة الإيرانية نفسها لا تملك إجابة. كثيرون في الولايات المتحدة، بما في ذلك كاتب هذه السطور، يعتقدون أن ليس لإيران في هذه الأثناء نية لاجتياز الحافة النووية، أي تنفيذ تجربة واستعراض قدرات. يبدو أن إيران تطمح إلى الاقتراب من الحافة النووية، لكن التعتيم هو على درجة اقترابها من الحافة، خاصة في كل ما يتعلق بالأمور التي تتجاوز إنتاج المواد المتفجرة بمستوى السلاح النووي.
حسب المنطق، يبدو أن إيران -لو استطاعت- كانت تريد أن تتشبه بإسرائيل في أواخر الستينيات؛ أي أن تكون دولة غير خاضعة لأي اتفاق نووي، وألا تقول ماذا وكم لديها بالضبط. ولكن العالم اعتاد بالتدريج على أن يرى فيها دولة حافة نووية. والأهم من ذلك، أن العالم يفهم أن لا جدوى من محاربتها بسبب اقترابها من الحافة النووية. في هذه الحالة، قد تخرج إيران بإعلان لا يختلف جوهرياً عن صيغة الغموض الإسرائيلية، شيء مثل “إيران لن تكون الدولة الأولى التي تدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط”.
إيران الآن ليست في الوضع الذي يمكنها من أن تشبه إسرائيل في أواخر الستينيات، أو حتى جنوب إفريقيا أو باكستان في بداية التسعينيات. طالما أنها وقعت على ميثاق عدم انتشار السلاح النووي، تدرك إيران أنه لا يمكنها فعل ذلك. في وضعها الآن تصعب رؤية كيف ستتوصل إيران إلى تفاهمات مع دول العالم، حتى تفاهمات ضبابية، بحيث تعترف هذه الدولة بأنها دولة حافة نووية. بالطبع، قرب إيران من الحافة سيكون مرتبطاً بمصداقية الاتفاق الجديد الذي سيتم التوصل إليه معها، على فرض (غير مؤكد على الإطلاق) أنه سيتم التوصل إلى اتفاق.
في المقابل، إذا تمت مهاجمة المنشآت النووية في إيران، وبالأساس إذا كان الهجوم من إسرائيل وحدها، فمن المحتمل أن يكون هناك سيناريو ستقرر فيه إيران بصورة أحادية الجانب تطبيق المادة 10 في الميثاق، التي تسمح بالانسحاب من الميثاق خلال ثلاثة أشهر إذا كان أمنها القومي مهدداً بصورة مرتبطة جوهرياً بمجال الميثاق. بالمناسبة، يمكن أن تطبق إيران مادة الانسحاب حتى إذا تمت مهاجمة المنشآت النووية بهجوم غير عسكري.
بكلمات أخرى، إن تعهد رئيس الموساد ليس تصريحاً غبياً وصبيانياً ومتفاخراً فحسب، بل وخطر. ربما ينقلب إلى سهم مرتد، يعود ويصيب من أطلقه بعد إصابة هدفه. تعهد رئيس الموساد مدعوم بتعهد إسرائيلي متشدد وأحادي الجانب، ولا يتمتع بأي شرعية دولية. إن وصفة لكارثة يجب على إسرائيل أن تحذرها، هو ما خلق المبرر والشرعية التي ستمكن إيران من الانسحاب من الميثاق (ومن اتفاقات “معيبة” أخرى يتم التفاوض حولها الآن)، والتحول إلى دولة حافة نووية حقيقية، على بعد مسافة أيام أو بضعة أسابيع عن القنبلة.
الآن، بعد مرور ثلاث سنوات على انسحاب ترامب، بتشجيع من نتنياهو، من الاتفاق النووي، يوجد في إسرائيل إجماع أمني، تقريباً شبه كامل، بأن هذه الخطوة المتسرعة كانت خطأ استراتيجياً مهدداً. “تعهد” رئيس الموساد قد يتحول إلى خطأ مشابه. وهو تعهد جاهل وعديم الموثوقية وغبي. وليس هذا فقط، بل ستكون نتائجه معاكسة للهدف.