إسرائيل وحماس وحق الدفاع عن النفس!! د. أحمد يوسف

الخميس 20 مايو 2021 11:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل وحماس وحق الدفاع عن النفس!! د. أحمد يوسف



بادئ ذي بدء؛ أود التوضيح أن هذا النص الذي تلوكه الألسنة الرسمية في الغرب: "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها" هو مصطلح خطأ؛ لأن إسرائيل دولة احتلال، وأن من تمارس عليهم العدوان هم شعب محتل، وليس جيشاً معتدياً.

وعليه؛ إذا كانت إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها، كما يتبجح ساسة الغرب مع مخالفة مبادئه وأخلاقياته، فما هو حق الضحية؟! وما هو حق حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذين يتعرضون للعدوان الإسرائيلي بشكل متكرر وسافر ومستفز منذ أكثر من خمسين عاماً؟!

إن إسرائيل بحكومتها اليمينية ومستوطنيها المتطرفين يمارسون بلطجة سياسية وجرائم بحق الإنسانية  ضد الفلسطينين، إضافة لجرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال المارقة في عدوانها الحالي وحروبها الثلاثة التي شنتها خلال سنوات سابقة على قطاع غزة.

حي الشيخ جراح.. البداية

منذ عدة أسابيع وحي الشيخ جراح يتعرض لاستفزازات، جراء محاولات المستوطنيين ممارسة سياسة التطهير العرقي ضد سكان الحي من المقدسيين.. ربما تعود جذور القضية للعام 1956، ولكن نبشها جرى حديثاً، وأصبحت أحد الأوراق الانتخابية في يد نتانياهو لكسب السباق للرئاسة.

كانت المضايقات التي يقوم بها المستوطنون لتهجير 28 أسرة فلسطينية بحى الشيخ جراح خارج نطاق القانون قد استفزت الكل الفلسطيني، وحرَّكت الكثير من نشطاء المجتمع المدني للوقوف إلى جانب أهالي حي الشيخ جراح في التصدي لهؤلاء الغلاة من المستوطنين من أعضاء الكنيست والجمعيات اليهودية المتطرفة، الذين كان بعضهم يقف خلف حملات الاستفزاز تلك، حيث كانت الشرطة مثل "خيال المآتة" لإخافة سكان الحي وتأمين الحماية للمتطرفين اليهود في تحركاتهم الاستفزازية بالمنطقة. كان كل ذلك يتم أمام كاميرات الصحفيين بكل غطرسة وتصرفات أقل ما يقال فيها أنها خارج القانون!!

المسجد الأقصى.. بين منع المصلين والاعتداء عليهم!!

 تزامن مع أحداث حي الشيخ جراح استفزازاً آخرا خلال شهر رمضان المبارك، وذلك بالتحرش والاعتداء على المصلين بالمسجد الأقصى، وتقصد منعهم من الصلاة في مسجدهم الذي يحظى بالقداسة بعد مكة والمدينة المنورة، وذلك خلال الليلة الأكثر روحانية لدى المسلمين لإخراجهم منه، بإطلاق العنان للمستوطنين وغلاة المتطرفين للتعدي السافر عليهم، وهم يتعبدون ربهم ويتغافرون فيما بينهم.

كانت أنظار المسلمين حول العالم تراقب ما يحدث في المسجد الأقصى، وتسمع التهديدات لهم بالاقتحام والقمع وضروروات الإخلاء، وقد أعدوا للأمر عدته في اليوم التالي، حيث "مسيرة الأعلام"، التي حشدوا لها 30 ألفاً من هؤلاء الغلاة الذي توعدوا بإخراج المصلين من مسجدهم والتنكيل بهم.

في منتصف ليلة 27 من رمضان، والتي يترقبها المسلمون كأحد الليالي المسماة بـ"ليلة القدر"، داهمت الشرطة الإسرائيلية المسجد في منتصف الليل، وأطلقت القنابل المسيلة للدموع وقنابل الصوت والرصاص المطاطي لإخراجهم عنوة من مسجدهم، حيث أصيب المئات منهم إصابات مختلفة واعتقل الكثير من بينهم.

في صبيحة اليوم التالي، كانت تتوالى التهديدات من قبل المستوطنين وغلاة المتطرفين بقرب ساعات الاقتحام للمسجد والأحياء العربية المجاورة له.

رسالة القسام.. كفوا أيديكم!!

كان مشهد التهديد والوعيد يتطلب عملاً فلسطينياً لردع حكومة نتنياهو، ووقف مثل هذه الاستفزازات في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح. 

أرسلت المقاومة رسالة تحذيرية على لسان قائدها "أبو خالد الضيف" بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ممارسات إرهاب الدولة الذي يقوم به المستوطنون ضد المصلين في المسجد الأقصى وضد أهالي حي الشخ جراح والتي تتم تحت أنظار وحماية الشرطة الإسرائيلية.

للأسف؛ لم تتوقف الاستفزازات والتنهديدات التي يقوم بها أولئك الغلاة من المستوطنيين، مما استدعى المقاومة للتحرك والقيام بعمل شيء يرد من عاديتهم وعدوانهم على أهلنا في المسجد الأقصى والشيخ جراح.

