كتب المعلق في صحيفة “إندبندنت” باتريك كوكبيرن، عن وفاة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد، قائلا إنه “الرمز الحي لتورط أمريكا في مستنقع العراق وأفغانستان”. وأشار إلى رأي الرئيس الأمريكي ريتسارد نيكسون فيه، حيث وصفه في أوراق “ووترغيت” بأنه “ابن حرام صغير عديم الرحمة”، وظلت مسيرة رامسفيلد ناجحة حتى حرب العراق حيث تأكد حكم نيكسون عليه. وكان رامسفيلد يستمتع بالأوصاف حول قوته، ولكنه ظل محاربا بيروقراطيا وليس أمير الحرب الذي تظاهر به.
كوزير للدفاع ما بين 2001- 2006، حاول رامسفيلد تمجيد دوره في انتقام أمريكا لهجمات 9/11 إلا أن غطرسته وعجزه عن التكيف مع الواقع في كل من العراق وأفغانستان أدى إلى الإحباط والفشل في ساحة المعركة. ورغم محاولته تجنب تحمل المسؤولية عن حرب العراق، إلا أنه أصبح الرمز الحي للتورط الأمريكي في المستنقع. وردّ على هذا بمنع الموظفين في البنتاغون من استخدام كلمة “مستنقع” إلى جانب “مقاومة” و”متمردين”.
بدأ رامسفيلد مسيرته كسناتور جمهوري عن ولاية “إلينوي” وعمل في خدمة الرؤساء الجمهوريين. وترأس مكتب الفرص الاقتصادية في عهد نيكسون، وأصبح وزير الدفاع والسفير الأمريكي لدى الناتو في عهد جيرالد فورد. وعيّنه رونالد ريغان مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط، حيث سافر إلى بغداد وصافح الرئيس الراحل صدام حسين، وأكد له على الدعم الأمريكي في حرب الثمانية أعوام التي خاضها مع إيران، ولكن الزيارة أظهرت رابطة رامسفيلد بأصحاب القوة ورفضه لمن لا يملكونها.
وتبين لاحقا أن العراق هو خصم رامسفيلد. فقد حاول تقديم صورة عن نفسه كرجل لم يرمش عندما حلقت طائرة قادها رجال القاعدة فوق البنتاغون في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. وقام شخصيا بمساعدة الجرحى، مع أن شهود العيان قالوا لاحقا إن القصص عن بطولته مبالغ فيها. وفي مساء ذلك اليوم، عقد مؤتمرا صحافيا من ملجأ في البنتاغون أظهر فيه ثباته في موقعه، مع أن الرئيس جورج دبليو بوش نُقل إلى مكان آمن.
وبعد ساعات من هجمات القاعدة، أخذ رامسفيلد بالبحث عن طرق لاستخدامها كمبرر للهجوم على العراق. وأرسل رسالة إلى الجنرال ريتشارد مايرز، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة لطلب الحصول “على أفضل المعلومات سريعا، واحكم إن كانت كافية بالقدر لضرب صدام حسين في نفس الوقت وليس أسامة بن لادن”، كما ورد في كتاب أندرو كوكبيرن “صعود وسقوط رامسفيلد وإرثه الكارثي”.
وحاول وزير الدفاع السابق في مذكراته تجنب تحمل المسؤولية عن شن حرب على العراق، وزعم أن بوش لم يسأله أبدا إن كان معها أم ضدها. وهذا مبرر غريب؛ لأن رامسفيلد كان يلتقي وجها لوجه مع بوش ويقود القوات الأمريكية، مما يعني أنه المسؤول عن توجيهها ودعم الحرب.
ويعلق كوكبيرن أن رامسفيلد استخدم طائرة ضخمة من طراز “سي-17” لكي يسافر حول العالم ويخطب بالجنود الأمريكيين، فلم يكن لديه منفذ على البيت الأبيض فقط، بل وخاض حملات شديدة لمنع مسؤولين كبارا من الوصول إلى الرئيس. وشعر بالغضب عندما تناول جيري بريمر، الذي عين نائبا عن الرئيس في العراق غداء مع بوش في أيار/ مايو 2003.
ولم يفهم رامسفيلد أبدا العراق وأفغانستان، ولم يكن بحاجة لهذا، نظرا للقوة العسكرية الأمريكية الطاغية. ورد بعنف عندما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال إريك شينسكي في جلسة أمام مجلس الشيوخ، إن احتلال العراق يحتاج مئات الآلاف من الجنود بعد الغزو. وعندما تم دحض كلام رامسفيلد حول عدم دعمه لغزو العراق، وجد خطاً آخر ليبرر الحرب من خلال القول إن معظم الساسة والعسكريين الأمريكيين كانوا مع الحرب.
وردّ النقاد أن الضباط العسكريين سيترددون بالتعبير عن شكوكهم من الحرب خوفا من خسارتهم الترفيعات التي يوافق عليها رامسفيلد بنفسه. وفي محاولته لتبرير الغزو وعدم الكشف عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي قام الغزو على أساسها، قدّم رامسفيلد كلاما غريبا عن الحقائق المعروفة- المعروفة، وتلك المعروفة- لا المعروفة، وغير المعروفة- اللامعروفة. وحظي في هذا الكلام على إعجاب، لكنه أخفى الحقيقة المعروفة- المعروفة، بأن غزو العراق وتغيير النظام فيه سيؤدي إلى حرب طويلة وأزمة سياسية.
ونقل كوكبيرن ما قاله سياسي عراقي معارض كان يعمل على التخلص من صدام: “آمل ألا يكتشف الأمريكيون أن ما يقومون بعمله ليس في مصلحتهم”.