"فايننشال تايمز": السعودية غاضبة من الخيانة.. وتخليها عن لبنان يخلق فراغا

الأحد 07 نوفمبر 2021 02:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
"فايننشال تايمز": السعودية غاضبة من الخيانة.. وتخليها عن لبنان يخلق فراغا



لندن/سما/

 نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعدته كلوي كورنيش وإيلي وهبة قالا فيه إن جورج قرادحي، كان محررا غير معروف في إذاعة لبنانية عندما جاءه الحظ، وحصل في عام 2000 على وظيفة جعلته نجما في العالم العربي، حيث اختير لتقديم النسخة العربية من برنامج “من سيربح المليون” على مجموعة “ام بي سي” التي تمولها العائلة المالكة في السعودية.

وبعد عشرة أعوام على مغادرته القناة، فقد تسبب المذيع النجم الذي عين قبل فترة وزيرا للإعلام بخسارة بلده المفلس مئات الملايين من الدولارات، وذلك عندما أغضب رعاته الخليجيين. وأدت تصريحاته التي سجلت قبل تعيينه وزيرا وبثت الشهر الماضي، بعاصفة دبلوماسية. حيث انتقد الحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وردت السعودية بمنع استيراد كل المنتجات اللبنانية وطلبت من السفير اللبناني مغادرة اراضيها. وتبع حلفاء السعودية في الخليج نفس الأمر. وتسببت هذه الخطوات مجموعة بمعاناة بلد يقف على حافة انهيار اقتصادي لم يشهد مثله في حالة السلم.

وفي انهيارها الإقتصادي المأساوي باتت بيروت أكثر اعتمادا على تدفق المال من الخليج الذي ظل “رئة لبنان منذ خمسينات القرن الماضي”، كما يقول روي بدارو، الإقتصادي اللبناني. وحذر أن “لبنان لا يستطيع تحمل هذه الصدمة لوقت طويل”.

 وترى الصحيفة أن تصريحات قرادحي كشفت بالنسبة لدول الخليج التي دعمت الحكومات السابقة، عن المظالم التي تغلي تحت السطح وأدت إلى تدهور علاقة كانت مرة جيدة. ولطالما انزعج حلفاء لبنان من صعود حزب الله الذي تدعمه إيران، مما أدى لتراجع تأثيرهم. ويتحالف حزب الله مع حزب المردة الذي يدعم قرداحي. وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بعد سحب الرياض سفيرها إن الأزمة في لبنان سببها هيمنة وكيل إيران على الدولة اللبنانية. مضيفا أن هذا يسبب قلقا للسعودية ويجعل التعامل مع لبنان غير مفيد.

ويرى البعض أن تصريحات قرداحي تنم عن قلة وفاء. ويرى السياسي السني فؤاد مخزومي والذي يحتفظ بمصالح تجارية في الخليج “ان تراكما من الإشمئزاز تجاه اللبنانيين والأخير، كان هو الحافز”. وتبرعت دول الخليج بمليارات الدولارات لإعادة إعمار لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية في عام 1990 وفي ظل رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي شهد عهده علاقات قوية بين لبنان والسعودية. وكملياردير بنى ثروته في قطاع الإنشاءات بالسعودية فقد شجع الحريري الإستثمار الخليجي في لبنان. وبدأت العلاقة بالتراجع باغتياله في عام 2005، وهي عملية قتل حمل مسؤوليتها حزب الله المدعوم من إيران. وحدثت أسوأ مواجهة في العلاقات عام 2017 عندما احتجزت السعودية وإن لفترة قصيرة سعد الحريري، رئيس الوزراء وأجبرته على الإستقالة. وتقول الصحيفة إن تصريحات قرداحي التي اعتبر فيها الحوثيون يقاتلون دفاعا عن أنفسهم ضد العدوان السعودي- الإماراتي انتشرت بشكل واسع وهو ما “أثار غضب السعوديين” حسب هايكو ويمن، مدير برنامج العراق ولبنان وسوريا في مجموعة الأزمات الدولية.

