مع استمرار توارد الأنباء عن طرح أفكار على الرئيس محمود عباس، للتراجع عن إجراء الانتخابات، نتيجة الوضع الداخلي لحركة «فتح» وتعذُّر إمكانية فوزها أمام حركة حماس ، تُقاتل الأخيرة للوصول إلى يوم الاقتراع في ظلّ تنامي حظوظها في الفوز، متجاوِزةً خطوطاً حمراء كانت تضعها سابقاً في أيّ حوارات مع حركة «فتح».
وبحسب مصادر «حمساوية»، فقد حسمت الحركة، أخيراً، موقفها بالاستجابة لجميع الشروط التي يطرحها «أبو مازن» للمضيّ نحو الانتخابات، حتى وإن تَسبّب ذلك بإثارة غضب داخلي في صفوفها. وتشمل تلك التنازلات قضايا عديدة، بدءاً من تجزئة الانتخابات والمحكمة الخاصة بها، مروراً بالقضايا الأمنية المرتبطة بعناصر «فتح» في غزة، وصولاً إلى الإشراف الأمني على التصويت.
ومنعاً من عرقلة الانتخابات وذهاب الرئيس عباس إلى خطوات أحادية في ظلّ الضغوط الأوروبية عليه لـ«تجديد الشرعيات»، وافقت «حماس» على إجراء الانتخابات بالتتالي وليس كرزمة واحدة، على الرغم من استناد الحركة إلى موقف إجماع «فصائلي» وآخر خلال اجتماع الأمناء العامين للفصائل في القاهرة بضرورة التزامن، مقابل رأي عباس بالتفريق، بحسب المصادر. كذلك، وافقت «حماس» على نعت مؤسّساتها القضائية في غزة بأنها «غير شرعية»، كما جاء على لسان عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، عزام الأحمد، وهو ما تُرجِم لاحقاً بامتناع عباس عن اختيار أحدٍ من قضاة تلك المؤسّسات ضمن تشكيلة محكمة الانتخابات التي أَعلنها في مرسوم رئاسي الاثنين الماضي، مكتفياً بأربعة قضاة من غزة كانوا يتبعون سلطة «فتح» قَبل سيطرة «حماس» على القطاع، ولم يعملوا في المحاكم التي أعادت الأخيرة تشكيلها لأكثر من 14 عاماً.
إلا أن مصدراً قيادياً في «حماس» كشف، أن «فتح» شاورت حركته في تشكيل المحكمة، وخاصة أسماء القضاة من غزة، تنفيذاً لاتفاق القاهرة الذي نصّ على تشكيل المحكمة بشكل توافقي، مشيراً إلى أن «حماس» لم تعترض على الأسماء ولم تَطلُب إضافة قضاة من العاملين في القطاع كي لا يكون طلبها ذريعة لتعطيل الانتخابات.
وبعد أيّام من تصريحات مكثّفة لـ«فتح» - أعقبت إصدار الرئيس عباس مرسوم الحرّيات - حول وجود 88 معتقلاً سياسياً من «الحركة» في سجون غزة، أعلنت «حماس» الإفراج عن 45 من أولئك، على رغم أنهم معتقلون على ذمّة قضايا جنائية وأمنية خطيرة.
وبحسب مصادر في وزارة الداخلية والأمن الوطني، تحدّثت إلى "الأخبار"، فإن عدداً من المفرَج عنهم لديهم اعترافات بتقديم معلومات أمنية خطيرة تتعلّق بالمقاومة وتجهيزاتها وعتادها العسكري لجهات معادية، وعليه فقد تمّ تقديمهم للمحاكمة، وبعضهم حُكم عليه بالمؤبّد، وآخرون بسنوات متفاوتة. أمّا المتّهمون بقضايا قتل جنائية، والذين تصفهم «فتح» بالمعتقلين السياسيين، فلم تفرج السلطات في غزة إلّا عن عدد قليل منهم، «خشية أن تتمّ تصفيتهم من قِبَل عائلات ضحاياهم»، كما تقول المصادر.
إلى جانب ما تَقدّم، لا تزال «حماس» تتباحث في قضية الإشراف الأمني على الانتخابات داخل غزة، وتحديداً لناحية السماح لعناصر الشرطة السابقة بالإشراف على العملية داخل مراكز الاقتراع، فيما تتولّى الشرطة التابعة لـ«حماس» تأمين المراكز من الخارج، بالإضافة إلى إقامة غرفة عمليات مشتركة تشمل ممثّلين عن الشرطة السابقة، التي سيخضع عناصرها لعملية تأهيل خلال الفترة المقبلة في حال تمّ اعتماد هذا المقترح.
جميع تلك المعطيات تصبّ في خانة رغبة «حماس» في الوصول إلى صندوق الانتخابات خلال الفترة المقبلة، عبر تجاوز جميع العقبات التي تنصبها «فتح»، والتي أغضبت جزءاً من الصفّ الداخلي لـ«حماس»، على اعتبار أن هذه الشروط تُمثّل «ابتزازاً واضحاً»، ومحاولة لإفشال الانتخابات وتحميل «حماس» المسؤولية عن ذلك.
وعزّزت المعطيات الميدانية واستطلاعات الرأي، ومعها واقع «فتح» المشتَّت وتراجعها في عدد من المواقف الوطنية وخاصة قضية الأسرى وضمّ الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين، من حافز «حماس» لخوض الانتخابات، وتفاؤلها بتحقيق فوز واضح في الضفة وغزة. وتعتمد «حماس» على عدّة استطلاعات أجرتها مراكز فلسطينية وأخرى خاصة بالحركة، تُرجّح حصول الأخيرة على ما بين 35 و40% من الأصوات، في مقابل «فتح» التي ستدخل الانتخابات بقائمتين أو ثلاث على أقلّ تقدير، فيما تُعوّل «حماس» على دعم عدد من الفصائل لها في الانتخابات المقبلة، وخاصة تلك التي تتشارك معها في برنامج المقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال، وتعارض «اتفاقية أوسلو» والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
ولم تحسم «حماس»، بعد، شكل مشاركتها في الانتخابات التشريعية؛ إذ إن لديها عدداً من الخيارات، أبرزها الذهاب نحو قائمة باسم الحركة من دون تحالفات، أو قائمة تضمّ مستقلّين وشخصيات عامّة، أو قائمة تضمّ تحالفاً مع فصائل أخرى، إلا أن خيار قائمة مشتركة مع «فتح» بات مستبعداً، في ظلّ إصرار الأخيرة على تشكيل قائمة وفق برنامجها الذي يتعارض مع برنامج «حماس». وعليه، أعلن عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، موسى أبو مرزوق، أن الحركة ستجتمع خلال الفترة المقبلة، وستّتخذ القرار بكيفية مشاركتها في الانتخابات المقبلة، وذلك بناءً على مواقف بقية الفصائل.