نشر موقع "يديعوت أحرونوت بلاس" العبري، مقابلة مع الرئيس الأسبق للقسم اليهودي لمكافحة الإرهاب في جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" آفي أريئيلي، اعتبر فيها "أن الخطر الحقيقي على وجود دولة إسرائيل وبقائها ليس السلاح النووي الإيراني ولا الصواريخ التي يمتلكها حزب الله اللبناني أو حتى أمينه العام حسن نصر الله، بل هم الإرهابيون والمتطرفون اليهود الذين يهددون المجتمع الإسرائيلي برمته، كما أنهم يشكلون تهديداً جدياً على محيطه، فالإرهاب اليهودي من شأنه أن يسقط حجر الدومينو الأول ويتسبّب بكارثة حقيقية.
جاء ذلك بالتزامن مع الذكرى السابعة لخطف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير من أمام منزله في حي شعفاط أحد أحياء مدينة القدس وحرقه حيّاً من قبل متطرفين يهود على خلفية أيديولوجية قومية أيام الحرب على قطاع غزة، فقط لأنه عربي فلسطيني، وفق ما أوردته صحيفة النهار اللبنانية.
وتساءل أريئيلي، "ماذا سيحدث لو قام أحدهم بالدخول الى الحرم القدسي محملاً بالمتفجرات ومعه كاميرا؟".
يُذكر أن أفيغدور (آفي) أريئيلي، قد كان رئيساً للقسم اليهودي في جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" بين السنوات 2009-2013 وهي سنوات مضطربة شهدت عمليات "تدفيع الثمن" واعتداءات كثيرة من المتطرفين اليهود.
وذكر أريئيلي، أنه "شاهد يومياً قيام اليهود المتطرفين بالتسبب بالأذى لبعضهم البعض وللأخرين، كما رأهم يكتبون شعارات عنصرية على الجدران، ويقومون بحرق المساجد والكنائس، وبعضهم ارتكب جرائم أكثر خطورة".
وبعد انتهاء مدة خدمته تم ارسال أريئيلي إلى الولايات المتحدة ليشغل منصب ممثل جهاز الأمن العام هناك، إذ إن من أسباب تفضيل "الشاباك" له، قدراته وخبراته الاستخباراتية والعملياتية، وهو تعرض لحملة تهديدات مع عائلته وتقاعد بعد 30 عاماً من الخدمة الأمنية، لكنه لا يزال ينظر بقلق حوله، ويمكنه ببساطة أن ينظر من شرفة منزله في مستوطنة كفار أدوميم المقامة على أراضي الخان الأحمر منذ أربعة عقود، لفهم أسباب قلقه وتخوفه كونه محاطاً بمتطرفين يهود من كل الجهات ومن جميع الاتجاهات على مرمى حجر من بيته.
ونشأ أريئيلي الذي يعتمر القلنسوة المصنوعة من الكروشيه على رأسه في أسرة إسرائيلية متدينة، أي من القطاع نفسه الذي حاربه... جده الحاخام يتسحاق أريئيلي ووالده ناحوم أريئيلي استاذ الفكر اليهودي.
وطاولت انتقادته دوماً قادة الصهيونية الدينية وأبرزهم الحاخام حاييم دروكمان وهو الشخصية الروحية والمركزية الأبرز في قطاع الإسرائيلية الدينية، الذي نشر عشية تشكيل الحكومة الحالية من ائتلاف بينت - لابيد رسالة طالب فيها بـ"فعل كل شيء لمنع تشكيلها"، حيث نشر على اثرها رئيس جهاز "الشاباك" نداف أرغمان بياناً هو الأول من نوعه إلى الجمهور الإسرائيلي والحاخامات "تضمن دعوة واضحة وحازمة للوقف الفوري للخطاب التحريضي وللعنف".
ولفت أريئيلي، إلى أن جهاز الأمن العام "وعلى مدى عقد من الزمن كان يطارد أشباحاً"، بدأت المطاردة في حزيران (يونيو) عام 1997، بعد أكتشاف جثة السائق الفلسطيني سمير أكرم البلبيسي داخل سيارة أجرة متوقفة بالقرب من فندق الهولي لاند في مدينة القدس وتحديداً في الشطر الشرقي، وبعدها بثلاثة أشهر عثر في مكان غير بعيد من مستوطنة سوسيا على جثة الفلسطيني عيسى جبرين بعد أن قتل برصاصتين أطلقتا من مسدس من مسافة قريبة لتخترقا صدره ويتوفى على الفور.
وأدرك حينها فقط جهاز الأمن العام الإسرائيلي أن هناك علاقة بين جرائم القتل وتوصل "الشاباك" الى استنتاجين، الأول أن القاتل في الحالتين هو الشخص ذاته، اما الاستنتاج الثاني، فكان أن القاتل يهودي، وأن الجريمتين وقعتا لأسباب أيديولوجية قومية، "وقُرعت أجراس الإنذار لتعلن أن لدينا قاتلاً يهودياً في الخارج، وعلى الرغم من التحقيقات المكثفة، ورصد عدد من المشتبه بهم لم يتم حل القضايا، ومرت سنوات وبقيت ملفات التحقيق مفتوحة، ولوهلة بدا أن الشبح قد اختفى".
