هآرتس - بقلم: عميرة هس :تقول "الدولة" إن محمد هباش ابن 41 عاماً قرر العودة والاستقرار في قطاع غزة، ولهذا يحظر عليه الخروج منه الآن. يقول هباش إن ذلك غير صحيح: هو من سكان بيت لحم، كما يشهد على ذلك عنوانه في هويته. هو يعمل في حقل البناء داخل إسرائيل ليعيل زوجته وأولاده الذين يعيشون في غزة. "الدولة"- أي مكتب منسق النشاطات في المناطق، تقول: استقر في القطاع. وهو يكرر أنهم يجبرونه على البقاء في غزة، خلافاً لرغبته.
الدولة تظهر نموذجاً مستغرباً وقع عليه الهباش وعنوانه “تصريح”. ولكن صيغة التصريح باسم اإادارة المدنية (الخاضعة لمنسق أعمال الحكومة في المناطق) وليس باسمه، والتصريح غير مؤرخ. ومكتوب فيه: “صودق على طلبك للحصول على تصريح انتقال من منطقة يهودا والسامره إلى قطاع غزة، على خلفية تصريحك بأن في نيتك الانتقال إلى قطاع غزة بصورة دائمة”.
يذكر الهباش بصورة ضبابية أنه في 2017 وقعوه في مكتب الإدارة المدنية في “غوش عتسيون” على ورقة ما لم يفهم بالضبط مضمونها، وبالتأكيد لم يفهم تداعياتها. مرضت أمه، وأراد زيارتها. أفهمته الإدارة المدنية أن توقيعه سيسرع الحصول على تصريح. ظروف شخصية منعته من السفر فوراً، وتحسن وضع أمه. في أيلول من ذلك العام، حصل على تصريح دخول إلى القطاع. وكتب موظفو الإدارة المدنية في التصريح بالعربية: “حاجات ملحّة- مقابلة عمل”. بالعبرية التي لا يعرفها، كتبوا: “حاجات خاصة- عودة إلى منطقة قطاع غزة”. الفجوة ما بين المكتوب بكلتا اللغتين محيرة وغير سليمة إدارياً. عندما أراد العودة إلى الضفة رفض طلبه بذرائع محتلفة. إن ادعاء “الاستقرار” في غزة لم تذكر مطلقاً. وبعد سنتين نجح الهباش بالعودة إلى بيته في الضفة عن طريق الأردن. إسرائيل تسيطر على المعبر الحدودي “اللنبي”. ومراقبو الحدود فيه تابعون لهم، وهم الذين صادقوا على دخوله.
مر عام، وفي تشرين الثاني 2020 مات والد الهباش في غزة. طلبه للحصول على إذن دخول إلى القطاع لم يوافق عليه فوراً بذريعة كورونا. بعد أن توجهت جمعية “غيشاه” باسمه للسلطات، حصل على إذن بشرط أن يمكث في غزة أسبوعين على الأقل ويطلب تصريح عودة قبل أسبوعين من موعد خروجه.
في 3 كانون الثاني قدم الهباش طلباً للحصول على تصريح بالعودة. تلكأت الأدارة المدنية 3 أسابيع، وطلبت أن يقدم الطلب في بيت لحم، وعندها ردت عليه بأنه لا يستطيع العودة إلى بيته بسبب كورونا. لهذا، فقد التمست “غيشاه” لدى محكمة الشؤون الإدارية في القدس، وفي ردها على الالتماس، طرحت نيابة منطقة القدس للمرة الأولى ادعاء بأن الهباش “استقر في القطاع” هكذا تحول تصريح زيارة لأسباب إنسانية إلى سجن في غزة.
في محادثة تلفونية أمس، قال الهباش: “صحيح، يصعب العيش بعيداً عن الأولاد والزوجة، ولكن الأصعب هو ألا تكون قادراً على إعالتهم وتمويل تعليمهم. البنت الكبرى أصبحت في الجامعة”. في القطاع 43 في المئة بطالة. في الضفة مستوى المعيشة أعلى. عندما غير عنوانه من غزة إلى الضفة في 2001 وبعد 3 سنوات من السكن في الضفة، لم يكن ذلك من أجل العودة والاستقرار في القطاع.
تقول جمعية “غيشاه” إنها حالة ممثلة لظاهرة أوسع: فلسطينيون يسكنون في الضفة ويريدون زيارة القطاع للأسباب الإنسانية المسموحة (موت أو احتضار أحد أفراد العائلة من الدرجة الأولى). منذ البداية وبعد طلبات عديدة وفترة انتظار طويلة، إسرائيل هي التي صادقت على تغيير عناوينهم في الهويات من القطاع إلى الضفة. وعندما يأتون للحصول على التصريح، يطلب منهم رجال الإدارة المدنية التوقيع على نفس التصريح المستغرب (التوطن في القطاع). كما في حالة الهباش، هذا فخ يتم إخفاؤه من خلال استغلال ظروف شخصية مؤلمة. فخ الاستقرار القسري ليس متحايلاً فقط إنما هو مخالف للقانون الدولي.