سيتوجه الكثيرون إلى صناديق الاقتراع مثلما توجهوا إلى حقنة التطعيم الأولى. بخليط من الخوف والأمل والغضب الكبير والإحساس بالواجب الوطني. لست واثقاً من أن هذه النتائج ستنير الوجه هذه المرة: من الأسهل إيجاد تطعيم لكورونا من إيجاد تطعيم لوباء يضرب الساحة السياسية في إسرائيل.
في الانتخابات دوماً شيء ما احتفالي: يوم العطلة، ولقاء الناس في الحي على طول الطابور، والصفوف المزينة في المدرسة، والاحتفال القصير الذي يمنح حقاً متساوياً للجميع، يهوداً وعرباً، فقيراً وغنياً، شيخاً وشاباً. لا يمكن للأهالي هذه المرة أن يأخذوا أبناءهم إلى ما وراء الستار، بسبب كورونا. سنكتفي بلا مفر باحتفالية أقل، ولكن لن نتنازل عن حق الاقتراع. إن أربع جولات انتخابية في غضون سنتين إساءة للديمقراطية الإسرائيلية. الرد السليم على ذلك هو عدم التوجه إلى البحر – الرد السليم هو معاقبة من تسبب بها في صناديق الاقتراع.
لندع الماضي للحظة – المستقبل هو ما ينبغي أن يشغل بالنا. ثمة مطلب واحد مشترك لكل الناخبين الذين سيتوجهون اليوم إلى صناديق الاقتراع: أن تولد الجولة الحالية حكومة مستقرة، يقبلها معظم الجمهور، وتكون قادرة على اتخاذ القرارات والاستدامة. هذا هو الاختبار الأول.
رئيسا الحزبين المتصدرين، نتنياهو من جهة ولابيد من جهة أخرى، عرضا على الناخبين شعارين مختلفين. شعار الليكود: حكومة يمين على المليء. شعار الانتخابات لـ”يوجد مستقبل” كان “حان الوقت لحكومة سوية”. شعاران جميلان، حادان، واضحان، تستحقهما كل نفس. ولكن هناك مشكلة واحدة: كلاهما كاذبان.
عندما يتحدث نتنياهو عن “حكومة يمين على المليء” فهو يقصد حكومة تتشكل من الليكود، من الحزبين الحريديين، من كهانيين سموتريتش وبن غبير ومن “يمينا” بينيت. مع جهد قليل آخر وحظ قليل آخر، فإن جملة هذه الأحزاب كفيلة بالحصول على 61 مقعداً.
المشكلة هي أنه لا يمكن إدارة حكومة تعتمد على 61 مقعداً. في ائتلاف ضيق كهذا، كل نائب بمثابة ملك، وكل نزوة غبية بمنزلة هزة أرضية. الوضع خطير عندما يكون جماعة سموتريتش، وبن غبير، وآفي ماعوز يمسكون بأيديهم مصير الحكومة. الكهانيون يدخلون الحكومة كي يجلسوا على كراسي من جلد الغزال ويتلقون الرواتب والسيارات وجيش من المساعدين والموازنات لتمويل مؤيديه، ولهم أجندة. هم، وليس نتنياهو، سيعرفون في حكومة الـ61 ما هو اليمين. يمينهم واضح جداً: أولاً، حرية العمل للإرهاب اليهودي في المناطق؛ ثانياً، إبادة الجهاز القضائي؛ ثالثا، أبرتهايد في داخل إسرائيل، وفصل عنصري في المستشفيات والجامعات وخدمة الدولة، والجيش الإسرائيلي؛ رابعاً، تمييز في النوع الاجتماعي؛ خامساً، سيطرة الدين بصيغته الحريدية القومية. هم لا يلعبون.
أفترض أن بوسع نتنياهو أن يقيم حكومة بمساعدتهم. وبعد ذلك، وعندما تكون الحكومة حقيقة قائمة، قد يجلب بدلاً منهم واحداً أو اثنين من الأحزاب الموجودة خارج كتلتهم. سيناريو كهذا كان يمكن أن يكون معقولاً لو لم يحرق نتنياهو علاقاته مع زعماء كل الأحزاب الأخرى، من اليمين والوسط. وهو رهينة في أيدي الكهانيين. عندما أسمع نتنياهو يستجدي الناخبين للتصويت لهذه القائمة، فيما يعد بإخضاع جهاز التسفير الهائل الذي سيشغله الليكود اليوم لاحتياجات القائمة، أتساءل لمعرفة ماذا يفكر الناخبون المخلصون لليكود عن زعيمهم. هل أصبحوا أيضاً كهانيين.
أما شعار لابيد فمدحوض هو الآخر، لأسباب أخرى. لنفترض للحظة أن كتلة “كله لا بيبي” ستحصل على أغلبية في الانتخابات اليوم، ولنفترض أن كل إعلانات المقاطعة المتبادلة ستشطب دفعة واحدة، فيوافق بينيت على الجلوس مع منصور عباس وأيمن عودة، ويتوصل ساعر وبينيت ولابيد إلى مرشح متفق عليه لمنصب رئيس الوزراء ويوصون به كرجل واحد لرئيس الدولة، فكيف ستؤدي الحكومة مهامها عندما تنتهي احتفالات طرد نتنياهو من بلفور، كيف ستتغلب على الأزمات، كيف ستحافظ على سواء العقل. لا أملك جواباً جيداً على هذه الأسئلة، ولست واثقاً أن لابيد يملكه.
في الدائرة الداخلية، في داخل كتلة الوسط – اليسار، ثمة أحزاب مترنحة. “أزرق أبيض” و”ميرتس” شرعا في حملة صرخة نجدة. عملياً قالا للناخبين: لا تنتخبونا لأننا جديرون بذلك؛ انتخبونا لأنكم إذا لم تفعلوا ذلك فستسقط الكتلة كلها وسينتصر نتنياهو. وقد جعلوا الناخبين رهائن.
لم يكن لهم مبرر: هذا ما تفعله الأحزاب عندما تقف على شفا الهوة. لا يوجد شرف عظيم في هذه الخطوة، ولا مستقبل لامع أيضاً. المسكنة لا تصنع سياسة.
ربما يكون بينيت هو البطل المأساوي لهذه الانتخابات، فقد سعى للوصول إلى يوم الانتخابات بصفته لسان الميزان: الوحيد الذي يمكنه أن يختار مع أي كتلة سيسير إلى الحكومة. في اللحظة الأخيرة أصيب بالفزع؛ فالتزامه الاحتفالي بألا يجلس تحت إمرة لابيد يذكّر بحلاقة شنب عمير بيرتس، وبحيلة واحدة كاد يفقد الناخبين الذين ملوا نتنياهو وكذا الناخبين الذين أملوا في الدخول وبقوة إلى حكومة نتنياهو. مثلما في القصة القديمة عن جورج برناردتشو والسيدة إياها، بات الناخبون يعرفون ما هو. والسؤال هو: ما التكلفة؟
هي سيناريوهات بشعة جداً، ولكنها تبقى سيناريوهات: قد تحصل المفاجآت، وهذا سبب آخر كي لا نتخلى عن الحق في التصويت.