في حملة الاعلام والاقناع وتجنيد المناصرين التي تقوم بها إسرائيل بشكل كثيف ضد المفاوضات مع إيران، تطرح ضرورة استمرار سياسة العقوبات الشديدة و"عدم الخضوع لابتزاز إيران" كوسيلة ناجعة واساسية لجعل إيران تتراجع عن مشروعها النووي.
هذه استراتيجية ثابتة لإسرائيل، الاوتوماتيكية والقديمة التي عفا عليها الزمن. الجانب المهم فيها هو التناقض الذي يكمن فيها. المطالبة بفرض العقوبات لا يمكنها الاعتراف بأن إيران هي دولة عقلانية، وسياستها يوجهها مبدأ التكلفة والفائدة. حسب هذه النظرية فان الازمة الاقتصادية التي تمر بها وعزلتها (غير الكاملة) في العالم والغضب وخيبة الامل فيها التي تهدد استقرار النظام وبقائه ايضا، هي الادوات التي يمكن أن تعيدها الى الاتفاق النووي الاصلي وضمان ألا يتم انتاج قنبلة نووية. ولكن هذه المطالبة بالعقوبات تناقض عدم ثقة إسرائيل بالاتفاق الاصلي وجدواه في منع انتاج قنبلة نووية. وإذا كان الامر هكذا فبماذا ستفيد العقوبات، وبماذا افادت حتى الآن؟
العقوبات بحد ذاتها لم تغير سياسة إيران التي تتعرض منذ اربعين سنة لنظام العقوبات. حتى "الضغط بالحد الاعلى" الذي استخدمه عليها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب لم يغير ذلك. وقد وقعت على الاتفاق النووي الاصلي في ولاية براك اوباما في 2015 بالأساس لأنها اعتبرته شريك مستعد لتفهم مخاوفها والموافقة على صيغة تلبي احتياجاتها. إيران تمسكت بالاتفاق النووي حتى عندما تم انتخاب ترامب للرئاسة، وانتظرت سنة بعد انسحابه من الاتفاق الى أن بدأت بخرقه بشكل علني. مع ذلك، هي لم تعلن عن انسحابها من الاتفاق.
إن انتخاب بايدن للرئاسة وسياسته المصممة على العودة الى الاتفاق النووي وفرت لإيران فرصة للعودة الى المفاوضات. فهل هي تريد الآن اطالة الوقت من اجل أن تستطيع تخصيب اليورانيوم وانتاج قنبلة؟ الافتراض في إسرائيل هو أن هذا هو هدفها حقا. وإذا كان الامر كذلك فلماذا يجب على إيران العودة الى المفاوضات اصلا؟ هل هي تخشى على سمعتها الجيدة كي لا يفرض عليها المجتمع الدولي المسؤولية عن خرق الاتفاق وتعطي بذلك شرعية لمهاجمتها عسكريا؟
هذا التحليل لا يناقض فقط النظرية التي تقول بأن إيران هي دولة عقلانية، بل هو يتجاهل أن مهاجمتها عسكرية تقتضي الأخذ في الحسبان الردود المتوقعة من حليفتيها روسيا والصين. اضافة الى ذلك، جهود إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بمواصلة سياسة العقوبات تستند الى الاعتراف بأن بايدن لا ينوي أن يكون شريك في أي هجوم عسكري. من هنا، ادعاء إسرائيل، الذي بحسبه إيران اصبحت دولة حافة نووية ولذلك يجب العمل ضدها عسكريا على الفور وعدم الانتظار حتى يتم عرض قنبلة نووية في استعراض عسكري، هو ادعاء لا يتساوق مع المطالبة بفرض عقوبات ولا يتساوق مع الواقع.
كان يجب على إسرائيل تستوعب هذا الدرس منذ زمن لأنها هي نفسها تدير منذ 14 سنة نموذج مصغر لـ "الضغط بالحد الاعلى" غير المجدي ضد غزة. والمنطق في فرض الحصار الخانق على غزة تغير في الحقيقة مع مرور السنين، لكن الحصار بالأساس استهدف منع حماس من تهديد إسرائيل عسكريا ووقف تسلحها، وحتى احداث انقلاب في الحكم لإسقاط حماس على ايدي جمهور فقير ويائس وخائب الأمل.
خلافا لإيران إسرائيل استخدمت في عدد كبير من المرات "الخيار العسكري" بصورة قاسية. وماذا كانت النتيجة؟ إسرائيل مع شريكات عربية تحاول التوصل الى اتفاق تسوية بعيد المدى يتضمن تنازل من جانبها عن العقوبات والمساعدة في الاعمار الاقتصادي وبناء بنى تحتية تعطي لحماس محفز لوقف إطلاق النار. هذا الاتفاق، هذا ما تعرفه إسرائيل، لن يعطيها الاعتراف من قبل حماس ولن يغير ايديولوجية حماس ولن يؤدي الى نزع سلاحها. هذا هو نوع الاتفاق الذي تريد الدول الغربية العظمى التوصل اليه مع إيران فقط مع زيادة: تجميد المشروع النووي.