تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن سبب تقارب الحكومة الإسرائيلية مع السلطة الوطنية، في وقت تجاهلت فيه الحكومة السابقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته. وفي تقرير أعده آدم راسغون قال فيه “في الشهر الماضي سافر مسؤول إسرائيلي بارز في الطرق المتعرجة بالضفة الغربية المحتلة للقاء رئيس السلطة الوطنية محمود عباس”.
وجاء لقاء وزير الجيش الاسرائيلي بيني غانتس مع الرئيس الثمانيني في مقر إقامته الخاص رام الله الذي لا يبعد سوى عشر دقائق عن مقرات القيادات العسكرية لمنطقة الضفة، واستمر مدة 90 دقيقة ولكنه أحدث ضجة في إسرائيل والضفة الغربية. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ سبعة أعوام يلتقي فيها وزير إسرائيلي بارز عباس. فقد اعتبرت حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو حكومة عباس “بالداعية للحرب ومحرضة على العنف ولم تلتق به أبدا”.
وكان لقاء آب/ أغسطس هو أهم دليل على مدخل تعاوني جديد مع السلطة الوطنية الذي يراه المسؤولون في الحكومة الإسرائيلية حاجزا ضد حركة حماس المتشددة. ومنذ تولي الحكومة الإسرائيلية مهامها في حزيران/ يونيو، التقى مسؤولون آخرون مع نظرائهم الفلسطينيين وأنهم اتخذوا خطوات ملموسة لمنفعة الفلسطينيين اقتصاديا وزيادة التعاون الأمني وتغيير بعض السياسات التي نظر إليها بالتمييزية.
وأخبر غانتس دبلوماسيين في لقاء تم قبل فترة “السلطة الوطنية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ونعمل على تقوية السلطة الوطنية”.
لكن التقارب الجديد الناشئ لها حدودها في ضوء رفض رئيس الوزراء نفتالي بينيت أي محادثات حول إنشاء دولة فلسطينية. ووصف النقاد محدودية هذا النهج بأنه لا يختلف عن أسلوب نتنياهو وانتقدوا السلطة الوطنية لمضيها مع هذه الإجراءات. ورغم ذلك، تمثل تحولا كبيرا عن سنوات نتنياهو حيث حاولت حكومته تقويض السلطة الوطنية وهددت بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بشكل دفع السلطة لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. لكن إدارة جوزيف (جو) بايدن تضغط على الحكومتين للتعاون كخطوة نحو السلام، حتى في غياب المفاوضات.
وبالإضافة للقاء غانتس- عباس اتصل وزيران في الحكومة والرئيس إسحق هيرتسوغ مع محمود عباس كما واتصل خمسة وزراء مع مسؤولين فلسطينيين بارزين.
وتقوم الحكومة الإسرائيلية بخطوات عملية قد تحسن حياة الكثير من الفلسطينيين. ووافقت الحكومة على منح الإقامة لآلاف أفراد العائلات الفلسطينية بدون وثائق في الضفة الغربية وظلوا بدون وثائق ووضع غامض لسنوات عدة، كما قال مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون.
وفي الشهر الماضي أقرت إسرائيل بناء حوالي 1.000 وحدة سكنية فلسطينية في مناطق تسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية. كما وأقرضت الحكومة السلطة 156 مليون دولار لمساعدتها في الأزمة المالية، حسب عيسوي فريج، وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي. كما وزادت الحكومة حصة العمالة المسموح لهم بالعمل داخل إسرائيل بـ15.000 شخص، حيث يتلقى العامل حدا أدنى من الأجر ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه في المناطق الفلسطينية. كما وسمح جيش الاحتلال لقوات الأمن الفلسطينية بحرية أكثر للتحرك في المناطق الخاضعة للأمن الإسرائيلي، حسب مسؤول إسرائيلي طلب عدم الكشف عن اسمه.
واشتكى الضباط الفلسطينيون من أن عدم منح الإسرائيليين رخصة دخول مناطق معينة أثر على تحقيقاتهم في قضايا جنائية. وقال المسؤول إن الجيش الإسرائيلي سيخفف من مداهماته الخاضعة للأمن الفلسطيني.
