هآرتس/ ذي ماركر- بقلم: آفي بار – ايلي
"فيلم الفيديو المستثمر نسبياً الذي رفع على “يوتيوب” قبل أسبوع، بدأ بعرض شعار مجموعة قراصنة مجهولة باسم “سبايدر ز”، وعرض بعده مقطع مصور لبضع ثوان من الانفجار الضخم الذي حدث في آب الماضي بميناء بيروت وألحق بالدولة المفككة أضراراً شديدة. وبعد ذلك، أشعل فيها السخط على حضور حزب الله (بعد النشر أن سبب الكارثة يكمن في مخازن لمواد خطيرة تعود لهذه المنظمة الإرهابية).
“المافيا والمليشيات والأموال، هي المسيطرة الآن في لبنان“، هكذا تنتقد –كما يوضح الفيلم- شخصية قرصان (يرتدي على وجهه قناعاً لشخص مجهول بالطبع) وبصوت مشوش تقنياً. في الخلفية تم عرض صور الرئيس اللبناني ميشيل عون ورئيس البرلمان نبيه بري وصورة رئيس حزب الله، حسن نصر الله. الرسالة هي: الفساد الذي يرافق حضور حزب الله في لبنان هو سبب الاقتحام الذي سيتم توثيقه فوراً للنظام البنكي العائد لهذه المنظمة. وكأنها عملية رد لبنانية – داخلية، وليس عمل لجهة خارجية، لا سمح الله.
مع ذلك، يبدو نشر الفيديو دقيقاً جداً بالنسبة لاتحاد قراصنة مجهول. وشمل ذلك أحداث دراما وأعمال غرافيك ودمج صور من الأرشيف، وشمل أيضاً إضاءة “علم لبنان يتمزق”. وبالطبع لا يمكن تجاهل موضوع التوقيت.
نقاط اختراق
قبل شهر تعرضت إسرائيل لهجوم سايبر مغطى إعلامياً. وحسب معرفتنا، شمل الهجوحتى الآن م سرقة تفاصيل زبائن في شركة “شربيت” للتأمين، واختراق شركة “عميتال” للبرامج – التي اقتحم القراصنة عن طريقها عشرات الشركات اللوجستية في الاقتصاد الإسرائيلي، وسرقة شيفرات من شركة مبتدئة سرية باسم “هفانا لاباس” – الجوهرة التي دفعت “انتل” 2 مليار دولار ثمناً لها. ولشديد الحرج، شمل اختراقاً لحواسيب “التا” التابعة للصناعات الجوية، وحتى حواسيب قسم السايبر التابع لها.
رافقت هذه الاختراقات موجة من العلاقات العامة التي أثارت شكوكاً بأن دولة ما تقف وراء هذا الهجوم، إلى جانب تنظيم إجرامي. والآن بعد مرور أسبوعين، تمت تغطية اختراق حساس إعلامياً للبنك اللبناني “القرض الحسن”. وكشف الاقتحام تفاصيل 100 ألف صاحب حساب في عدة دول في العالم، و200 ألف مقترض (بالأساس من لبنان)، وتفاصيل القروض التي تم الحصول عليها في الأعوام 2019 و2020، وتفاصيل حسابات فتحها بنك “القرض الحسن” في بنوك شرعية في لبنان وأوروبا، مع تجاوز للعقوبات الأمريكية.
وعثر خبراء الأمن الذين فحصوا المواد المسربة على نقطتي اختراق – سواء في النظام الحاسوبي للبنك أو في نظام الحماية. هذا لأن المادة التي تسربت شملت أيضاً صور إيداع أموال في الفروع، وحتى صور الخزنات.
ظاهرياً، يبدو أنها نتائج لعملية مندمجة اقتضت وجوداً مادياً في لبنان، الأمر الذي قد يشير إلى نشاط تجسس أجنبي. ومن جهة أخرى، ما هي مصلحة منظمة تجسس في كشف اختراق عميق لأحشاء منظمة إرهابية، و”حرق” ثغرة يمكن أن توفر لها قيمة مستدامة؟
نظام تحر
“يعمل اقتصاد حزب الله بصورة موازية لاقتصاد لبنان. وإن ابتزاز حزب الله لمصادر المال في لبنان قاد اقتصاد الدولة إلى التحطم. “القرض الحسن” ليس جمعية خيرية، بل هو بنك حزب الله”. هكذا وجهت شخصية القرصان في فيلم “اليوتيوب” انتقادها.
أسس “القرض الحسن” في 1983 كفرع خيري، وشغل كنظام إعطاء قروض صغيرة اجتماعية استهدفت دعم الطائفة الشيعية في بيروت، نوع من النظام المالي – الإنساني. وخلال ثلاثة عقود، عمل البنك في ظل مؤسسات مالية معروفة أكثر لحزب الله، مثل صندوق الشهيد، وبنك الاستثمارات “يُسر”. وأسست هذه المنظمة الإرهابية عبر هذه المؤسسات نظام ظل مالي، ونظام عمل في موازاة النظام البنكي الرسمي اللبناني، لكن ليس في إطاره. جاءت أموال حزب الله من مصادر مختلفة: سلسلة مصالح تجارية رسمية يشغلها المخلصون له في أرجاء العالم في مجالات مختلفة (العقارات، المقاولات والإلكترونيات)، ونشاطات جنائية تشارك فيها طوائف شيعية في أمريكا اللاتينية وغرب إفريقيا (المخدرات، الاتجار بالسيارات المسروقة وتزوير العملة) والتبرعات – وبالطبع المساعدة الجارية من إيران التي تقدر بمئة مليون دولار في السنة.
