من يوقف الانتحار في غزة قبل أن يتحول الى ظاهرة؟!

الخميس 25 فبراير 2021 10:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
من يوقف الانتحار في غزة قبل أن يتحول الى ظاهرة؟!



وكالة سما / خالد احمد /

نعيش اليوم تغيرات مفاجئة وسريعة في شتى ميادين الحياة مما يجعل الفرد عاجزًا عن التكيف معها, وبالتالي يكون عرضة للآفات النفسية والاجتماعية الخطيرة ومنها الانتحار

والانتحار سلوك ذاتي بتدمير الذات وإزهاق الروح أحيانًا يعود إلى ثقل وقع العوامل الاجتماعية و قسوتها, وأحيانًا أخرى يعود إلى هشاشة التكوين النفسي وعجز الذات عن تحمل تلك المتغيرات الخارجية أو التفاعل معها.

 

ويعتبر العالم سيغموند فرويد الانتحار نتيجة لدوافع داخلية ذاتية فشلت في التعبير عن نفسها فوُجهت نحو الذات  فدمرتها وقضت عليها.

 

وتعددت الطرق والموت واحد فلا يكاد يمر شهر إلا ونسمع عن حالة انتحار تصيبنا بالصدمة، من إقدام انسان على حرق نفسه، أو القاء نفسه من علو، أو تعليق نفسه في مشنقة، أو تجرع السم...إلخ بفعل الواقع الاجتماعي والاقتصادي المرير الذي يعيشه القطاع المحاصر ،وهناك عشرات المحاولات للانتحار لم يكتب لها النجاح ولم يتم الإعلان عنها.

 

والمتتبع لواقع الشاب في المحافظات الجنوبية يجده يزداد سوءًا، فمنذ أربعة عشر عاماً على الانقسام الفلسطيني وما نتج عنه من آثار اجتماعية ونفسية وسياسية صعبة، أصبح الواقع يفرض نفسه على المسئولين هنا للوقوف عند هذه الحالة استناداً الى البيانات الحقوقية والتفسيرات النفسية والاجتماعية التي عزتها إلى سوء الأوضاع المعيشية في القطاع.

 

ومع  ازدياد حالات الانتحار في الآونة الأخيرة في محافظات غزة لاسيما الحالات التي وقعت في بداية شهر تموز يوليو من العام الماضي، دفعت الحقوقيين لدق ناقوس الخطر وإرسال رسائل شديدة اللهجة، علها تكون ورقة ضغط  لوقوف الجميع من مسئولين وفصائل وهيئات ومؤسسات، أمام هذه الحالة التي تفشت بين أوساط الغزيين.

 

وعلى سبيل المثال قالت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أنه لا يوجد اهتمام يذكر في هذا الأمر من قبل الجهات الرسمية، متسائلة: "هل الحكومة اتخذت إجراءات مغايرة من سنة لأخرى حول موضوع الانتحار، وهل أولت عناية أو اهتمام بهذا الموضوع ؟".

 

 

 

 

 

وحول الاحصائيات التي تتحدث عن اعداد الحالات التي اقدمت على الانتحار      أشارت ورقة بحثية نفذها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات" ومقره رام الله  إلى أعداد الحالات التي أقدمت على الانتحار بين عامي(2015/2019)، حيث سجل العام 2015، انتحار (10 ) أشخاص ، فيما حاول الانتحار نحو 553 فيما شهد العام 2016 تسجيل (16 ) حالة انتحار ومحاولة (626) شخصاً الانتحار، بينما سجل العام 2017 تسجيل (23 ) حالة انتحار، وحاول (566) شخصاً الانتحار، وسجل العام 2018 (20 ) حالة انتحار فيما حاول (504) الانتحار ولم ينجحوا، فيما سجل العام 2019 انتحار (22) شخصاً (19) ذكور (3) إناث وحاول الانتحار نحو (133) شخصاً مقسمين (89) ذكور ،و (44) إناث .

 أما العام (2020) فحسب منظمات حقوقية محلية فقد شهد القطاع وفاة مالا يقل عن(16) شخصاً حتى بداية شهر يوليو الماضي و(3/5) محاولة انتحار يومياً يتم انقاذ اصحابها .

 

وعزت الورقة البحثية الأسباب والدوافع التي تدفع الشباب في محافظات غزة  نحو الانتحار إلى ظروف تختلف عن الظروف التي تحدث في بلدان الشرق الأوسط، وأن هناك سرية وتكتم شديدين من قبل الجهات المختصة أو المعنية أو الأهل، إلى دوافع سياسية واجتماعية، واقتصادية ونفسية، كون محافظات غزة تعيش في معاناة دائمة ومستمرة منذ الانقسام الفلسطيني قبل أربعة عشر عاماً، خاصة في ظل الفجوة التي يعيشها الشباب ما بين الواقع والمأمول بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب الفقر والبطالة واستمرار الحصار الإسرائيلي الخانق وانسداد الأفق السياسي.