كما وبدأت إسرائيل محادثات على مستويات عالية لإدخال تكنولوجيا 4 جي إلى المناطق الفلسطينية. وتحتاج شركات الاتصالات الفلسطينية الترددات التي تصدرها إسرائيل حتى يتم استخدامها في الخدمات. ولدى الضفة 3 جي أما غزة فلا تزال تستخدم 2 جي. وقال فريج إن إسرائيل تقوم بالنظر في مشاريع التنمية بالضفة الغربية.
وتشير استطلاعات إلى أن الفلسطينيين مرتاحون لهذه السياسات. وأكدت نسبة 56% أنها إيجابية، حسب استطلاع نظمه المركز الفلسطيني للسياسة والدراسات المسحية.
وقال هيثم النتشة، (34 عاما) من الخليل وبدون صفة قانونية منذ 1991 إنه يشعر بفرح كبير بأن إسرائيل ستمنحه إقامة له ولأمثاله. و”هو شعور جيد” و”بصراحة، عشنا الكثير من المشاكل وإذا كانت هذه الإجراءات لتحسين حياتنا فإننا ندعمها”.
ويقول نمرود نوفيك، المحلل في منبر السياسة الإسرائيلي إن السياسات الجديدة هي “تحول كبير عن استراتيجية نتنياهو الذي كان يقوم بإضعاف السلطة ويدفعها لحافة الانهيار قبل أن يسمح لها بالتنفس”.
ورغم ما تقدمه السياسة الجديدة من منافع للفلسطينيين إلا أنها لم تمنع النقاد من التعليق على أنها نسخة لطيفة من رؤية نتنياهو عن النزاع الفلسطيني، بأنه مشكلة يمكن أن تدار بدون حل. وأشار بينيت إلى أنه يعارض دولة فلسطينية وقال في الأسبوع الماضي إنه لن يقابل عباس. وحتى لو غير رأيه فأي تحرك باتجاه المفاوضات نحو دولة فلسطينية سيؤدي إلى انهيار الحكومة، وهي عبارة عن تحالف هش يجمع عددا من الأحزاب المتنوعة. وهو ما قاد إلى انتقاد لرئيس السلطة بأنه يتخلى عن الوطنية الفلسطينية مقابل “السلام الاقتصادي”. وهاجمه الإسلاميون للقائه مع غانتس فيما اتهمه العلمانيون بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
وعبر المبعوث الفلسطيني السابق للأمم المتحدة ناصر القدوة “هذا أمر مثير للدهشة” و”هم مستعدون للتعاون في هذه العملية الخالية من اعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية”. ومع استعداد الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين إلا أنها تعهدت بمواصلة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتواصل هدم البيوت الفلسطينية في المناطق التي يحتاجون فيها لرخص، ولم تتوقف عن استخدام الأساليب القمعية ضد المحتجين الفلسطينيين.
ولم يرد متحدث باسم عباس على أسئلة الصحيفة، إلا أن صبري صيدم، نائب رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح لفت إلى أن الرئيس عباس يرفض اتهامات أنه يبيع حلم الدولة الفلسطينية مقابل الاستقرار الاقتصادي.
ويقول أشخاص على معرفة بتفكير عباس إنه يعترف بمحدودية ما يمكن أن تقدمه الحكومة الإسرائيلية الحالية ولكنه يرى أنها بداية للتواصل. كما ويتبع إرشادات إدارة بايدن التي تدعم إجراءات كجزء فيما تراه عملية طويلة لإنهاء النزاع وتحقيق حل الدولتين.
وألمح عباس في خطاب مسجل أمام الجمعية العام للأمم المتحدة إلى هذه الخطوات، وقال: “سنحاول النجاح في هذه العملية التي ستخلق الظروف المحفزة والتحرك للتسوية السياسية النهائية وإنهاء الاحتلال”. ولكنه وضع حدا زمنيا للتسوية ودعا إلى مؤتمر دولي للسلام لحل النزاع وأعطى إسرائيل مهلة عام للانسحاب من الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية وإلا طلب من محكمة العدل الدولية قرارا حول قانونية الاحتلال.
واعترف مسؤول أمريكي بحدود ما يمكن عمله أو “ما هو قابل للحياة وما يمكن وضعه على الطاولة”، حسبما قال نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية، وأن واشنطن تركز على تحسين حياة الفلسطينيين وتحسين الظروف بين الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة أكد بايدن على حل الدولتين مع اعترافه أن تحقيقه بعيد في الوقت الحالي. ويقول محللون إن تحسين الظروف الاقتصادية قد يقود إلى مزيد من الاستقلال.