ولما كانت المؤشرات تشي بأن المواجهة قادمة ولا أثر لتحذيرات "الضيف" على الجانب الإسرائيلي، جاء الرد بإطلاق صاروخين على مدينة القدس لينتهي الاحتفال ويتوقف عدوان المستوطنيين وتهدديداتهم لأهالي القدس والمصلين في المسجد الأقصى.

الدرما الفلسطينية.. مظلومية بلا  مشاهدين

نحن شعب تحت الاحتلال منذ عام 1967، وقد حاولنا بأشكال سلمية مختلفة إنهاء هذا الاحتلال، ولكن دون جدوى، إذ فشلت إتفاقية اوسلوا أن تأتي بالسلام، ولكنها –للأسف- أعطت لإسرائيل الفرصة في خداع العالم بأظهار أنها وقَّعت سلاماً مع الفلسطينين!!

 ومع سياسيات التهويد والتهجير الممنهج بمدينة القدس، والتوسع الاستيطاني المتسارع بالضفة الغربية، والحصار الظالم لأكثر من 15 عاماً لقطاع غزة، وعجز السلطة في رام الله عن توحيد الفلسطينيين وكسب الدعم الغربي لصالح قضيتنا، استمرت إسرائيل في عربدتها وطغيانها وظلمها؛ لأن الغرب وخاصة أمريكا، التي ظلت تنتهج نفس السياسة الداعمة والمنحازة لإسرائيل سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً منذ أكثر من سبعة عقود هي عمر قيام هذا الكيان الغاصب وسنوات نكبتنا.. في الوقت نفسه، أظهرت أوروبا التي تعيش في ظل السياسات الأمريكية عجزها عن التنديد بما تقوم به إسرائيل ومستوطنيها من جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية ضد كل ما هو فلسطيني؛ سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وأعادت تكرار نفس المقولة الإمريكية: "إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها"!! وتمتمت بكلام أشبه بالهمس الذي يردد على استحياء حول حق الجميع أن ينعم بالأمن والسلام!!

أمريكا.. حارسة العدوان

في مقال نشره مؤخراً بريت ستيفنز؛ الصحفي بجريدة نيورك تايمز: والموسوم: "من أجل السلام، يجب على إسرائيل أن تَهزم حماس".. جاء الرد على لسان بروفيسور أنتوني سوليفن؛ الخبير بمنطقة الشرق الأوسط، بالقول: "أنا لا أتفق بشكل قاطع، وبغض النظر عما قد يظنه المرء عن حركة حماس، فإن تلك المنظمة ليست العقبة الأساسية للمضي قدماً نحو السلام. إن العقبة الحقيقية هي إسرائيل نفسها، والتي قامت منذ العام 1948 بعمليات تطهير عرقي للفلسطينيين من وطنهم، وسرقة أراضيهم، وتوطين اليهود مكانهم. هذه هي الحقيقة الصعبة التي لا جدال فيها، مهما كانت مزعجة للكثير من قراء الصحيفة.. لقد حان وقت قولها بوضوح ودون مواربة".

نعم؛ ما تزال الإدارة الأمريكية تعلن عن إنحيازها ووقوفها إلى جانب إسرائيل، ولقد أفشلت إدارة الرئيس بايدين حتى اللحظة خروج أي بيان من مجلس الأمن يدين إسرائيل ويعجل بوقف الحرب، ولم تلق بالاً لأكثر من 24 نائباً عن الحزب الديمقراطي المطالبين بالضغط لوقف العدوان ولا بالتظاهرات الكبيرة المنددة بالحرب على قطاع غزة، التي جابت شوارع العاصمة واشنطن ومدن مثل شيكاغو ودوترويت ونيويورك.

للأسف؛ دول الاتحاد الأوروبي "ذَنب أمريكي" ولا يتوقع منها الكثير. لذلك؛ فإن يد نتنياهو ستظل طويلة لتحقيق طموحاته السياسية ومآرب اليمين المتطرف في إسرائيل.

هذه الحرب ستضع أوزارها خلال الأيام القادمة، ومع كل ما ستخلفه من مشاهد الخراب والدمار، إلا أن الذي سيعيش في الأذهان، هو تلك الكلمات والصور التي عبر عنها البعض بالقول: "إن نتائج الحروب لا تقاس بالخسائر المادية أو أعداد الضحايا، بل يُقاس النصر بتحقيق الأهداف، فالجاهل هو من يستخدم الخسائر البشرية أو المادية في تحديد نتائح الحروب.

وفي عبارة لخصتها تلك المقابلة مع د. شاؤول يناي؛ رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط والإسلام في الجامعة العبرية، حيث أجاب على سؤال وجهته له قناة كان الإسرائيلية: هل تبحث حماس عن صورة نصر ؟

أجاب مستخفاً بالسائل: "إن حماس حققت منذ اللحظة الأولى للمعركة صورة نصر عندما قصفت القدس، وبذلك فرضت وصايتها عما يحدث في الأقصى والقدس عامة، وهذا أكبر إنجاز لها وخسارة لنا".

ولكي نطوي الذكر صفحاً، أختم بتلك العبارة التي أوردها كريس هيدجز؛ الصحفي الأمريكي السابق بجريدة نيورك تايمز: "إن إسرائيل لاتمارس حق الدفاع عن نفسها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنها تقوم بعمليات قتل جماعي بمساعدة وتحريض من الولايات المتحدة".