وفي آذار (مارس) عام 2008 انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من منزل عائلة أورتيز وهي عائلة مسيحية إسرائيلية من المسيحيين المؤمنين بتعاليم لاهوت يدعى "التدبيرية" تقطن في مستوطنة أريئيل، وأصيب أحد أفرادها بجروح خطيرة. بعد ذلك بوقت قصير أنفجرت قنبلة أخرى عند مدخل منزل الاستاذ الجامعي زئيف شتيرنال أحد أبرز الاصوات اليسارية في إسرائيل، وأصيب شتيرنال في ساقه... عندها بدأ جهاز الشاباك يتساءل من جديد ما اذا كان الشبح قد عاد؟ وفق تعبير أريئيلي.
وأضاف أريئيلي، أنه بعد أشهر قليلة من إصابة البروفيسور شتيرنال، تم تعيينه رئيساً للقسم اليهودي في جهاز "الشاباك" وهو قسم يعمل على منع الإرهابيين اليهود من تنفيذ هجماتهم ومخططاتهم، لذلك قرر أريئيلي الخروج والقبض على هذا الشبح، فكانت خطوته الأولى البدء من جديد ومن الصفر، فقام بتشكيل فريق تحقيق خاص مكون من ضباط في "الشاباك" لم يشاركوا من قبل في التحقيقات، أما خطوته الثانية، فكانت إخراجهم من المنطقة التي يجري فيها جهاز الأمن العام هذه التحقيقات وأخبرهم أنه يريد عزلهم عن باقي الأقسام، كما أن وجودهم سيكون لحل هذه القضايا، لذلك قام باستئجار بناية وطلب منهم إحضار أسماء مشتبه بهم محتملين. كان واضحاً أن من نفذ هذه الهجمات معروفاً للجهاز، وأن الأسماء موجودة على الطاولة في تلك القضايا والملفات، حيث أبلغ أريئيلي أعضاء فريقه أن لديهم توجيهاً واحداً فقط، متى أرادوا حذف أي اسم عليهم العودة اليه والحصول على إذن بذلك. كان الفريق مكوناً من كل الاختصاصات التي يتكون منها الجهاز عادة، التكنولوجيا والتنسيق الميداني والتحقيق، ليتمكنوا من فحص كل الزوايا، لكن الأهم كان التحليل وهو القسم الذي يجلس المحلل فيه أمام شاشة الكومبيوتر ويقوم بتحليل كل البيانات والمواد التي يتلقاها من بقية الفريق وهو الشخص الذي يحل اللغز بذكاء.
وتم تركيب في المبنى المنعزل حل اللغز وبعد فترة تم التعرف إلى شخصية غامضة وهو مهاجر جديد من الولايات المتحدة الأميركية، يعيش في مستوطنة "شفوت راحيل" اسمه جاك تيتل، تم القبض عليه وحوكم هذا الإرهابي اليهودي في كانون الثاني (يناير) عام 2013 وأدين بجريمتي القتل وجرائم أخرى، بما في ذلك الشروع في القتل والقيام بالتحريض ومحاولة الاعتداء على المساجد، وهو يقضي حالياً حكمين بالسجن مدى الحياة. وقد أثار اعتقاله وابتسامته المتغطرسة في المحكمة غضباً شعبياً واسع النطاق في إسرائيل، فأشخاص مثل تيتل هم الخطر الحقيقي على دولة إسرائيل برأي أريئيلي.
وبيّن أريئيلي أن أي هجوم إرهابي يستهدف الحرم القدسي الشريف على سبيل المثال هذه الأيام في ظل الكم الهائل من الكاميرات والهواتف المحمولة ويتم بث كل شيء في كل أنحاء العالم في غضون ثوانٍ، فإن ملياراً و600 الف مسلم سيشاهدونه وستكون بمثابة كارثة رهيبة لإسرائيل. ويضيف: "لست متأكداً ما اذا كانت دولة إسرائيل ستستمر بالوجود بعد ذلك، هجوم من هذا القبيل سيمكن إيران وأردوغان من انتهاز الفرصة فوراً وهكذا دواليك، يمكن أن يحدث غداً، لذلك أرى الإرهاب اليهودي خطراً استراتيجيا على استمرار وجودنا كشعب ودولة"، بحسب أريئيلي.
وأكد أن الصبية الذين يتم تجنيدهم في العصابات اليهودية المتطرفة خصوصاً عصابات "تدفيع الثمن" و"شبان التلال" أصبحوا اشد تعقيداً في السنوات الأخيرة بالرغم من ازدياد لوائح الاتهام ضدهم، لكن الظاهرة لم تتوقف ويبدو أنهم متقدمون بخطوة على قوات الأمن كما حدث في الهجوم الإرهابي على قرية دوما والذي قُتل فيه أفراد من عائلة الدوابشة.
وأردف: "لقد تحولت الأفعال من تخريب الممتلكات والتسبب بأضرار جسيمة للبلد الى جرائم من الممكن أن تشعل حريقاً دولياً كبيراً، كما حدث عند حرق باب الدير في اللطرون ما دفع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى الاتصال برئيس الوزراء في ذلك الوقت بنيامين نتنياهو ويعرب عن صدمته. ويشير أريئيلي الى أن الجميع يعرف التاريخ... هجمات على الحرم القدسي... خطف وحرق فتى عربي قد حدث، وحرق عائلة عربية قد حدث فعلاً، وإعدام ميداني قد حدث ايضاً واغتيال رئيس وزراء إسرائيل حدث أمام أعيننا... إذاً مهمتنا هي أن نمنع استمرار حدوث هجمات استراتيجية من هذا النوع لأنها ستأخذنا الى واقع مختلف تماماً".