إسرائيل اليوم - بقلم: كرني الداد "بخلاف زملائي في اليمين، أرفض التأثر ببطاقة المسافر المثابر، تل أبيب رام الله – تل أبيب، التي أصدرتها جماعة ميرتس لنفسها. صحيح أنهم أعضاء حكومة إسرائيل، وصحيح أنهم يمثلونها، وبالتالي يمثلوننا أيضاً؛ ولكن يجب أن يكون الموقف منهم ومن أفعالهم هو الموقف ذاته من الأطفال الأبرياء العنيدين، ولكن لا موقف أخطر من هذا.
في الوقت الذي لم تر فيه الولايات المتحدة في الأفق أي مفاوضات سياسية بيننا وبين الفلسطينيين، وحتى الرئيس المصري السيسي يشرح لأبو مازن، ببطء وباللغة التي يفهمها، بأن لا احتمال لتنازلات إسرائيلية، خصوصاً في زمنه، فهناك بضع أناس لا يستوعبون بأن هناك أموراً انقضى زمنها، جماعة “ميرتس” مثلاً. الأسطوانة المشروخة الخاصة بـ “السلام الآن” و”دولتين للشعبين”، التي أدت بنا ذات مرة للعمل ولمصيبة أوسلو، والتي نأكل ثمارها العفنة كل يوم، لم تعد تعزف. لقد بعنا جهاز تشغيل الأسطوانات. هل هذه سذاجة؟ عناد؟ بالأساس موقف مثير للشفقة. أبو مازن يفهم هذا، وهذا هو السبب الذي يجعله يريد ذلك. فهو يعرف أن كل بادرة طيبة وكل خطوة في اتجاه الحل، تساعده هو فقط. إذ إننا كلنا رأينا ونزفنا وشيعنا أعزاء وأبطالاً في طريقهم الأخير بسبب مثل هذه الاتفاقات، وهذا يكفينا. ليست لدينا قوة لاتفاقات سلام شوهاء.
في زيارة ممثلي “ميرتس” إلى المقاطعة، يتصرفون كالأطفال، يقومون ببعض الاستفزازات، يشدون الحبل قليلاً، ويحصلون على الانتباه. فماذا في ذلك؟ في الواقع، ليس لهذا أي معنى. في أيام ايبي نتان وعرفات كان هذا تجديداً ووقاحة، بل وحتى خيانة، وكانت لذلك تداعيات. أما اليوم، فأي لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ابن الـ 85 الذي يبقى على قيد الحياة بصعوبة أمام الساعين إلى منصبه، فهو لقاء أشوه.
هل يمكن للقاء كهذا أن “يحل الجمود والكراهية”، على حد قول النائب علي صلالحة من “ميرتس”؟ طبعاً لا، إذ إن الجمود والكراهية لم ينبعا من انعدام الحوار واللقاء، بل من تعليم الكراهية، ومن تمويل قتلة اليهود، ومن نفي الكارثة، ومن العمليات. هل يمكن لـ”ميرتس” أن “يمنع المس بحل الدولتين”؟ فات الأوان. المس بهذه الفكرة أصيل بأيديولوجيا أحد الطرفين في النزاع. ففي اللحظة التي لا يعترف فيها الفلسطينيون بدولة إسرائيل – فعن أي دولتين يدور الحديث؟ عندما يلوح أطفال المدرسة الفلسطينية المجاورة بخريطة بلاد إسرائيل الكاملة ناقص شعب إسرائيل، يخيل إليّ أنه طرأ تآكل خفيف في الفكرة. إذن هم يسافرون إلى رام الله، يتأثرون بالمخاطرة، والأدرينالين، والنشر، والاحترام الزائد. ينزلون من السيارات (المكيفة، وإلا ما الذي اعتقدتموه. لعلهم يتخيلون بأنهم في لوكسمبورغ، لكن المسؤولين عن أمنهم يعرفون أين يتواجدون)، واثقون بأنهم يفعلون شيئاً رائعاً ومخترقاً للحدود وللطريق، ويخطون إلى المقاطعة بتردد.
هناك يستقبلون باحترام، لا لأنهم يحملون بشرى، بل لأن هذا يبدو جيداً، وسيجلسون ويحتسون القهوة السوداء، يسعلون قليلاً، ويقضمون البقلاوة بأدب (ببساطة رائعة، سيمتدحونها أمام المضيف)، يبتسمون ويروي كل منهم للآخر قصتين من ألف ليلة وليلة، على أفضل التقاليد العربية. لأن الأولاد يحبون القصص، وأبو مازن يحب التقاليد، تقاليد التنازلات الإسرائيلية – عن الأرض، وعن القوة، عن السلاح، عن السيطرة، عن الأمن. هو ببساطة لا يؤمن بأنه لا يزال هناك أناس مستعدون للسقوط في هذا الفخ.