تم إيداع هذه الأموال في حسابات مركزية تم فتحها في البنوك اللبنانية باسم “يُسر”. على سبيل المثال، كانت المؤسسات المالية الرسمية تقدم خدمات بنكية جارية لزبائن بقوا خلف الكواليس. ونظام التحري هذا مكن حزب الله من عدم كشف نشطائه، وأن يدير فعلياً نظاماً بنكياً منفصلاً. في الوقت نفسه، سهل العثور على المال التابع للمنظمة، وتحديد البنوك التي شكلت له منبراً مالياً. استُغلت هذه الثغرة جيداً، سواء من قبل الموساد الإسرائيلي أو “القانون الصارم” – منظمة قانونية تتابع أموال المنظمات الإرهابية لغرض المحاربة القانونية لمؤسساتها “المبيضة” وتقديم دعاوى ضخمة ضدها في الخارج.
حسب أقوال المحامية نتسانا درشن – لايتنر، مؤسسة “القانون الصارم”، فإن “القرض الحسن” حل محل أذرع حزب الله المشهورة، وتحول إلى بنك لنشطاء حزب الله – بعد أن استوعب أحد الدروس المهمة. في البداية أدار حسابات رئيسية في بنوك تجارية رسمية، لكن منذ مطلع 2006 قام بتغيير نشاطه: بدلاً من أن يفتح باسمه حسابات رئيسية، بدأ في إرسال عامليه كرجال فزاعة حتى يفتحوا بأسمائهم سلسلة من الحسابات الشخصية، كما يبدو. جاء النشطاء إلى البنوك عبر مجموعات تتكون من شخصين أو ثلاثة أشخاص، ووزعت إدارة الحساب الجاري بين المنصات “المنصفة” الموجودة في لبنان دون ترك أي أثر.
في المرحلة التالية، تحول “القرض الحسن” إلى بنك. وقام بفتح ثلاثين فرعاً وأدار ودائع وأعطى القروض والضمانات. ثم عرض خدماته لنقل الأموال إلى الخارج. ومؤخراً، تفاخر بإطلاق تطبيق ووضع صرافات آلية في ضواحي بيروت الجنوبية.
“القرض الحسن هو المؤسسة التي تدير ميزانية حزب الله الآن، والتي تبلغ 1 – 1.5 مليار دولار في السنة. وهو الذي يدفع رواتب العاملين في التنظيم، ويصدر لزبائنه بطاقات اعتماد”، هذا ما قاله لصحيفة “ذي ماركر” عوزي شعيا، أحد كبار رجال الموساد السابقين.
كان شعيا يترأس “تسلتسيل”، وهي قوة المهمة التي أسسها الموساد لمتابعة مسار الأموال التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية. “كان القرار في حينه هو التركيز على نقل الأموال وليس على مصادرها”، شرح. بالمناسبة، في توقيت يشكل مفارقة، تم في الشهر الماضي إطلاق كتاب درشن لايتنر – “هارفون” (تسلتسيل)، الذي يوثق العلاقة التي تراكمت بين المنظمة القضائية التي أسستها وقوة المهمة السرية.
حسب أقوال شعيا، كشفت مواد الاختراق المسربة من “القرض الحسن” أن زبائن من دول مختلفة مثل ألمانيا وفرنسا وبلغاريا، فتحوا هم أيضاً حسابات بنكية في “القرض الحسن” بواسطة توكيل أرسلوه إلى لبنان. بهذا ربما استغلوا منصة حزب الله لتبييض الأموال أو إخفاء ضرائب. إضافة إلى ذلك، أشار شعيا إلى أن قائمة أصحاب الحسابات تشمل أيضاً جهات إيرانية (مثل سفارة إيران في لبنان، أو شركة طيران “مهان اير”). هذه الحقيقة تثير الشك بوجود قناة لتجاوز العقوبات، حيث إن هذه العقوبات تمنع التحويلات المالية إلى إيران.
في موازاة ذلك، يتضح أن رجال “القرض الحسن” يديرون حسابات أيضاً في بنوك أجنبية، منها بنك “سوسيتا جنرال” الفرنسي، من خلال تعاون النظام البنكي اللبناني وغض النظر الذي يمكن هذه المنظمة الإرهابية من تجاوز العقوبات.
“هذا كشف إشكالي بالنسبة لحزب الله”، قال شعيا. “هذا يهز ثقة الأشخاص الذين فتحوا حسابات هناك. إذ سيتم تصنيفهم بأن لهم علاقة مع حزب الله، الأمر الذي يضر بسلوكهم المالي في المستقبل. وبالنسبة لـ “القرض الحسن” هذا الكشف يمكن أن يصعب عليه من الآن إدارة الحسابات في النظام البنكي اللبناني”.
في الواقع، القراصنة في “سبايدر ز” طلبوا في الفيلم الذي نشروه من المقترضين وأصحاب الحسابات في البنك الذي تم اختراقه، عدم سداد الديون وسحب أموالهم ومقاطعة اقتصاد الظلال لحزب الله.
سارعت المنظمة الإرهابية إلى الرد في موقع الإنترنت “العهد”، حيث قالت إن تأثير حادثة السايبر محدود. وقالت جهات في المنظمة إنه بعد “الإنجازات النوعية” التي سجلها “القرض الحسن” على الصعيد التكنولوجي، فإن “الرابطة” تشكل هدفاً لجهات تريد إحباط نجاحها، وهؤلاء سيزيدون جهودهم وسيدفعونها إلى إعطاء “خدمات أوسع وأكثر شمولية”.