 

ورغم الصدمة التي شكلتها حالات الانتحار المتكررة في غزة، فإنها لا تعد ظاهرة، حسب مختصين أمنيين ونفسيين، وذلك بالاستناد إلى المقاييس الدولية التي تعتمد على النسبة بين عدد الحالات وعدد السكان.

 

وفي السياق ذاته يقول المتحدث باسم الشرطة في غزة العقيد أيمن البطنيجي  إنه لا ينبغي إثارة حالات الانتحار وإعطاؤها حجمًا أكبر من حجمها الطبيعي موضحاً أن العام الماضي الذي شهد(12) حالة انتحار أفضل بكثير من العام الذي سبقه والذي شهد (32) حالة مؤكدًا أن "حالات الانتحار التي يُعلن عنها فردية وليست ظاهرة ،وهذه الأرقام والأعداد لا تشكل أي خطورة". من وجهه نظره .

 

ويطالب البطنيجي "نحن بحاجة إلى التكاتف لحل المشكلات الاجتماعية بالطرق المناسبة وعدم ترك البعض ضحية لليأس"، مشيراً إلى أن بعض حالات الانتحار ليست لها علاقة بالمال أو حتى بالوضع الاقتصادي، وتحتاج لتدخل من الجهات حكومية والمؤسسات الأهلية لحل مشاكلها.

 

الانتحار من منظور القانون

 

من جهته، قال المحامي والناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي، إن الانتحار من وجهة نظر القانون حسب تعريف المشرع في نص المادة (45) من قانون العقوبات، فإن الشروع بصفة عامة هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها كانقطاع الحبل وفشل الانتحار. 

ويضيف عبد العاطي  بأن الانتحار كما يعرفه فقهاء القانون هو إنهاء الإنسان لحياته بنفسه ، أي اعتداء من الشخص على نفسه يؤدي إلى إزهاق روحه ، وأشار إلى أن قانون العقوبات الفلسطيني يعتبر أن كل من حاول الانتحار قد ارتكب جنحة، كما اعتبر محاولة الانتحار جريمة قائمة بذاتها.

 

وأردف: "وبرغم أن القانون الفلسطيني يعاقب على محاولة الانتحار إلا أنه درج العمل القضائي في النيابة العامة على حفظ الدعوى قطعيًا لعدم الأهمية، نظراً لعدم جدوى العقاب في مثل هذه الحالات وحفاظًا على الروابط الأسرية".

وحول الوضع الاقتصادي يقول عبد العاطي ، أن المؤشرات الرقمية تشير إلى 74 % من سكان غزة  يعيشون حالة من انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 85% و نسبة البطالة 53 %، ما يعني العجز عن مواجهة الواقع والاحتياجات المختلفة وتراكم المديونات وارتفاع الضرائب نتيجة استمرار حالة الانقسام .

 

 

 

الانتحار من منظور الدين

 

تحدث الداعية محمود الحسنات في مقطع فيديو في احد المساجد، عن ظاهرة انتحار الشباب في محافظات غزة ، من زاوية مختلفة موجهاً حديثه للمشايخ والعلماء والخطباء الذين يخرجوا للناس ويفتون بحكم الانتحار، والذي لا خلاف عليه في حرمة الانتحار لكنه طلب من هؤلاء كلهم أن يخرجوا بفتوى واحدة لإخبار الناس ... لماذا انتحر الشباب؟ متسائلاً  ألا يجرأ رجل منهم أن يقول للعالم لماذا انتحر الشباب؟ ولماذا اليوم لا يجد الشاب أمامه إلا حلاً واحداً وهو الانتحار؟، مستغرباً من صمت هؤلاء المشايخ والعلماء والخطباء لعدم توضيحهم أسباب ودوافع الانتحار للناس.

 

وأردف قائلاً: "ماذا عن شاب بلغ الثلاثين عاماً وما زال يأخذ مصروفه من والده؟، ولا يستطيع أن يتزوج ويعف نفسه؟".

 

وفي الاطار ذاته اعتبر رئيس لجنة الإفتاء في الجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي      أنّ الانتحار محرم شرعًا لأى سبب من الأسباب ومهما كان دافعه ،وعن حكم الانتحار في الشرع قال السوسي"هو من كبائر الذنوب، وقاتل نفسه عمدًا مصيره الخروج من رحمة الله والتردّي في جهنّم خالدًا فيها أبدًا، ودليل ذلك، قوله تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ،وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا".

 

ويرى السوسي أن هناك عدة عوامل قد تتشارك في لجوء المرء إلى قتل نفسه منتحرًا ،ولكن تلك الأسباب مجتمعة تعود إلى سبب رئيس يتمثل في ضعف الوازع الديني لدى المرء وتراجع الإيمان في نفسه من حيث الرضا بالقضاء والقدر.

