“يما غرقنا والسمك أكلنا”.. حادثة غرق قارب مهاجرين من غزة قبالة اليونان تنكأ جراح المحاصرين

الأحد 07 نوفمبر 2021 03:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
“يما غرقنا والسمك أكلنا”.. حادثة غرق قارب مهاجرين من غزة قبالة اليونان تنكأ جراح المحاصرين



غزة /سما/

يراقب سكان غزة بقلق بالغ، وخاصة أهالي الشبان الذين كانوا على متن قارب الهجرة من تركيا إلى اليونان، الأنباء التي تتردد عن الحادثة بقلق وخوف شديدين، خشية أن يكون أبناؤها الذين تركوا القطاع مؤخرا، بحثا عن فرص عمل، من بين الضحايا، خاصة وأن حوادث كثيرة تكررت في أعوام، سابقة، حيث لا يزال هناك مفقودون حتى اللحظة، ولا تعلم أسرهم عنهم شيئا.

تسجيل مؤثر

وأثر كثيرا التسجيل الصوتي الذي انتشر لشاب نجا من حادثة الغرق، بينما كان يجري اتصالا بوالدته في قطاع غزة، في نفوس المواطنين، خاصة وأن معظم أسر غزة، لها أقارب إما في طريقهم للهجرة أو تمكنوا فعلا من الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية بحثا عن العمل، فيما قضى آخرون في أوقات سابقة، وتحديدا في نهايات عام 2014 في حوادث غرق لقوارب هجرة غير شرعية، بسبب طمع عصابات التهريب، وكذلك عدم قدرة المراكب التي كانوا على متنها على الإبحار لمسافات بعيدة.

وفي ذلك التسجيل، يسمع صوت شاب من غزة، بعد اعتقاله من قبل الشرطة وعدد من رفاقه الذين كتب لهم النجاة، خلال رحلة الهجرة من تركيا لليونان، وهو يقول لوالدته بطريقة مؤثرة إنه نجا من الموت بعد مكوثه مع عدد من رفاقه في الماء لساعتين، وقد أبلغ ذلك الشاب والدته بغرق أحد أصدقائه، وطلب من والدته إبلاغ أهله، وقال بكلمات حزينة وهو يبكي إن السمك قد أكله، في إشارة لزميلة، وقال: “يما (يا أمي) ساعتين بنغرق، يما الشباب ماتت”.

كما يسمع صوت شاب آخر وهو يحصي الناجين من حادثة الغرق هذه، ليطمئن أهاليهم في غزة. ويتردد أن أكثر من 20 شخصاً كانوا على متن قارب الهجرة، غالبيتهم فلسطينيون، غرقوا في منطقة بحر إيجا بين اليونان وتركيا، حيث طغت الحادثة على أحاديث السكان واهتمامهم، وظهر ذلك في حجم التعليقات التي تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي.

وطالبت شقيقة الشاب أنس أبو رجيلة أحد من تواجدوا على متن قارب الهجرة، بمعرفة مصيره، وقالت وهي تصرخ: “مفيش أي اتصال رسمي، طول اليوم نتلقى تطمينات فقط دون أي خبر حقيقي”، وتضيف: “أحيانا ترد أخبار أنهم في مشفى يوناني، ومرة أخرى أنهم في إحدى الغابات”، وقالت إن شقيقها خرج من غزة بحثا عن العمل لتأمين حياته، وتابعت: “الموت مش تاركنا، سواء بسبب الحرب في غزة، ولا كان برة من الموت والغرق”.

وفي بداية الحديث عن المأساة، أعلن المستشار السياسي لوزير الخارجية والمغتربين السفير أحمد الديك، أن الوزارة وسفارة دولة فلسطين لدى الجمهورية التركية تتابعان باهتمام كبير حادثة الغرق، وأكد أنه سيتم الإعلان عن أي تفاصيل تتوفر لديهم، ريثما تتضح الصورة بالتعاون مع السلطات التركية المختصة.

