إسرائيل اليوم - بقلم: أيال زيسر "في الخطاب الأخير لأمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، الجمعة الماضي، لم يكد يذكر فيه إسرائيل، بل وقلل من الانشغال -بخلاف ما كان متوقعاً- بانتخاب صديقه وحليفه إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، أو بحاجة العرب والمسلمين لأن يتجندوا جميعاً من أجل حماس والكفاح في سبيل القدس. لم يُعنَ خطاب نصر الله إذن لا بالنووي ولا بالصواريخ، بل بقسائم الغذاء، وباستئناف تيار الكهرباء وبتوريد المياه وتخصيص الوقود والمازوت، التي يصعب على الدولة اللبنانية توفيرها لمواطنيها.
لم يكن خطاب نصر الله هذه المرة “خطاب سعال”، فمن هذه الناحية يبدو أن وضعه الصحي قد تحسن، ولكن لا يمكن قول الأمر نفسه عن الدولة اللبنانية، التي تمر في “هبوط حر” وتهدد بجر نصر الله ومنظمته أيضاً إلى الهوة معها.
يعاني لبنان منذ بضع سنوات من أزمة سياسية لا تسمح له بتشكيل حكومة جديدة. ولكن تضاف إلى هذه الأزمة أزمة اقتصادية دفعت الدولة إلى الانهيار والإفلاس التام. في البداية، انهارت البنوك وأغلقت أبوابها، تاركة اللبنانيين بلا أموال نقدية. بعد ذلك، أُفرغت محلات الغذاء، ولاحقاً بدأت المستشفيات تسرّح المرضى، والآن شرع الجيش اللبناني أيضاً لحملة طوارئ كي يتمكن من توفير الغذاء والعتاد الشخصي لجنوده.
إن انهيار الدولة اللبنانية، التي رضع “حزب الله” منها على مدى السنين، يطرح تحدياً حقيقياً أمام نصر الله. فكثير من اللبنانيين يلقون عليه مسؤولية الوضع الصعب الذي وصلت إليه الدولة، إذ إن “حزب الله” يمسك بمفتاح كل ما يجري في لبنان منذ أكثر من عقدين، وهو الذين جره أيضاً إلى حلف مشكوك فيه مع إيران ومع بشار الأسد، الذين زودوا منظمته بالصواريخ، ولكنه جر لبنان إلى مواجهة مع دول الخليج والدول الغربية التي كانت تصل منهم مساعدة مالية في الماضي. كما أن أبناء الطائفة الشيعية من مؤيدي نصر الله يطالبونه بحل لأزماتهم. وفي كل هذا هناك ما يقيد قدرة المنظمة على المناورة وإلزامها بمواصلة الحفاظ على الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل.
ولكن في الشرق لأوسط، عندما يقف حاكم ما أمام أزمة اقتصادية، فإنه لا يتنازل أبداً عن مواصلة الاستثمار في بناء جيشه، لأنه متعلق به لضمان سلامته. فالحكام والأنظمة في الشرق الأوسط ليسوا مستعدين للتخلي عن الأحلام وعن الأيديولوجيات المسيحانية من أجل أن يحلوا أزمات اقتصادية. هكذا يتصرف النظام الإيراني وقيادة حماس، الذين يواصلون استثمار أموالهم في الصراع ضد إسرائيل وليس في تحسين ظروف المعيشة لأبناء شعبهم.
“حزب الله” هو الآخر استثمر في العقد الأخير مئات ملايين الدولارات في حرب سوريا، حيث قُتل وجرح الآلاف من مقاتليه، ولاحقاً استثمر مئات ملايين الدولارات في مشروع الأنفاق التي تتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، والتي كشفها وفجرها الجيش الإسرائيلي قبل نحو ثلاث سنوات. والآن يستثمر “حزب الله” مئات ملايين الدولارات في “مشروع الدقة” الذي يستهدف زيادة ترسانة الصواريخ الدقيقة تحت تصرفه.
يشكل هذا المشروع تهديداً مركزياً على إسرائيل، تشحب أمامه ترسانة صواريخ حماس. نأمل طبعاً باستمرار 15 سنة من الهدوء على الحدود الشمالية، وأن تصدأ صواريخ حزب الله. ولكن يجدر بنا أن نبذل كل جهد للتخريب على هذا المشروع وعرقلته.