 

ويبين السوسي أن المنتحر تجرى عليه أحكام موتى المسلمين، فيغسل ويُكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويورث ماله ويترحم عليه ويدعى له بالرحمة والمغفرة، كما قال العلماء مطالباً في الوقت عينه بالاهتمام برفع المستوى الديني من خلال اقامة الندوات الدينية .

 

الانتحار من منظور علم الفنس

 

 

يقول أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى الحكومية د. درداح الشاعر "غزة أصبحت بيئة خصبة للانتحار وذلك نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم مقدرة الشباب على تأمين مستقبلهم، مما كوّن لدى بعضهم حالة نفسية معقدة ،ودفعهم إلى الخلاص من الحياة، كما حدث مع الشاب "سليمان العجوري" (23عاماً)  الذي عبّر على مواقع التواصل الاجتماعي عن انزعاجه من الحياة".  ، وفي آخر منشور له عبر حسابه في فيسبوك، كتب "هيا مش محاولة عبث هيا محاولة خلاص وخلص.. الشكوى لغير الله مذلة وعند الله تلتقي الخصوم". قبل ان يطلق النار على نفسه في الرابع من شهر تموز يوليو من العام الماضي .

 

 

 

ووفق الشاعر فإن كل حالة انتحار لها ظروف وملابسات خاصة بها، مؤكداً أنَّ أخطر العوامل التي تدفع إلى الانتحار في غزة انعدام فرص المستقبل ومؤشراته أمام الشباب والمجتمع الفلسطيني.

 

ويضيف الشاعر: "إذا ما شعر الشاب في غزة بعدم وجود انفراجات في المستقبل القريب في الواقع النفسي أو أمل في غد واعد ومستقبل مشرق، بالتأكيد ستزداد هذه الضغوط والأعباء النفسية عليه، وبالتالي يفكر بمخرج من هذه الأزمات النفسية والاقتصادية من خلال فكرة الانتحار"، داعيًا إلى ضرورة تكاثف جهود الجميع من أجل إخراج الشباب من هذه الدائرة الضيقة التي أرهقت كاهلهم وأثقلت همومهم.

 

 

 

ولا تختلف الخبيرة النفسية ومديرة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة سماح جبر مع الشاعر أذ تؤكد على ما قاله بأن كل مسببات الإقدام على الانتحار متوفرة في غزة، من حيث انسداد الأفق والفقر والبطالة، إضافة إلى عوامل شخصية فردية تزيد معدل الانتحار كالإدمان والأزمات العاطفية والمشكلات الزوجية.

 

وما شهدته غزة خلال السنوات الماضية من ضغوط جراء الحروب والحصار والانقسام أوجد ما يمكن وصفه "بتطبيع الموت"، حيث أصبح الموت طبيعيًّا في نظر كثيرين ويتساوى مع الحياة التي لم تعد لها قيمة ،ويشعر من يتملكه اليأس والرغبة في الموت بأنه بات عبئًا، فيقرر إنهاء حياته بيده، وفقًا للدكتورة سماح جبر.

واتهمت جبر الطبقة السياسية بالتقصير، وقالت إن السياسات في فلسطين لا تحاكي احتياجات الشباب، مما يجعل مشاركاتهم ضعيفة ،وتزيد من شعورهم باليأس وعدم الأهمية وتعمل  جبر في الوقت الحالي على إعداد خطة وطنية رسمية للمساهمة في الحد من معدلات الانتحار، تركز على دور كل الجهات السياسية والمجتمعية والدينية في منح الشباب القيمة التي يستحقونها وبث رسائل تعظم قيمة الحياة وتغلظ قتل النفس .

 

 

 

 

                           

 

 

 

 

 

 

أعراض وسلوكيات الأفراد ما قبل الانتحار:

 

وحسب رأي خبراء الصحة النفسية فإن مظاهر وأعراض الانتحار بين الاطفال والمراهقين

بشكل خاص هي ما يلي:

 

• ذكر الموت والتكلم عنه بكثرة.

• تعكر المزاج للأسوأ بشكل ملحوظ والشعور الدائم بالحزن واليأس .

• الشعور بعدم ذاتية القيمة والأهمية.

• الانعزال والانطواء والابتعاد عن أفراد العائلة والأصدقاء والأنشطة أو الهوايات المحببة.

• إهداء ممتلكات خاصة ثمينة للآخرين.

• كثرة الشكوى من الألم مثل الصداع والتعب والإنهاك .

• سلوك وممارسات عدائية في المنزل وخارج المنزل.

• إهمال في العناية بالمظهر وارتداء الثياب .

• اللجوء إلى شرب الكحول والمخدرات و التهديد بالانتحار .