وتلا ذلك أن أعلنت الخارجية، أنه تم التأكد أن ثمانية من الشبان بخير وتم إنقاذهم، وهم موجودون في مراكز إيواء تابعة لإدارة الهجرة التركية، باستثناء ثلاث حالات جاري التأكد من وجودها لدى الجانب التركي أو اليوناني.

رحلات المجهول

ويلجأ الكثير من شبان غزة، بعد تدبيرهم أموالا إما عن طريق الأهل أو من خلال الاستادنة، إلى الخروج من غزة إلى تركيا، بطرق رسمية، ومن هناك يقومون بدفع أموال كثيرة لمهربين ينقلوهم من تركيا إلى اليونان عبر البحر، ومن اليونان يتوجهون إلى دول أوروبية غنية.

ويخرج الشبان من القطاع إلى أوروبا، بحثا عن العمل، وذلك في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، بسبب تشيد إجراءات الحصار، واستمرار حالة الانقسام، حيث تقدر نسبة البطالة في غزة بأكثر من 52%، وترتفع نسبتها بين فئة الشباب، فيما تقارب نسبة الفقر الـ70%، وتمكن شبان وصولوا للقارة الأوروبية بعد عدة أعوام، من الحصول على جنسيات أوروبية، ومن ثم تمكنوا من جلب أسرهم.

وفي استطلاع للرأي أجرته جامعة الأقصى في غزة منتصف العام الماضي، اشتمل على 1280 عينة من الفئة العمرية التي تفوق أعمارها الـ18 عاما، أظهر أن 51 في المئة من الشباب مستعدون للهجرة خارج القطاع في حال أتيحت لهم الفرصة لذلك. وأوضح 83 في المئة أن العامل الاقتصادي هو السبب في الهجرة، كما بينت نتائج الاستطلاع أن نسبة 73.4% يرون أنه في حال انتهى الانقسام وتحققت المصالحة الفلسطينية يمكن أن يحققوا أهدافهم دون أن يهاجروا خارج الوطن.

وفي العام 2019، نشرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية تقريرا،  حول هجرة الشبان الفلسطينيين من غزة، قال وقتها إن عددهم وفقا لتقديرات إسرائيلية، تجاوز الـ40 ألفاً، فيما تذكر تقارير محلية إن عددهم فاق الـ70 ألفا، من عام 2014 حتى 2020.

ولوحظ أن معدلات الهجرة تتصاعد، في ظل عدم وجود اهتمام من المستوى الرسمي، للوقوف على الأسباب، ومحاربة الظاهرة، خاصة وأنه سجل مؤخرا هجرة عشرات الأطباء من القطاع للعمل في دول أوروبية.

ورغم مخاطر الهجرة وقصص الموت في المتوسط وفي جبال أوروبا الباردة، خلال الانتقال من بلد إلى آخر مشيا على الأقدام، وهربا من الشرطة، إلا أن ذلك لم يردع أحلام الكثير من شبان غزة، وتطلعهم ليوم الخروج.

لكن حوادث الغرق هذه، وما سبقها من حوادث موت لشبان خلال رحلات الهجرة، تجعل من عوائل المهاجرين قلقة حتى استقرار أوضاع أبنائها هناك، وتظهر في ذات الوقت حجم المأساة التي يعيشها سكان غزة، والتي تدفع بخيرة أبنائه للهجرة، حيث كان من بين المهاجرين من هم حاصلون على شهادات جامعية عليا.

ونكأت الحادثة جروح عوائل غزية كثيرة، فقدت أبناءها خلال رحلات هجرة سابقة، حيث لم تعرف مصيرهم حتى اللحظة، رغم تقديمها شكاوى إلى الأمم المتحدة، تطالب فيها الدول التي غرقت مراكب الصيد قرب شواطئها بالكشف عن مصير أبنائها، خاصة بعد إنقاذ عدد قليل منهم، ووصولهم إلى دول أوروبية مثل اليونان، وكان من بين من فقدوا في البحر، عوائل بأكملها تضم الرجل وزوجته وأطفاله، وقد نظمت عوائلهم العديد من الوقفات والاعتصامات أمام مقرات دولية دون جدوى.  "القدس العربي"