معاريف - بقلم: بن كسبيت "أعلن وزير الدفاع بيني غانتس عن ست منظمات للجبهة الشعبية بانها منظمات إرهاب، وأصبح في نهاية أسبوع واحدة، الوريث الشرعي لايتمار بن غبير. استغرق مغردو اليسار المتطرف بضع ساعات للصحوة، وعندها سارعوا لإثارة فضيحة كبرى. “نطالب بشروحات”، طالبوا، وسارعوا للإقرار بأن إسرائيل تنكل بحقوق الإنسان، وبمنظمات اجتماعية وبأعمال خيرية بشكل عام. تساؤل أطلقه الناطق بلسان وزارة الخارجية في واشنطن، أشعل الجمرات التي تحولت إلى شعلة ووصلت ذروتها في تغريدة وزير الصحة نيتسان هوروفيتس: “كدولة ديمقراطية، سيادية وقوية، وفي وضعية الاحتلال، يتوجب على إسرائيل أن تكون جد حذرة في قرار يقيد منظمات المجتمع المدني الفلسطيني”.
لا شكوى عندي من هوروفيتس، فهذه مواقفه. ذات مرة كان معظم الإسرائيليين يتبنون مواقف مشابهة، أما اليوم فلا. من الخير أننا نملك حساسية تجاه حقوق الإنسان وجمعيات اجتماعية في الطرف الآخر. ليت الأمر كان متبادلاً. عندما ننظر إلى الغرب المتوحش الذي يخلق أقلية عنيفة وصاخبة بين المستوطنين في “المناطق” [الضفة الغربية]، حين نرى التنكيلات المتواصلة التي يقوم بها “فتيان التلال” الذين هم في الواقع “زعران العصي”، ضد الفلسطينيين الذين يحاولون قطف أشجار الزيتون لديهم، يثور شعور بالاستياء. فبعد كل هذا، كان يجدر بحكومة إسرائيل أن تكون أكثر تنسيقاً وأن يحرص غانتس على أن يطلع هوروفيتس مسبقاً على الملابسات التي أدت إلى إعلانه عن تلك المنظمات كمنظمات إرهابية. أديرت حملة إعلامية في هذا الموضوع مع دول أوروبا، وخسارة أنها لم تدَر أيضاً مع أعضاء الائتلاف. لمعرفتي بهوروفيتس، لا شك أنه لو اطلع على المادة، لكان فهم.
على أي حال، هذه عاصفة في فنجان. فالإعلان عن تلك المنظمات الست جاء في نهاية تحقيق طويل، ومعمق، ومليء بالتفاصيل والمعلومات الاستخبارية والاستشارات القانونية. بيني غانتس أول وزراء الحكومة الذي سافر إلى رام الله، وأعلن بصوت عال بأن على السياسة الإسرائيلية أن تتحول – بدلاً من أن تضعف السلطة الفلسطينية وتعزز حماس عليها أن تعزز السلطة وتضعف حماس – لا يمكنه، في الوقت نفسه، أن يشتبه به بخنق جمعيات خيرية فلسطينية. رئيس الشاباك السابق نداف أرغمان هو الآخر، مثل خليفته رونين بار، لم يجعلا لنفسيهما شهرة كأعضاء في التنظيم السري اليهودي القادم. فهما يقاتلان ضد الإرهاب دون روع ودون هوادة، وأقوال أرغمان في احتفال تسليم مهام رئيس الشاباك، التي كان فيها قدر غير قليل من النقد على سياسة الحكومة (السابقة) التي أضعفت السلطة بنية مبيتة، ما زالت تدوي في القدس ورام الله.
نبدأ من البداية: الجبهة الشعبية منظمة صغيرة، ظاهراً غافية، كتلك التي “تختفي” أحياناً لبضع سنوات، ولكنها تفاجئنا بين الحين والآخر بعملية مدوية، “نوعية” وأليمة على نحو خاص، كما كان في قتل الوزير رحبعام زئيفي (غاندي)، وكما كان في العملية التي جرت في آب قبل سنتين قرب نبع داني، حيث قتلت رينا شنراف، ابنة 16 من اللد. تلك العملية التي وصفتها محافل الأمن كشريرة على نحو خاص، ومخطط لها و”نوعية”. كانت العبوة الناسفة كبيرة وذكية، من النوع الذي نكاد لا نعود نراه في الضفة. كان في المكان مراقبون يعرفون متى يضغطون بالضبط على جهاز التشغيل. وقد فعلوا ذلك رغم أنهم عرفوا بأنها عائلة، تضم أطفالاً، وتنزل للاغتسال من النبع. الشخص الذي ضغط على جهاز تشغيل العبوة التي قتلت شنراف ابنة الـ 16 هو سامر العربيد، الذي كان مندوب الجبهة الشعبية في اللجان الزراعية، إحدى المنظمات التي أعلن عنها الآن كمنظمات إرهابية، وهذا مجرد مثال واحد، من أمثلة عديدة جداً أدت إلى اعلان وزير الدفاع.
