في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى التقارب بين حركتي "فتح" و"حماس" وخط الاتصال المفتوح بين الفصيلين، بعد الاتفاق على الذهاب للانتخابات للخروج من المأزق السياسي، أثار توقيع السلطة الفلسطينية مع مصر عقد تفاهم مرتبط بحقل الغاز قبالة سواحل غزة، خلافاً متجدداً بين الفصائل في القطاع والمسؤولين في الضفة الغربية. حسب صحيفة "اندبندنت عربية" اللندنية .
وبدأت الخلافات عندما انتقدت حركة "حماس" إجراءات السلطة الفلسطينية، بتوقيع اتفاقية استخراج الغاز من حقل "مارين" من دون مشاركتها، واعتبرتها محاولة إقصاء لها، على الرغم من اتفاق الفصيلين على مشاورة بعضهما في القضايا الكبرى.
غزة يجب أن تكون حاضرة
ويقول عضو المكتب السياسي في الحركة موسى أبو مرزوق "يجب أن تكون غزة حاضرة في أي تفاهمات حول حقل الغاز الموجود قرب شواطئها، وبما أن القطاع مضطر لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل لمحطة الكهرباء الوحيدة، فلا يجب أن نقف متفرجين، وثرواتنا الطبيعية تذهب بعيداً".
وجغرافياً، يقع قبالة سواحل غزة وضمن حدودها المائية حقل غاز غزة المعروف باسم "غاز مارين" ويتقاطع مع الحدود المصرية. لكن بسبب المنع الإسرائيلي، لم تتمكن السلطات الفلسطينية من التنقيب، فلجأت لعقد اتفاقية مع مصر لاستخراجه وتطويره.
اتفاقية من دون معلومات
وفي 21 فبراير (شباط) الحالي، وقعت السلطة الفلسطينية مذكرة تفاهم مع السلطات المصرية، للتعاون بمساعي تطوير البنية التحتية لحقل غاز غزة، على نحو يوفر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، مع إمكانية تصدير جزء من محتوياته إلى الجانب المصري.
لكنها، لم تفصح عن أي معلومات كاملة حول اتفاقية التفاهم مع الجانب المصري، ولا عن حصة غزة من الغاز المستخرج، ولم يتحدث المسؤولون عن حل مشكلة الكهرباء المتفاقمة من سنوات في القطاع.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن السلطة الفلسطينية اتفقت على إنشاء محطة كهرباء في جنين لتغذية الضفة الغربية، ومد خط غاز لمولدات إنتاج التيار في غزة، لكن من دون تحديد الكمية الشهرية، ولا الحديث عن حل أزمة كاملة للكهرباء في القطاع.
هذا الأمر أثار غضب قادة "حماس"، بحسب أبو مرزوق، الذي أكد أنه لا يجب أن تقف غزة وفصائلها متفرجة، والثروة الطبيعية للفلسطينيين تذهب بعيداً، لافتاً إلى ضرورة معرفة تفاصيل الاتفاقية التي تم توقيعها.
غزة جزء من فلسطين
هذا التدخل، أعاد الخلافات بين الفصائل في غزة والسلطة الفلسطينية، إذ تعتبر الأولى أن المسؤولين في الضفة الغربية ما زالوا يتفردون بالمقدرات الفلسطينية، خلال المرحلة الانتقالية التي تسبق انتخابات المجلس التشريعي الملزم بالمصادقة على العقود الكبيرة التي تبرم بشأن المقدرات الوطنية.
في حين اعتبرت السلطة الفلسطينية انتقاد "حماس" لها بالتدخل "غير مبرر"، ويقول عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح" حسين الشيخ إن "حماس" فصيل سياسي، وفي العادة الاتفاقيات توقع بين الدول وليس التنظيمات الحزبية، وفلسطين عضو في منتدى غاز المتوسط، وللسلطة أحقية قانونية في إجراء التفاهمات المناسبة من دون استشارة الأحزاب".
وكذلك وصف مستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش انتقادات "حماس" لاتفاقية الغاز بـ"الضعف في الجغرافيا"، قائلاً، "على أي طرف إخبار قادة حماس بأن غزة حاضرة في اتفاقية الغاز، القطاع جزء لا يتجزأ من فلسطين، إلا إذا كانت حماس تتصور بأن غزة منطقة جغرافية منفصلة عن الأراضي الفلسطينية".
السلطة لا تدير دولة!
هذه الردود، بحد ذاتها كانت صدمة للحركة، ما جعلها تصف فلسطين، بالأراضي وليست "دولة"، إذ جاء ذلك على لسان الناطق باسمها حازم قاسم قائلاً "قيادات فتح والسلطة في رام الله تبيع الوهم للجمهور بأنها تدير دولة، فقد فشلوا في إنجاز أي تطلعات للشعب، وعززوا الانقسام السياسي والجغرافي، وما زالوا يبحثون حول سراب التسوية مع إسرائيل، وكذلك مصرين على إدارة العلاقات مع المحيط بعيداً عن الشعب ومؤسساته".
في الواقع، زار وفد هندسي وعسكري مصري غزة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لاطلاع الجهات الحكومية في القطاع على نية ترسيم الحدود واستخراج الغاز من حقل مارين، الأمر الذي اعتبره مراقبون سياسيون بأن "حماس" على علم بالاتفاقية التي تمت بين السلطة الفلسطينية والمصريين.
ويقع حقل غاز مارين على بعد 36 كيلومتراً من شواطئ غزة، على مساحة 1000 كيلومتر. وتشير التقديرات الرسمية إلى احتوائه على 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويمكن أن يسد احتياجات الفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع لمدة 25 عاماً مع إمكانية تصدير جزء منه إلى الدول المجاورة.
تهرب من الانتخابات
الغريب في الموضوع، أن "حماس" ترغب في ترك سدة الحكم في غزة، وقررت الذهاب للانتخابات لإنهاء حالة الانقسام السياسي، لكن تدخلها في اتفاقية الغاز يكشف أنها لا تزال ترغب في مواصلة سيطرتها على القطاع، وفقاً لمراقبين.
وكشفت الأجواء المتوترة بين "فتح" و"حماس" عن النية الحقيقية للطرفين بعدم جدية الذهاب لصناديق الاقتراع لإنهاء المأزق السياسي الفلسطيني، هذا ما يؤكده مسؤول مكتب الإعلام في مفوضية التعبئة والتنظيم منير الجاغوب، معتبراً أن تدخل الفصائل خصوصاً "حماس" يمثل نوعاً من التهرب من الانتخابات والمصالحة والأجواء الإيجابية، ويعد شكلاً من الابتزاز.
لكن الحركة اعتقدت بأن تفرد السلطة في حقل غاز غزة يشكل ضرورة ملحة لإنجاح الانتخابات، ويشير حازم قاسم الناطق باسمها إلى أن صناديق الاقتراع ستفرز مؤسسة فلسطينية قادرة على تمثيل المصالح العليا بشكل أفضل وعلى قاعدة الشراكة الوطنية، بعيداً من الإقصاء والتفرد الذي تمارسه السلطة في رام الله.