غزة ..كلاكيت عاشر مرة .. ندى ابراهيم

الجمعة 28 مايو 2021 07:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزة ..كلاكيت عاشر مرة .. ندى ابراهيم



"كيف حالك؟. طمنينا" يأتي الصوت ملهوفاً عبر الهاتف المحمول.  ألقي نظرة محمومة إلى الأجساد الثلاثة التي تفترش أرض غرفة الضيوف في حالة من النزوح الداخلي، لم نخترها بل هي من أملت نفسها علينا كملاذنا الجديد؛ لا جدران خارجية ونافذة داخلية وحيدة يمكن خلعها بكل سهولة، فالنوافذ في الحروب أكبر خائن، ولكن الأهم من كل هذا قربها إلى باب المنزل...
"ما بالك.. كيف حالك؟" ينتشلك الصوت المتردد عبر أثير الهاتف من هول ذكريات البارحة،  من صوت الانفجارات التي ما زالت تدوي داخل رأسك وكأنها تحدث الآن.. تغمض عينيك بشدة وتهز رأسك محاولا إسكات الزئير المتردد فتغمغم بكلمة "بخير.."
يباغتك الصوت مرة أخرى بحماسة صادمة.. بحيوية أفلت شمسها وخبت من داخلك، "كيف يمكن أن أساعدك؟" فتعاود ذكرى البارحة والليلة لتختطفك من جديد إلى قبو العمارة المظلم الذي تضيئه فقط عيني ابنتك الصغيرة الزرقاوين وهي تردد  "أنا آسفة، لم أقصد أن أخطئ.." هي تظن أننا نعاقب.. نعم، نحن نعاقب، ولكن أليس الحساب يسبق العقاب، أليس هذا ما تعلمناه منذ نعومتنا؟! شرعت أبواب الجحيم فوق رؤوسنا واهتزت الأرض من تحت أقدامنا.. لذنب اقترفناه وما زلنا نقترفه كل يوم.. لفلسطينيتنا..وهذا الذنب كفيل بأن تدفع ثمنه بكل ألوان العذاب المسخرة على هذه الأرض لما كتب لك من حياة...
يأتي الصوت ملحاً مرة أخرى"هل أنت بملجأ؟ أأنت في مكان آمن؟!" بنظرة جوفاء خاوية أتفقد مرة أخرى تفاصيل أقدام أطفالي الناعمة الملطخة بالسواد بعد أن كنا قد غادرنا منزلنا تحت نيران القصف، وأفاجأ بالقط الصغير وهو قد تكور والتصق بأقدام ابنتي الوسطى في محاولة يائسة منه للشعور بالأمان.  لقد نسيت أننا نمتلك قطاً!  لقد هربنا ونسيناه! مددت يدي لأمسد شعره الطويل في محاولة مني على ما يبدو للاعتذار وإذ بانفجارات متتالية تمزق أركان المنزل وتهز أرجاءه، لقد دمروا برجاً محاذٍ لنا.  ارتعدت فرائص أبنائي وقفزوا من أماكنهم ليضعوا رؤوسهم الصغيرة على صدري، يظنون أني ملاذهم وملجأهم الآمن، ولكن في غزة لا يوجد مكان آمن، لا شخص آمن.. فالله ملجأنا