وأضاف إميل هوكاييم الزميل البارز في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: ” تهاجم السعودية من تربحوا ولم يقدموا شيئا، وخانوها وخيبوا أملها وتلاعبوا فيها”. وقال إن السعودية الآن تترك “فراغا وبخاصة في المجتمع السني” في لبنان والذي اعتمدت فصائله تقليديا على الدعم السعودي. وترى الصحيفة أن الرد القاسي هو بمثابة صدمة خطيرة للإقتصاد اللبناني. ويعاني نصف اللبنانيين من الفقر بعد الأزمة المالية والإقتصادية المزدوجة منذ عام 2019. وتم تشكيل حكومة جديدة بعد عام من حكومة تصريف الأعمال بسبب انفجار بيروت 2020. ويعتبر الخليج المصدر المهم للصادرات اللبنانية والعملة الصعبة. وكانت السعودية السوق الأكبر للمواد الزراعية اللبنانية عام 2020، وبصادرات قيمتها 200 مليون دولار العام الماضي. ويقدر البنك المصرفي أن نسبة 60% من تحويلات اللبنانيين في الخارج تأتي من الخليج حيث يعمل نصف مليون لبناني هناك، وتمثل شريان حياة للإقتصاد اللبناني.

ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، بالنسبة للخليج الذي أهين “فهذه قطيعة مطلقة لا رجعة فيها” و “طالما ظل حزب الله في السلطة، أعتقد أن الإمارات والسعودية قررتا التخلي عن لبنان”.

ويقول مخزومي إن تخلي البلدين الخليجيين عن لبنان سيعطي حزب الله الفرصة “للظهور إعلاميا أنه انتصر  وأخرج السعوديين”. لكن لو قررت دول الخليج التصعيد من خلال تحديد التجارة مع لبنان أو منع التحويلات “فلن يكون مال حزب الله قادرا على استبدالها” و “هذا هراء لا يهتمون به، ولكنه جيد لقاعدتهم وإظهار أنهم رامبو، لكن عندما يتعلق الأمر بكل البلد، فما هي قدرتهم على دعمه”، يتساءل مخزومي. وحتى الآن رفض قرداحي مطالب رئيس الوزراء السني نجيب ميقاتي للإستقالة. ورفض حزب الله الدعوات لقرداحي للإستقالة بأنها “هجوم صارخ على لبنان وكرامته وسيادته”. وفي الوقت نفسه حمل الحوثيون لافتات حملت صورة قرداحي.

وفي تصريحات مسربة لعبد الله بوحبيب وزير الخارجية اللبناني قال فيها “اليوم لو عزلوا قرداحي فماذا سنجني من المملكة؟”، وأجاب “لا شيء، وسيطلبون المزيد” وهي تصريحات لم ينفها.

وكان قرداحي واحدا من اللبنانيين الذين انتفعوا من العصر الذهبي للعلاقات السعودية- اللبنانية، وخرج للنجومية في عام 2000، وأصبح أكثر مقدم برامج تلفزيونية عربي أجرا حسب موقعه على الإنترنت. وبات اسما معروفا بالمنطقة حيث حصل على عقود إعلانية وأنتج عطوره وتصاميم ملابس خاصة به. ولكنه في السنوات الأخيرة أصدر تصريحات مثيرة للجدل وتتناقض مع مواقف أسياده السابقين في الخليج. ومدح في عام 2013 حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ووصفه بـ “الشجاع الذكي” وغادر أم بي سي لدعمه الرئيس بشار الأسد. ووصف الخلاف فحزب الله في وارد التحدي، وفي يوم الأربعاء قال نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم ” تواجه أزمة لأنها لم تعد قادرة على الهيمنة على القرار السياسي في لبنان ورغم المال الذي دفعته”.  وأضاف “لا أحد يمكنه لي ذراع حزب الله” و “الشعب اللبناني”.