تزداد توقعات أعضاء الطبقة السياسية وعامة الشعب حيال إجراء هذه الانتخابات فعليًا، وذلك بسبب وجود تقاطع نادر للمصالح بين رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس (أبو مازن) وحركة "حماس".
يجد الفلسطينيون أنفسهم اليوم في المرحلة الأقرب لإجراء انتخابات منذ العام 2006، بعد عقد ونصف من إخفاقات متكررة في المساعي الرامية إلى مصالحة داخلية بين حركتي "فتح" و"حماس". وفي خطوة غير مسبوقة، تمّ تحديد مواعيد الانتخابات الشهر الفائت: انتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني" في أيار/مايو، وانتخابات رئيس "السلطة الفلسطينية" و"المجلس الوطني الفلسطيني" في وقت لاحق من هذا العام. كما تمّ تسجيل الناخبين في القوائم الانتخابية أيضًا مع عائد فعلي معلن بنسبة 93 في المائة. ونتيجةً لذلك، تزداد توقعات أفراد الطبقة السياسية وعامة الشعب حيال إجراء هذه الانتخابات فعليًا.
ساهم التقارب النادر المرتبط بالمصالح بين رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس (أبو مازن) وحركة "حماس" في إنجاز هذه الخطوات باتجاه إجراء الانتخابات. فمن جهة، يهم أبو مازن تحسين موقفه تجاه الإدارة الجديدة في واشنطن وترسيخ شرعيته محليًا. ومن جهة أخرى، ترى "حماس" فرصة لتحسين الظروف المدنية في غزة وسط تعزيز مكانتها في السياسة الفلسطينية قبل يوم من احتمال مغادرة أبو مازن للسلطة.
وعلى ما يبدو، لا يرغب أبو مازن حقًا في أن يحل يوم الانتخابات رغم تصريحاته بخلاف ذلك. وبدلًا من ذلك، هو لا يزال يعتقد أن بإمكانه وقف العملية في أي وقت يريد. لكن الأخبار المتداولة عن الانتخابات تكتسب زخمًا بطريقة تعزز احتمالات إجرائها، ومع مرور الوقت، يصعّب ازدياد الضغوط الداخلية والدولية تدريجيًا لإجراء الانتخابات منع المضي بها قدمًا.
علاوةً على ذلك، تمّ حلّ بعض المشاكل التي أحبطت محاولات سابقة لإجراء انتخابات، وأبرزها رغبة "حماس" الحديثة بالامتثال لشروط أبو مازن بغية إجراء الانتخابات على أساس النسبية حصرًا، وعلى مراحل منفصلة. مع ذلك، لا تزال بعض العراقيل التي قد تساهم في انحراف العملية عن مسارها قائمة، كما أن الانتخابات ليست أمرًا مفروغًا منه. وتمثل ثلاثة مشاكل مركزية بشكل خاص خطرًا يحدق باحتمال إجراء الانتخابات:
عدم ثبوت ادعاء حركة "حماس" و"السلطة الفلسطينية" بالتزامهما المتبادل بتحرير السجناء السياسيين في الضفة الغربية.
التوترات التي برزت في الأيام الأخيرة جراء انتقاد "السلطة الفلسطينية" لحركة "حماس" على محاولتها المشاركة في الاتفاق بين "السلطة الفلسطينية" ومصر لتطوير حقل غاز طبيعي قبالة ساحل غزة ("حقل الغاز البحري في غزة").
مسألة إجراء انتخابات فلسطينية في القدس، التي ما إن أدركوا أن إسرائيل لن تسمح بإجرائها في عاصمتها، كانت لغاية الآن السبب الرئيسي الذي دفع بالطرفين إلى الإحجام عن إجراء انتخابات فلسطينية.
