كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن الحكومة الإسرائيلية لم تعط رداً إيجابياً على مبادرة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لتحسين العلاقات السياسية بين البلدين، واشترطت لذلك أن تخفف تركيا أولاً من دعمها حركة «حماس» وتوقف تشجيعها نشاطها العسكري.
وقال وزير رفيع في الحكومة الإسرائيلية، طلب عدم نشر اسمه، إن «علاقات تركيا مع حركة (حماس) تضع مصاعب أمام تحسين العلاقات السياسية بين الدولتين، علماً بأن العلاقات الاقتصادية بينهما مزدهرة والعلاقات الأمنية جيدة، ولكن العلاقات السياسية بين الحكومتين سيئة».
وتؤدي أذربيجان دور الوساطة بين أنقرة وتل أبيب منذ أسابيع عدة، بغرض التوصل إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين، بعد سنتين من تخفيض مستوى التمثيل إلى الحد الأدنى. وقد وافقت إسرائيل على قرار أنقرة إرسال سفير تركي جديد إلى تل أبيب، خصوصاً أن السفير الجديد، أفق أولوتاش (40 عاماً)، معروف جيداً لديها. فقد درس اللغة العبرية وتاريخ الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس الغربية. وتم اختياره بعناية، أي إنه ليس دبلوماسياً مهنياً، لكنه تولى منصب رئيس «معهد الأبحاث للشؤون الاستراتيجية (SETA)»، ومقرب من الرئيس إردوغان.
وفي يوم الجمعة الأخير، صرح الرئيس التركي إردوغان بأنه يأمل في نقل العلاقات بين أنقرة وتل أبيب «إلى مستوى أفضل». وقال في تصريحات صحافية عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، إن «علاقاتنا مع إسرائيل على المستوى الاستخباراتي مستمرة ولم تتوقف، ونواجه بعض الصعوبات مع الشخصيات في أعلى الهرم. فنحن لا يمكن أن نقبل بسياسة إسرائيل تجاه فلسطين، وهذه هي نقطة خلافنا معها التي تستند لمفهومنا للعدالة ووحدة أراضي الدول». ولكنه أعرب عن أمله في أن «ننقل علاقاتنا معهم إلى مستوى أفضل».
ومع أن إسرائيل الرسمية لم ترد على تصريحات الرئيس التركي، فإن الوزير المذكور، قال إن «الحالة التركية مختلفة بشكل أساسي عن الدول العربية الأربع التي وقعت على (اتفاقات) سلام مع إسرائيل، بسبب دعم تركيا لـ(حماس). فحقيقة أن مقراً لـ(حماس) موجود في تركيا أمر إشكالي جداً. يصعّب المسألة كلها». وقال الوزير الإسرائيلي إنه «ما دامت توجهات تركيا حيال (حماس) لم تتغير، فلن تتحسن العلاقات بين الدولتين».
ونقلت صحيفة «يسرائيل هيوم»، المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن السفير الإسرائيلي الأسبق في أنقرة، بيني أفيفي، قوله: «لم أفاجأ برغبة إردوغان في علاقات أفضل مع إسرائيل، وإنما بأنه صرح بذلك بصوته، وتوجد لذلك أهمية كبيرة». وقال إن «نقطتين مركزيتين توجهان إردوغان، ضمن مجمل الاعتبارات: الأولى هي رغبته في إعادة أمجاد (العثمانية الجديدة) وقيادة العالم الإسلامي كله. والثانية، ليس في الاستمرار في إقامة العلاقات الأمنية والتدريبات المشتركة مع إسرائيل التي سادت في عهد أسلافه، وإنما الموضوع الاقتصادي الذي اتسع من مليار دولار إلى 5.5 مليار دولار خلال سنوات الأزمة مع إسرائيل، وهو يرغب في زيادته أكثر».
وسئل السفير أفيفي عن المجال الاستخباراتي، الذي تحدث عنه إردوغان، فأجاب: «لا أعلم ماذا يجري في الموضوع الاستخباراتي اليوم، لكن بإمكاني الإدراك أن الوضع الذي يوجد فيه الجيش التركي في سوريا، يؤثر عليه. وهو، مثل إسرائيل، يخاف جداً من الإيرانيين. وصحيح أنه لم تنشب حرب بين إيران وتركيا طوال 300 عام، لكن توجد منافسة بينهما على قيادة المذهبين الشيعي والسني». وأضاف أفيفي: «لا يوجد لدى إردوغان مقولة في اللسان وأخرى في القلب. وإذا تحدث، فإنه يقصد ما يقوله. وإضافة إلى ذلك، أعتقد أن الدول العربية التي اتجهت نحو التطبيع مع إسرائيل، أثرت عليه، وهكذا أيضاً في حالة العقوبات الأميركية».
يذكر أن تركيا كانت قد طردت السفير الإسرائيلي في أنقرة، وسحبت سفيرها من تل أبيب، وخفضت مستوى التمثيل إلى الحد الأدنى، وذلك في أعقاب قمع إسرائيل مسيرات العودة عند السياج الأمني المحيط بقطاع غزة قبل سنتين ونصف السنة. والرئيس التركي يفتش اليوم عن طريقة لإعادة هذه العلاقات، أولاً لأنه يحتاج إلى مزيد من تطوير العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ضمن جهوده لمواجهة أزمته الاقتصادية الحادة، وكذلك لأنه يشعر بأنه سيكون في خندق واحد مع إسرائيل في مواجهة التغيرات المتوقعة في الإدارة الأميركية. وكما يقول الباحث الدكتور تسفي برئيل، محلل الشؤون الشرق الأوسطية في صحيفة «هآرتس»، فإن «إردوغان، مثل إسرائيل، بدأ يشعر بالضغوط الأميركية التي قد تمارس عليه باقتراب دخول الرئيس المنتخب، جو بايدن، إلى البيت الأبيض. وثمة ما يمكن أن يتخوف منه كلا الجانبين».