هآرتس - بقلم: جدعون ليفي وأليكس ليبيك "المشهد مدهش ومحبط: كعكة حجرية مدهشة، شخص ما جلس عليها بقوة، بكامل ثقله، وسحقها بالكامل، انكمشت الكعكة على نفسها، وبقيت إحدى طبقاتها منكمشة مسحوقة. فخامة هذا البيت ذكّرت بالكعكة المرزبانية، وكذا أبراج قرميده الأحمر، وربما لكونه مزخرفاً جداً، فحتى الآن، وبعد أن تحدث الديناميت الإسرائيلي ودمره تماماً، ها هي أنقاض الخراب بقيت مزخرفة أيضاً. هنا قرميد أحمر، وهناك زخارف الجبص على بقايا السقف التي تبرز من بين الأنقاض. حتى قضبان الحديد المتشابكة الممتدة إلى السماء بين القوالب الإسمنتية كأنها تطلب المساعدة. بيت مهيب ومدمر، ربما من أروع البيوت التي دمرتها إسرائيل في الأراضي المحتلة.
هل من الأصعب رؤية فيلّا فخمة تم تدميرها مقارنة بكوخ لاجئين بائس تم تدميره؟ تصعب الإجابة. ولكن البيت الذي دمر كعقاب جماعي هو جريمة حرب بحد ذاتها، وسكانه، بمن فيهم الأولاد الذين يعيشون فيه، الذين هم أبرياء لم يرتكبوا أي جريمة والذين بقوا بدون بيت، كان يجب أن يستدعي النقاش العام في إسرائيل.
ولكن إسرائيل نامت نومتها الأخلاقية الطويلة، برعاية وتشجيع محكمة “العدل” العليا التي تصادق بشكل تلقائي على كل خطوة عسكرية لجيش الاحتلال، إلى درجة أن هدم بيوت عائلات المخربين يعتبر قدراً من السماء، بل وسبباً للاحتفال أحياناً، ولا أحد يحتج. وعندما يكون واضحاً أن الأمر يتعلق بعقاب أبرتهايد: لم يولد بعد المخرب اليهودي الذي هدم بيت عائلته: بيوت قتلة عائلة دوابشة والفتى محمد أبو خضير، ومثلهم بيت عامي بوبر وبيت حاجي سيغل وأمثالهم، ما زالت قائمة. أما بيت عائلة شلبي في ترمسعيا فقد هدم في الأسبوع الماضي. ليس هناك قانون واحد للجميع.
كان هذا هو بيت سناء شلبي، زوجة منتصر شلبي الفلسطيني – المواطن الأمريكي – الذي أطلق النار في مفترق زعترة وقتل طالب المدرسة الدينية، يهودا غويتا، وأصاب شخصين آخرين. هنا كانت تعيش سناء شلبي مع أولادها الثلاثة من بين السبعة، سارة (9 سنوات) ومحمد (15 سنة) وأحمد (18 سنة) الذي كان معتقلاً لمدة أسبوعين في محاولة للضغط على والده.
لقد كنا في هذا البيت قبل ثلاثة أسابيع على هدمه. كان بيتاً فاخراً من الخارج والداخل. بنيت جدرانه الخارجية من الحجر، والأرضية من الرخام، وكان الأثاث يدل على الفخامة والثروة. ظهرت على جدرانه ثقوب حفرها الجنود لوضع إشارات لمن سيقومون بهدمه – هذا أيضاً نوع من الخدمة العسكرية، هدم البيوت – وكل شيء كان جاهزاً لعرض الألعاب النارية العظيم لجيش الدفاع الإسرائيلي، الجيش الأكثر أخلاقية.
كانت الأنقاض عرض ألعاب نارية مدهشاً، لم يكن يخجل أي فيلم حربي: تفجرت غرف البيت الواحدة تلو الأخرى، فجرها الجنود عن بعد، مثلما في لعبة فيديو. شرارات ورعود انتقلت من غرفة إلى أخرى ومن أرضية إلى أرضية، حتى اكتملت المهمة خلال ثوان وانهار البيت على نفسه، مما أدى إلى ارتفاع سحابة كثيفة من الغبار إلى السماء. شخص ما صرخ عبثاً: “الله أكبر”، لكن هنا في ترمسعيا ليس الله هو الأكبر، بل جيش الدفاع الإسرائيلي.
نشر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بياناً ضد هدم البيت. “عبر الوزير وكبار الموظفين في وزارته عن مخاوفهم بصورة مباشرة أمام شخصيات رفيعة إسرائيلية، وسنواصل فعل ذلك كلما استمرت هذه الممارسة”، قيل في بيان المتحدث بلسان وزارة الخارجية، نيد برايس. ونشرت السفارة الأمريكية في القدس: “كما أعلنا في السابق بأن لا يجب هدم بيت عائلة كاملة بسبب نشاط قام به شخص واحد”، للحظة كان يبدو أن سيتم إلغاء هدم البيت، لكن للحظة فقط. عندما بزغ الفجر، غداة نشر البيان الأمريكي، لم يعد البيت موجوداً. كل حساسية الولايات المتحدة تجاه الحفاظ على حقوق الإنسان، بالأساس عندما يدور الحديث عن مواطنين أمريكيين (كل أبناء عائلة شلبي يحملون الجوازات الأمريكية)، هي حساسية لم تجد نفعاً. هل كان التدخل الأمريكي مجرد ضريبة كلامية فارغة لإرضاء الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي؟ يبدو أن “نعم”. وفي الواقع، تجاهلت إسرائيل ببساطة بياناتها، وقال رئيس الحكومة نفتالي بينيت إن الأمر يتعلق بمصلحة أمنية إسرائيلية.