بعد تلك العملية، قرر رئيس الشاباك نداف أرغمان، ونائبه روني بار، القيام بـ”حراثة عميقة” وتدمير البنى التحتية للجبهة الشعبية التي رفعت الرأس. موجة اعتقالات واسعة لنشطاء المنظمة أحدثت بنية تحتية استخبارية عميقة أتاحت للشاباك أن ينشر حلاً للغز طريقة تمويل الجبهة الشعبية من خلال وكالات مساعدة ومنظمات غير حكومية. هذه هي التي أعلن عنها الآن كمنظمات إرهابية. كان الغطاء إنسانياً، ووصف جزء من الأموال تبرعات، وبعضه من دول في الغرب لم تعرف عن الضلوع في الإرهاب.
“في نهاية المطاف، بنت الجبهة الشعبية هنا منظومة متفرعة ترمي لخلق ذخائر لها، تضخ أموالاً نقدية وتمويلاً لاستمرار إنتاج عمليات إرهابية نوعية”، قال لي أمس، مصدر أمني كبير، “في ظل خلق واقع وهمي من مشاريع وهمية، وفواتير مزيفة، ورفع وثائق كاذبة، وحرف العطاءات، وتزوير وثائق وخواتيم بنوك وغيرها”. هذه المعلومات تجمعت لدى الشاباك، اجتازت المرشح القانوني للجهاز، وبعد ذلك المرشح القانوني لوزارة الدفاع، إلى أن وصلنا إلى قرار غانتس في نهاية الأسبوع.
في أثناء التحقيق، سلم العديد من المشبوهين وثائق ومعطيات ومواد كثيرة أفادت بحجم النشاط وبحرف المبالغ لتمويل الإرهاب. بين الأدلة – توثيق، بما في ذلك صور، أفلام وتسجيلات لجلسات في المنظمات موضع الحديث، شارك فيها مسؤولو الجبهة الشعبية ونشطاء إرهاب في الحاضر أو مدانون في الماضي. أفادت إحدى المحقق معها، ونشرت أمس تقول: “المؤسسات التابعة للجبهة الشعبية مرتبطة معاً، وتشكل شريان حياة المنظمة من ناحية اقتصادية وتنظيمية. بمعنى، تبييض أموال وتمويل نشاطات للجبهة الشعبية”.
كشفت وزارة الدفاع أمس معلومات عن دور تلك المنظمات الست في نشاطات الجبهة الشعبية، وتمويل نشاطها أو نشاطات مشتركة. وقال لي مصدر أمني كبير أمس، إن هذه المعلومات الاستخبارية نقلت إلى كثير من دول أوروبا، بعضها دعم هذه المنظمة اقتصادياً، وكذا للإدارة الأمريكية. ولا يتبقى إلا معرفة سبب إعلان الناطق بلسان الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة ستطلب إيضاحات من إسرائيل في الموضوع. وقال مصدر أمني كبير لـ “معاريف”، أمس، إن “الوضع في الإدارة مركب. فهم يعرفون كل المادة، يعرفون بأن الحديث يدور عن أخطبوط دولي ضخم نحن معنيون بالعثور عليه وتفكيكه في السنتين الأخيرتين، وأنا واثق بأنه المعلومات موضع الحديث حين تصل إلى وزارة الخارجية فلا داعي حينئذ للإيضاحات”.
بعد أن يتبدد القلق في الإدارة الأمريكية، لن يتبقى إلا إقناع يساريينا المتطرفين. أولئك الذين يبحثون عن المؤامرة في كل ما ينفذه الشاباك أو الجيش ضد الإرهاب. هذا هو السبب بأنه لم يعد أمام الجمهور الإسرائيلي طلب توضيح لهذه المواقف.