ورغم كل هذه المشاكل، تحشد الاستعدادات للانتخابات من قبل "حماس" و"فتح" على السواء زخمًا. في هذا السياق، تدل المؤشرات على تكرار الاتجاهات التي طبعت انتخابات 2006، وأبرزها تنامي حدة التوترات الداخلية والشقاق ضمن حركة "فتح"، ما يقوض قدراتها الانتخابية وصورتها العامة (غير المشرقة بتاتًا في كافة الأحوال). وكانت هذه الانقسامات المصدر الرئيسي لفشل "فتح" في السباق الانتخابي عام 2006.
واليوم، لا تزال العديد من أسباب الخلاف الداخلية هذه قائمة. أولًا، محاولة مروان البرغوثي، الزعيم البارز في حركة فتح، الذي زجته إسرائيل في السجن بتهمة الإرهاب، الترشح لرئاسة "السلطة الفلسطينية"، وهي محاولة يسعى أصحاب المناصب العليا في "السلطة الفلسطينية" إلى منعها. ثانيًا، إصرار معسكر محمد دحلان، المنافس الأبرز لأبو مازن والمقيم حاليًا في الإمارات، على خوض الانتخابات بلائحة مستقلة. ثالثًا، الجهود الحثيثة التي يبذلها جبريل الرجوب لإجراء الانتخابات فقط كوسيلة لتمهيد الطريق أمامه كي يخلف أبو مازن، في حملة تفاقم التوترات مع قادة بارزين آخرين في حركة "فتح" يبتعدون عنه وعن العملية الانتخابية برمتها. رابعًا، ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" وابن شقيقة ياسر عرفات، الذي يعتزم إنشاء لائحته الخاصة بالمرشحين البرلمانيين (القدوة ينسق تحركاته مع البرغوثي).
وفي تناقض صارخ، أظهرت "حماس" أنها جبهة موحدة وواثقة في مقاربتها للانتخابات المحتملة. وللوقت الراهن، تسمح الحركة باعتماد موقف متساهل نوعًا ما إزاء مشاركتها في الانتخابات، موضحةً أن شخصيات "مستقلة" مرتبطة بها عن كثب قد تمثلها، كما فعلت سابقًا جماعة "الإخوان المسلمين" في تونس والأردن. وفي الوقت نفسه، أوضحت "حماس" أن هذه الانتخابات لا ترتبط مباشرة بعملية أوسلو السلام. وأكدّت أن الانتخابات لا تلزمها بالاعتراف بأي اتفاقات سياسية قائمة مع إسرائيل أو بتقديم أي تنازلات في المجال العسكري.
وتواصل حركة "حماس" مراقبة إسرائيل بحذر خشية أن تحاول هذه الأخيرة الحدّ من نشاطها وفعاليتها في الضفة الغربية، من خلال، على سبيل المثال، اعتقال العشرات من قادتها هناك، كما حصل مؤخرًا. وفي هذا السياق، حذّر يحيى السنوار، قائد حركة "حماس" في غزة، مؤخرًا من أنه في حال حاولت إسرائيل عرقلة الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، ستسعى "حماس" حينها إلى إفشال الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
وبالتالي، قد تتبلور في هذه المرحلة عدة سيناريوهات رئيسية:
"الانفجار" السياسي الداخلي – سيعني هذا السيناريو فشل مساعي الانتخابات في أعقاب التوترات بين "السلطة الفلسطينية" وحركة "حماس"، التي ستترجم على الأرجح باتهامات متبادلة بعدم الوفاء بالالتزامات. وفي حال حدوث هذا السيناريو عاجلًا، في وقت لا تزال فيه التوقعات حيال الانتخابات معتدلة نوعًا ما، ستكون آثاره محدودة أكثر. كذلك، قد يسهل مثل هذا التطور فعليًا على أبو مازن بذل جهود محتملة لاستئناف عملية السلام مع إسرائيل. غير أنه في الوقت عينه، سيدمر أيضًا توقعات "حماس"، ما قد يجعلها تنتهج مقاربة أشدّ صرامة تجاه حركة "فتح" داخل غزة، إلى جانب قلق أكبر حول استمرار المحن التي يواجهها المدنيون في غزة.
