مع حلول الذكرى الثامنة والأربعين لحرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، نشر أرشيف الدولة الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، بروتوكولات ووثائق عديدة تكشف النقاب عما جرى وراء الكواليس في مواقع صنع القرار الإسرائيلي في الفترة التي سبقت الحرب وخلالها.
وبحسب أحد البروتوكولات فإنه قبل اندلاع الحرب بنحو عشرة أشهر، وتحديدا في الأول من كانون الأول/ ديسمبر عام 1972، عقدت جلسة خاصة بحضور القادة الإسرائيليين السياسيين والأمنيين، وذلك بعد أن حصلت إسرائيل على معلومات من أشرف مروان، المستشار المقرب من الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، والذي كان يتعاون مع الموساد، حول نية مصر شن حرب ضدها.
تقديرات إسرائيلية متضاربة
وفي هذه الجلسة برزت اختلافات بين تقديرات المسؤولين الإسرائيليين حول إمكانية اندلاع الحرب. واعتقد رئيس الموساد تسفي زامير، أن السادات يخضع لضغوطات كبيرة، من قِبل رئيس حكومته، عزيز صدقي، وبالتالي من الصعب معرفة خططه، وقال زامير، كما ورد في محضر الجلسة، إن "السادات رهن مزاجه ومن الصعب الحكم عليه".
وأكد زامير خلال الجلسة أن الموساد حصل على مواد استخباراتية مهمة وعالية الجودة، وصفها بأنها "كتاب خارج عن المألوف"، وقال: "هناك وثائق تتطرق إلى مزاج السادات العام والضغط (الذي يمارس) عليه"، من جانبها، اعتبرت رئيسة الحكومة الإسرائيلية، غولدا مئير، أن الوثائق التي حصل عليها الموساد "غير منطقية".
وقالت مئير مخاطبة رئيس الموساد: "الوثائق التي أحضرتها بالأمس غير منطقية لدرجة أنه من الصعب فهمها: يمكنه (السادات) إنقاذ نفسه بإحدى طريقتين فقط: التخلص من صدقي (رئيس وزرائه) أو الذهاب إلى الحرب - إنه غير متأكد من أنه سوف يكسب الحرب. إنه مستعد للتضحية بجميع البيوت في مصر".
من جانبه، رجح وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ديّان، خلال الجلسة ذاتها، ألا تشن مصر حربا شاملة بل معارك استنزافية وحسب، وذلك مطلع العام 1973.
وأشار ديان إلى العلاقات الوثيقة بين مصر وسورية، وقال إن "الجبهتين مرتبطتين ببعضهما البعض، بحيث إذا بدأ المصريون القتال، سينضم إليهم السوريون في مرتفعات الجولان".
بدوره، كرر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، إيلي زاعيرا، القناعة التي تبنّتها شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي آنذاك، بأن مصر لن تشن حربًا شاملة على إسرائيل؛ وقال زاعيرا خلال الجلسة إن "الاحتمال بأن تبدأ مصر بالحرب ليس كبيرا؛ بمعنى آخر، التقدير المنطقي هو أن الاحتمال ليس كبيرا"؛ وشدد زاعيرا على أن "الاحتمال بأن يحاول المصريون عبور القناة، قريبة من الصفر، كما أن احتمالات نشوب حرب استنزاف ضئيلة للغاية".
رحلة خاطفة إلى لندن
وفي الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، وصل زامير إلى العاصمة البريطانية لندن، وذلك في أعقاب تليقه إنذارا من أشرف مروان، بأن السادات عازم على شن الحرب؛ واجتمع زامير بمروان في جلسة تواصلت لمدة ساعتين، وتنقل البروتوكلات عن زامير قوله: "قال لي إنه ذاهب للحرب. لا أعرف السبب. لكن الحرب ستندلع في فترة ما بعد الظهر أو في ساعات المساء. هو (السادات) يتجه للحرب. أكل مروان التفاصيل بالنسبة لي. لهذا قررت الاتصال".
"فاجأونا على أي حال"
ووفقا للوثائق المنشورة من مذكرات غولدا مئير، فإن المتحدث العسكري الإسرائيلي صرّح لوسائل الإعلام في الساعة الـ10:50 أن "الجيش الإسرائيلي شرع باستدعاء محدود لقوات الاحتياط واتخذ إجراءات دفاعية، بعد تمركز القوات السورية والمصرية".