الخطر الأمني الذي كان يتربص بإسرائيل هو مبنى يتكون من طابقين وسطح بني قبل 17 سنة. منذ انفصل الزوجين، بقيت سناء تعيش فيه مع أولادها الثلاثة. منتصر، الذي غادر إلى أمريكا تزوج من ثلاث نساء أخريات. انغريد من الدوميكان، التي يعيش معها في سانتا بيه، وريكسونا من أمريكا، وارسيلي من المكسيك. وفي الأعياد الوطنية فقط، مثلاً في العيد الأخير، كان منتصر في هذا البيت. أخبرتنا زوجته سناء قبل نحو شهر كل ذلك. وعرفتنا على “غرفة النوم الرئيسية”، غرفة الزوجين الخالية من أي أثاث.
تعيش سناء الآن في بيت أقارب لها في ترمسعيا. لا أحد شك بأنها متورطة بعملية تخريبية أو أنها عرفت أي شيء عن زوجها. ولكن القضاة إسحق عميت، ودافيد مينتس، وعوفر غروسكوفيف لم يجدوا أي مانع لهدم البيت. هذا رغم أنهم اعترفوا بأن زوجها السابق يعيش في البيت فقط شهرين في السنة بهدف زيارة العائلة. واستبعد القضاة أنه مريض نفسياً، دون الاستناد إلى شيء. على أي حال، فهمت سناء أن مصير بيتها قد حسم. ومحامية “موكيد” للدفاع عن الفرد، نادية دقة، التي قدمت التماساً باسمها، اتصلت معها ونصحتها بالبدء في إخلاء البيت. لم تترك سناء شيئاً في البيت، ونقلت جميع الأثاث والممتلكات إلى بيت عائلتها القريب. “منذ ذلك اليوم، 1 تموز، أعيش كل لحظة في انتظار مجيئهم لهدم البيت؛ لأن الجيش لم يعطنا موعداً محدداً للهدم”، وأضافت: “بعد أسبوع جاء الجيش لهدم البيت. جاءت قوات ومعدات ثقيلة، وأحاطت ببيت عائلتي”.
“استمر الهدم بين الساعة العاشرة والنصف مساء والساعة السادسة صباحاً. الانفجار الأول لم ينجح في هدم البيت، فنشر الجيش مواد متفجرة أقوى وهدموا البيت في المرة الثانية. لم أتوقع انفجاراً وهدماً كهذا… لقد أخذوا منا كل الذكريات الجميلة من البيت الذي عشنا فيه من يومه الأول مع الأولاد منذ مغادرة زوجي وبقينا وحدنا. حزن الأولاد كثيراً. كل ذكرياتهم والحفلات التي أقامها الأولاد في البيت وحفلات الزفاف التي كانت فيه، كل ذلك اختفى. هدم البيت أثر عليهم جداً من ناحية نفسية. الآن أحاول أن أعطيهم معنى للحياة. أقول لهم بأنه إن شاء الله سنتعود إلى بيت جديد، المهم أننا جميعاً بخير وكل شيء جيد. هذا هو الأمر المهم”.
جيسيكا مونتل، المديرة العامة لـ”موكيد”، التي رافقت العائلة خلال الإجراءات القانونية قالت في هذا الأسبوع: “إن هدم البيوت كعقاب هو من بقايا فترة الانتداب البريطاني. من المخجل أن تصادق محكمة إسرائيل العليا في العام 2021 على عقاب جماعي لعائلة كاملة دون أي ذنب اقترفته بسبب أعمال قام بها شخص منفرد. هذه سياسة مرفوضة، كان يجب أن تختفي من العالم منذ زمن طويل”.
البيت مدمر، صور منتصر شلبي ترفرف على الأنقاض إلى جانب أعلام فلسطين وحماس. أصبح الزوج الآن بطلاً محلياً. تأتي سيارة لأشخاص فضوليين بين حين وآخر لترى ما فعله الجيش، وجعل أولادهم يرون ذلك. أسلاك شائكة مرتجلة تغلق المدخل، كرسي من الخيزران بجانبها، السير بين الأنقاض أمر خطير، عدد من نوافذ بيت الجيران مهشمة والحجارة التي تناثرت أثناء الانفجارات تكومت في ساحته. المهنيون جاءوا لإصلاح الأضرار التي طالت بيوت الجيران. حمام عائلة شلبي هو الشيء الوحيد الذي بقي بالكامل، يقف أعلى تلة التراب. شباب ينظرون من بيت الجيران ونظراتهم متشككة جداً. في زاوية ساحة البيت الذي لم يعد موجوداً، نبتة البوغنبيليا، والأرجوانية المغبرة والذابلة والمحتضرة، تبدو خجولة.