فشل تتسبب به إسرائيل – قد ينتج هذا التطور عن ضغوط إسرائيلية مكثفة ضد "حماس" في الضفة الغربية، مصحوبة برفض مباشر للسماح بالاقتراع في القدس الشرقية أو بعبور المسؤولين عن الانتخابات الفلسطينية إلى غزة. ففي صميم قلوبهم، يفضل العديد من العناصر في رام الله على الأرجح هذه النتيجة، بما أنها ستعفي أبو مازن من المسؤولية عن انهيار الانتخابات. غير أن هذا التطور قد يؤدي أيضًا إلى احتكاك مسلح بين إسرائيل و"حماس" في غزة. فضلًا عن ذلك، قد يولد هذا التطور توترات سياسية بين إسرائيل و"السلطة الفلسطينية"، ما يسفر ربما عن احتجاجات شعبية في الضفة الغربية قد تنقلب ضد إسرائيل أو "السلطة الفلسطينية" أو كليهما.
فوز "فتح" في الانتخابات – في الوقت الراهن على الأقل، يبدو هذا السيناريو مستبعدًا، رغم أن إسرائيل ومعظم العالم العربي والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة سيرحبون بها. غير أنه وحتى في ظل الدعم الدولي، ثمة احتمال ضئيل بأن توافق "حماس" على تسليم الحكم في غزة إلى أبو مازن، ما سيعني التنازل عما تعتبره أحد أهم أصولها الاستراتيجية.
فوز "حماس" في الانتخابات – من الصعب حاليًا تقييم أرجحية هذا السيناريو، ويعزى السبب عمومًا إلى عدم توافر معلومات عن شعبية "حماس" في الضفة الغربية. وقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي تقدم حركة "فتح" بشكل طفيف، لكن مستوى دقتها ليس واضحًا، وفي كافة الأحوال، فإن هذا المتغير عرضة لأن يتبدل بسرعة. وقد يؤدي هذا الوضع إلى "سيناريو جزائري" يرفض في إطاره أبو مازن نتائج الانتخابات، كما فعل النظام في الجزائر عندما فاز الإسلاميون بالانتخابات عام 1991. وهذا قد يؤجج توترات داخلية بوتيرة تكفي لإطلاق شرارة صدامات عنيفة بين "حماس" و"السلطة الفلسطينية" في الضفة الغربية، إلى جانب احتجاجات شعبية قد تهدد استقرار النظام في رام الله. وفي حال قبل أبو مازن بنتيجة هذه الانتخابات، سترسخ "حماس" على الأرجح موطئ قدمها في الضفة الغربية وتسيطر ربما على "السلطة الفلسطينية".
حكومة وحدة – قد يتبلور هذا السيناريو انطلاقًا من رابط انتخابي بين حركتي "فتح" و"حماس" أو من موافقة "حماس" على المشاركة في الحكومة كشريك وليس كقائد. وسيعكس ذلك عمومًا تردد "حماس" في تحمل كامل مسؤولية الحكم وإدراكها أن القيام بذلك سيضعها أيضًا تحت وطأة ضغوط داخلية وخارجية متنامية للاعتراف بالاتفاقات السياسية مع إسرائيل، ما يحدّ بالتالي من قوتها المسلحة وعملياتها شبه العسكرية. مع ذلك، في هذه الحالة سيكون أمام "حماس" فرصة أكبر لتعزيز قبضتها على الضفة الغربية من دون تقديم أي تنازلات مهمة في غزة، تحت غطاء وقائي من "السلطة الفلسطينية". وتحاول هذه الأخيرة أساسًا "توضيح" أن – كما فعلت في عهد حكومة الوحدة الفاشلة بين عامي 2006 و2007، مباشرة بعد الانتخابات السابقة –الأمر سيتحول إلى مسألة قمع "حماس" ودمجها وتحويلها تدريجيًا. لكن في الماضي تمّ دحض هذا الادعاء بشكل واضح وصريح، وأقله في الوقت الراهن ما من سبب يدعو إلى توقع نتيجة معاكسة في المستقبل.
