أثارت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، الجمعة، تساؤلاً قالت إنه يشغل بال الإسرائيلييين وهو حول الثمن الذي ستدفعه حكومتهم إذا ما أبرمت اتفاق تبادل للأسرى مع حركة حماس، وذلك بمناسبة مرور عشر سنوات على صفقة وفاء الأحراء، التي أسفرت عام 2011 عن إطلاق سراح 1027 أسير فلسطيني مقابل الجندي الذي اعتقل على أيدي رجال المقاومة في 2006 جلعاد شاليط.
وقالت الصحيفة في مستهل تقريرها “بينما تفكر إسرائيل في عملية مقبلة لتبادل الأسرى، لازالت ذكريات صفقة شاليط تثير الجدل”.
وألمحت إلا أن الثمن هذه المرة قد يكون كبيراً، مشيرة إلى أن الصفقة السابقة تضمنت الإفراج عن رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، مقابل جندي واحد فقط، ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أن الجدل في الأوساط الإسرائيلية لازال قائماً حول الثمن المدفوع.
وأشارت إلى أن ما دفع إسرائيل في حينه للقبول بإطلاق سراح هذا العدد هو الضغط الذي شكله الرأي العام الإسرائيلي على حكومته من أجل التفاوض والخروج بنتيجة تبدو غير متوزانه، لكنها كانت حريصة على عودة جنديها لذويه.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة، فإن إسرائيل حاولت التفاوض على إطلاق سراح شاليط بعد أيام من اختطافة، على أمل دفع ثمن أقل، لكن مع فشل تلك المحادثات وتصاعد الضغط الشعبي، انخفض الثمن، وقامت عائلة شاليط بحملة وصفتها “يديعوت” بأنها عدوانية في وسائل الإعلام الإسرائيلي ومن خلال الجمهور الذي أجبر الحكومة لاحقاً على الرضوخ.
ولفتت إلى أنه بالرغم من الضغوط الشعبية التي مورست على الحكومة الإسرائيلية من أجل استعادة شاليط، إلا أن الرأي العام في إسرائيل ابدى غضبه ورفضه للثمن الذي دفعته حكومته، بعد أن قبلت بالإفراج عمن تسميهم إسرائيل “مرتكبي الهجمات الإرهابية” وعلى رأسهم رئيس حركة حماس في غزة حالياً يحيى السنوار، ومعهم عدد من الأسرى المحكوم عليهم بالمؤبد بتهمة “قتلهم” إسرائيلييين وهذا ما تخشاه إسرائيل هذه المرة.
وأكدت أن الجدل الذي أحدثه قبول الحكومة الإسرائيلية لازال وثيق الصلة بالمباحثات التي تجريها الفصائل الفلسطينية في الوقت الراهن من أجل إبرام صفقة جديدة، قائلة: “يُعتقد أن حماس في غزة تحتجز جثتي جنديين إسرائيليين قُتلا في عملية عسكرية في عام 2014. بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن اثنين من المدنيين، أفيرا منغيستو وهشام السيد، محتجزان في قطاع غزة بعد ضلالهما هناك”.
وأضافت: “يعاني كل من منغستو والسيد من أمراض نفسية ولا يشاركان في الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس، وبحسب ما ورد استمرت المفاوضات غير المباشرة منذ سنوات من خلال الوساطة المصرية، إذ ظهرت تقارير من قبل تشير إلى اقتراب التوصل إلى اتفاق، لكن هذا لم يحدث بعد”.
وتابعت الصحيفة الإسرائيلية: “على مدار تاريخها، نفذت إسرائيل العديد من عمليات تبادل الأسرى بأسعار مرتفعة، لكن صفقة شاليط ربما أضعفت الدعم الشعبي لمثل هذه الاتفاقات”.
وبحسب روني شاكيد، منسق وحدة الشرق الأوسط في معهد ترومان في الجامعة العبرية في القدس، “لم يكن الأمر يتعلق فقط بالعدد الكبير من السجناء المفرج عنهم، ولكن الأشخاص الذين كانوا وراء مقتل العديد من الإسرائيليين”.
وتقول الصحيفة إنه بالنسبة للفلسطينيين، يعتبر إطلاق سراح الأسرى أحد أهم أهداف نضالهم ضد إسرائيل، ولكن بالنسبة لإسرائيل، يعتبر إطلاق سراح الأسرى، وخاصة الجنود، موضوعا حساسا، إذ تعتبر عودة الأسرى وصية مقدسة في الكتاب المقدس، وهكذا، فإن الضغط السياسي المكثف الذي مورس على بنيامين نتنياهو في ذلك الوقت، مهد الطريق للصفقة”.
وقالت شاكيد: “لقد ارتكبت إسرائيل أخطاء كثيرة عبر تاريخها من خلال الرضوخ للمطالب المبالغ فيها”.
