عقب قرار “العليا” الإسرائيلية.. هل يقبل أهالي الشيخ جراح بـ”ابتلاع الضفدع”؟

الثلاثاء 05 أكتوبر 2021 05:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
عقب قرار “العليا” الإسرائيلية.. هل يقبل أهالي الشيخ جراح بـ”ابتلاع الضفدع”؟



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: نير حسون                            "منذ 12 سنة وبتساوق غير مسبوق في اليسار الإسرائيلي، وقف عشرات بل مئات الإسرائيليين والفلسطينيين في الحديقة العامة في الشيخ جراح للتظاهر أسبوعياً ضد نية إخلاء سكان الحي لصالح المستوطنين. مرت المظاهرة في الأسبوع الماضي، مثلما في كل أسبوع، بهدوء، إلى أن قام عدد من المتظاهرين برفع أعلام فلسطين وبدأوا يلوحون بها. كالعادة، انقض رجال الشرطة بعنف على المتظاهرين وأخذوا الأعلام واعتقلوا أربعة متظاهرين. تفرقت المظاهرة بغضب وإحباط أمام سلوك الشرطة الذي يعزز الغضب والإحباط إزاء هذا الوضع الذي لا يحتمله سكان الحي، الذين هم أبناء لاجئين والذين سيتم إخلاؤهم من بيوتهم بسبب ادعاء ملكية عقار يهودي قبل العام 1948، في حين أن أملاكهم من تلك الفترة ستبقى في أيدي اليهود. أمس، كان بإمكان السكان والنشطاء الإسرائيليين الذين يرافقونهم الشعور بالقليل من الرضى والراحة، شعور غير معهود في هذا الجانب من الخارطة السياسية.

عرض قضاة المحكمة العليا أمس، اقتراحاً لحل وسط مفصل حول هذه القضية. وحسب الاقتراح، ستحصل ثلاث عائلات فلسطينية على مكانة مستأجر محمي للجيل الأول، أي يمكنها السكن في بيوتها بهذه المكانة حتى جيلين آخرين، وستحصل عائلة أخرى على مكانة جيل ثان، وتسري أيضاً على الجيل القادم. وخلافاً للشروط المعتادة للمستأجر المحمي، اقترح قضاة المحكمة العليا أن الجمعية اليمينية “نحلات شمعون” التي اشترت الأرض في المكان لا يمكنها إخلاء العائلات على أساس خطط بناء في الـ 15 سنة القادمة أو حتى استكمال عملية تسوية بين الطرفين. كل عائلة ستدفع للجمعية أجرة سنوية بمبلغ 2400 شيكل.

هذا الاقتراح يشبه الخطة التي عرضها قضاة المحكمة العليا في آب الماضي، وأضيفت لها تواريخ محددة وتاريخ هدف. على الأطراف أن يقدموا مواقفهم من الحل الوسط حتى 2 تشرين الثاني، وإذا لم تفعل فسيتم إصدار قرار الحكم. في الجلسة السابقة تحفظ الفلسطينيون وجمعية اليمين من اقتراح مشابه: فقد عارض ممثل المستوطنون، المحامي ايلان شيمر، الاقتراح الذي يقضي بأن يُعتبر الفلسطينيون الذين يعيشون في الحي منذ الخمسينيات مستأجرين محميي،ن حيث لا يمكن إخلاؤهم طوال عشرات السنين. ثم طالب بأن يعترف الفلسطينيون بملكية اليهود في المكان. وافق الفلسطينيون على الحل الوسط، لكنهم رفضوا الاعتراف بملكية اليهود. ودعا القاضي إسحق عميت، في حينه، إلى “النزول من مستوى المبادئ إلى المستوى العملي”. إذا تمت الموافقة على الاقتراح، فسيتم شطب احتمالية إخلاء العائلات من جدول الأعمال إلى إشعار آخر، وستحفظ لهم إمكانية محاولة إثبات حق الملكية فيما بعد.

قبل شهرين فقط، كان يبدو أن المعركة القانونية خاسرة. وبعد مصادقة عدة هيئات قضائية، واحدة تلو الأخرى، على ملكية جمعية “نحلات شمعون” للأرض، تقترح المحكمة العليا الآن بقرار خطي، خلافاً لأقوال شفوية للقضاة في الجلسة التي عقدت في آب، أن الفلسطينيين يمكنهم البقاء في بيوتهم. في هذا الاقتراح نجاحات مهمة للفلسطينيين. النجاح الأول هو أن الجمعية لا يمكنها إخلاؤهم بذريعة “إخلاء من أجل البناء”، أي بعد إصدار رخصة بناء لحي جديد. ويمكنهم مواصلة الادعاء بحقهم في المكان لدى موظف تسوية الأراضي في وزارة العدل.

من الصعب فصل هذا الاقتراح عن المعركة القانونية والجماهيرية المصممة، معركة تردد صداها في الأشهر الأخيرة من قطاع غزة وحتى مجلس الشيوخ في أمريكا. في آب، تجمع خارج القاعة عشرات طواقم الإعلام من أرجاء العالم، وشباب الحي يحظون بملايين المتابعين على الأنستغرام والفيسبوك.

المشكلة الآن من ناحية السكان، أنهم قد يكونون ضحايا لنجاحهم. ومن أجل التمتع بهذا النجاح، على السكان ابتلاع ضفدع كبير، بدفع إيجار غير مرتفع للمستوطنين، وبهذا أن يعترفوا بملكيتهم للبيوت. المعضلة التي تواجههم الآن هي: ألن يسحب هذا الاعتراف البساط من تحت ادعائهم الأخلاقي الذي حظي بنجاح غير مسبوق في النضال الفلسطيني؟ بكلمات أخرى، سؤال يجب أن يسأله السكان لأنفسهم وهو: علام تقوم هذه المعركة؟ إذا كانت المعركة ضد إخلائهم من بيوتهم فسيوافقون على اتفاق الحل الوسط. وإذا كانت المعركة على حق الفلسطينيين الأخلاقي في شرقي القدس وعلى إلغاء التمييز الذي في قانون أملاك الغائبين، وهو التمييز الذي بسببه خلافاً للمستوطنين، لا يمكنهم المطالبة بإعادة ممتلكاتهم قبل العام 1948، حينئذ سيرفضون الاتفاق.

قصة الشيخ جراح تاريخية وقانونية وبيروقراطية معقدة جداً، وتحوي في ثناياها الاحتلال وامتيازات اليهود وضعف الفلسطينيين والتعايش بين جمعيات المستوطنين وسلطات الدولة في موقفهم من الرعايا الفلسطينيين.

لكن قصة الشيخ جراح تقتضي أيضاً من الصحف أن ترى الفلسطينيين (ومن يؤيدونهم في اليسار الإسرائيلي) ولو للحظة خارج النظارات التي اعتادوا عليها. الفلسطينيون في الرؤية الإسرائيلية هم واحد من اثنين، إما ضحايا ضعفاء أو إرهابيين عنيفين. في قصة الشيخ جراح، هم ليسوا ضحايا أو عنيفين، بل أشخاص هبوا للنضال من أجل بيوتهم. وضد كل الاحتمالات، فقد نجحوا حتى الآن في صد من يريد رميهم في الشارع.