في الواقع، لا تزال فكرة إجراء هذه الانتخابات حقًا ضبابية. ومع ذلك، يترسخ أكثر فأكثر انطباع بأنها ستؤثر على سمعة "حماس" أكثر من "فتح". وعليه، سيواجه احتمال إجراء الانتخابات على الأرجح تحديات جديدة وحتى تهديدات من "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل وبدرجة كبيرة من المعسكر العربي المعتدل وكذلك الغرب.
وعلى المدى القصير، إن العجز عن المضي قدمًا بالانتخابات لن يساهم سوى في إعادة الأطراف إلى النقطة التي وقفوا عندها قبل شهر من دون التسبب باضطرابات كبيرة في الساحة الفلسطينية. لكن طالما أن هذه العراقيل الداخلية، بما فيها الخطوات الاستباقية الإسرائيلية، تبقى قائمة مع الاقتراب من التاريخ الأول المحدد للانتخابات في 22 أيار/مايو، ستصبح عملية إجهاض الانتخابات صعبة أكثر فأكثر. كذلك، ستكون التداعيات الداخلية والخارجية أقوى، وتترافق على الأرجح مع مناوشات سياسية وأمنية بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين الفلسطينيين أنفسهم، وكذلك بين المجتمع الدولي وطرفي النزاع.
وبالتالي، وعند التطلع إلى المستقبل، من المهم منذ الآن التشاور والتنسيق بشكل وثيق بشأن مسألة الانتخابات بين كافة الجهات الفاعلة التالية: إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" والجهات العربية الفاعلة الرئيسية (ولا سيما مصر والأردن والسعودية والإمارات) والمجتمع الدولي، وفي طليعتها الولايات المتحدة. ومن دون هذه الجهود المتضافرة، سنشهد على الأرجح جميعنا تكرارًا لانتخابات 2006، وهي عملية ستغير إلى حدّ كبير خاصية الشؤون الفلسطينية من خلال إضعاف الاتجاه القومي وتعزيز الاتجاه الإسلامي تحت قيادة "حماس".
وتتمثل الطريقة الأفضل والأكثر إلحاحًا لتجنب تكرار ذلك الخطأ المأساوي بالتوصل إلى إجماع دولي سريع وحازم لمنع حدوثه من جديد. وينص هذا الإجماع على أنه لا يمكن لحركة "حماس" المشاركة في الانتخابات إلا بعد موافقتها بقناعة على الشروط التي سبق لإسرائيل و"السلطة الفلسطينية" والولايات المتحدة واللجنة الرباعية، بما فيها روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أن وافقت عليها. وهذا يعني الاعتراف بإسرائيل ورفض العنف والموافقة على كافة الاتفاقات السياسية السابقة بين فلسطين وإسرائيل. وفي حال أصرت "حماس" على الرفض، ستتحمل عندئذ مسؤولية إجهاض الانتخابات الفلسطينية الأولى منذ 15 عامًا.
وصحيح أن حركة "حماس" لم تظهر حتى الآن مؤشرات على تقبل هذا الوضع المرير، لكن ذلك يعزى جزئيًا إلى أنه تمّ اقتيادها للاعتقاد بأنها لن تضطر أبدًا إلى القيام بذلك. وهذا سبب إضافي لاستنتاج أنه كلما أعادت كافة الأطراف المعنية التأكيد في وقت قريب على مبادئ اللجنة الرباعية البناءة هذه وقامت بتطبيقها، كلما كان احتمال ممارسة الديمقراطية والسلام الحقيقيين في فلسطين والتوصل لاتفاق مع إسرائيل.
مايكل ميلستين هو رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والأفريقية.