وفي هذه الأثناء، تواصلت رئيسة الحكومة الإسرائيلية مع السفير الأميركي في تل أبيب، وأخطرته بأن "القوات السورية والمصرية بحالة تأهب قرب الحدود، وخلافا للتقديرات بأن هذه القوات دفاعية، في الساعات الأربع والعشرين الماضية، بات من الواضح أنهم (المصريون والسوريون) يخططون لبدء الحرب في فترة ما بعد الظهر أو في اليوم التالي"، وحاولت مئير نقل رسالة إلى مصر وسورية عبر السفير الأميركي مفادها أن "إسرائيل لا تريد حربًا وأنهم إذا هاجموا فسوف يتلقون ضربة قاسية".
وعن توقيت شن الحرب، كتبت مئير في مدونتها "فاجأونا على أي حال"؛ دوت الساعة الثانية ظهرا صافرات الإنذار، وأخطرت مئير أن الحرب اندلعت بالفعل في الساعة الثانية والنصف ظهرا، فيما أشارت التقديرات الإسرائيلية بناء على المعلومات الاستخباراتية الواردة من مروان أن ساعة الصفر ستكون في تمام السادسة مساء.
وفي هذه المرحلة حاول اللواء رحبعام زئيفي تفسير اندلاع الحرب مبكرا عن التوقيت الذي حددته التقديرات الإسرائيلية، وقال إنّ "المعلومات أشارت إلى الساعة 18:00. هذه المعلومة لم تكن صحيحة، أو أن المصريين علموا (بحصول إسرائيل على توقيت الحرب) وفقدنا الميزة الإستراتيجية، ثم قرروا أنه قبل أن يستعد اليهود للهجوم كان من الأفضل أن يطلقوه مبكرا بأربع ساعات".
معلومات من ضابط مصري
وفي الـ12 من تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل لمناقشة إمكانية شن هجوم لإعادة السيطرة على طرفي قناة السويس، كما ناقشت إمكانية الموافقة على وقف إطلاق النار مع مصر أو توسيع الحرب بعد تحسن الموقف الإسرائيلي، وشن هجوم لإعادة السيطرة على قناة السويس.
وفي خضم المناقشات المطولة، وصلت معلومات إلى زامير وردت لاسلكيًا عبر عميل لإسرائيل في الجيش المصري، تشير إلى نية مصرية بتشغيل ألوية مظلات جنبًا إلى جنب مع ألوية من سلاح المدرعات، لإعادة السيطرة على مناطق إستراتيجية مهمة في عمق سيناء. وبعد تلقي هذه المعلومات تقرر الاستعداد للتصدي للعملية المصرية، قبل الشروع بإعادة السيطرة على القناة.
وفي هذه المرحلة، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، دافيد إلعزار، "الآن عرفت ماذا سنفعل، نستعد جيدا، ونوقف الهجوم المصري ونضربهم بشدة وبعد ذلك نعبر القناة"؛ وأضاف نائبه، يسرائيل طال: "هذه ستكون ضربة دراماتيكية ومثيرة غير مسبوقة، وستخرِج الهواء من أشرعة الهجوم المصري وتفجّر البالون، بشرط أن نستعد لهذه المعركة". واختتمت مئير الجلسة قائلة: "أصدقائي، أرى أن تسفي أنهى مناقشتنا".
وبحسب التقديرات الإسرائيلية فإن هذه المعلومة التي وردت من الضابط المصري، "أنقذت إسرائيل من أكبر هزيمة مذلة في تاريخها"، على حد تعبير رئيس الموساد حينها، زامير، وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن "القوات المصرية هزمت على يد الجيش الإسرائيلي في واحدة من أعظم المعارك المدرعة في الحروب الإسرائيلية. وقد انقلبت صورة المعركة على الجبهة الجنوبية رأسًا على عقب".
وتسلط الوثائق الضوء على المخاوف الإسرائيلية من استخدام مصر لصواريخ "سكود" وأسلحة كيماوية ضد أهداف إسرائيلية مختلفة. وقدر المسؤولون الإسرائيليون أن الاتحاد السوفييتي، يساعد مصر في الاستعداد لشن هجوم بصواريخ سكود. وجاء في إحدى الوثائق أن "الروس قالوا لهم، سوف نتعلم ذلك معكم. عموما، إذا أطلقوا صواريخ، فستكون صواريخ سوفييتية، لكنهم سيقولون إنها صواريخ مصرية".