وتعتقد شاكيد أنه مع وجود أصول استخباراتية متطورة وغالبا ما تكون موضوعة بشكل استراتيجي ونفوذ مختلف في مواجهة حماس، يمكن لإسرائيل أن تجد طرقا مختلفة للإفراج عن مواطنيها دون دفع ثمن باهظ.
وتشير الصحيفة إلى أن الحديث عن أي صفقة تبادل هذه المرة يجب ألا ينضوي على أثمان باهضه تتكبدها الحكومة الإسرائيلية، في الإشارة للعدد المتوقع الأفراج عنه، بل عليها الانصياع لمطالب ذوى الجنود الذين يُعتقد أن حماس تحتجز جثامينهم، والتي تنص على ضرورة تسهيل وصول البضائع والمواد الغذائية لغزة مقابل استعادة أبنائهم، بمعنى أن يكون المقابل هو مساعدات إنسانية فقط.
وذكّرت بأن عوائل الجنود طالبوا مرارا بألا تتوقف عمليات القتال على غزة إلا باستعادة أبنائهم، وهو ما فشلت فيه الحكومة الإسرائيلية.
وحول إمكانية قبول حماس بمقترح تقديم المساعدات الإنسانية للغزيين مقابل استعادة الجنود الإسرائيلين، قالت “يديعوت” نقلاً عن غيرشون باسكن، الذي أدار قناة تفاوض سرية ومباشرة مع حماس من أجل إطلاق سراح شاليط: “تفضل حماس قضية الإفراج عن أي قضية أخرى، بما في ذلك قضية إعادة تأهيل غزة وتحويل الأموال إلى القطاع، إنهم يصرون على مفاوضات منفصلة تماماً، مع وجود آلاف السجناء في السجون الإسرائيلية”.
وبحسب منظمة بتسيلم، وهي منظمة مراقبة حقوق الإنسان الإسرائيلية، هناك أكثر من 4000 أسير فلسطيني محتجزون حاليا في السجون الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإن احتمالية إبرام صفقة الآن ضئيلة.
وقالت شاكيد: “الإسرائيليون خائفون الآن من دفع ثمن مماثل، وهذه المرة، لا يوجد ضغط شعبي، و من غير المرجح أن يوافق رئيس الوزراء نفتالي بينيت على مطالب حماس بالإفراج عن أكثر من 1100 سجين مرة أخرى”.
ولفتت إلى أن بينيت يضع في مكتبه صورة للجنديين شاؤول وغولدن معروضة خلفه. في حين أنه قد يكون علامة على تفانيه في هذه القضية، سيكون من المفاجئ إذا وافق على الشروط الحالية.
وأضافت شاكيد “لقد تعلم الدرس”.
وتقول الصحيفة إن إسرائيل مستعدة “للإفراج عن سجناء محكومين بجرائم أخف، وليس أولئك المسؤولين عن مقتل مواطنيها”، وفقا لما تسميهم إسرائيل.
وقال باسكن: “بالنسبة لإسرائيل، فإن الثمن الذي تريده حماس مقابل الجثث والمواطنين مرتفع للغاية”، مضيفًا: “إذا كان هناك جندي على قيد الحياة في الأسر، فسيكون هذا مختلفًا. الرأي العام حول هذه المسألة مائع للغاية”.
بالنسبة إلى ليا غولدين، والدة هادار غولدين، فإن الحديث عن دفع ثمن عودة ابنها يثير الغضب.
كما نقلت عنها الصحيفة قولها: “عندما جندته في الجيش، لم يسألني أحد كم يكلفه”، وواصلت: “هذا حديث عن أشخاص لا يريدون إعادة الأولاد إلى منازلهم.” تشعر غولدين أن عائلتها تدفع ثمن الإحباط المكبوت من صفقة شاليط، حسب تعبير “يديعوت”.
وتضيف الصحيفة “في دولة ذات خدمة عسكرية إلزامية ، يعتبر موضوع الجنود الإسرائيليين في الأسر مسألة حساسة”.
وأردفت: بينما يعتقد الكثير من الناس أنه يجب إعادة الجنود إلى منازلهم بأي ثمن، هناك أصوات أخرى يتم سماعها طوال الوقت تحذر من أي صفقة مماثلة لصفقة وفاء الأحرار”، موضحة أن المشاهد المبتهجة للأسرى الفلسطينيين وهم يجتمعون مع عوائلهم غيرت من الرأي العام في إسرائيل، ودفعته لعدم دعم إبرام اتفاق بأي ثمن “فلا يجب أن يفرح الفلسطينيين” بما يسمونه الانتصار.
وتابعت: “يعتقد مسؤولو حماس أن إسرائيل سترضخ في النهاية لمطالبهم بالإفراج عن نفس العدد تقريبًا من الأسرى كما في صفقة شاليط مقابل غولدين وشاؤول ومنغستو والسيد. لكن في إسرائيل، يبدو أن هناك القليل من الاستعداد للقبول بهذا”.