هآرتس - بقلم: عميرة هاس "كل قتل لإسرائيلي في الضفة الغربية –حتى قبل أن يتم العثور على المشبوهين– يعدّ فرصة لرؤساء المستوطنات للتحدث عن كونهم ضحايا وزرع مزيد من أجزاء صورة الواقع الكاذب في وعي اليهود في إسرائيل. صباح أمس، رئيس مجلس شومرون يوسي دغان، قال إن قتلة استر هورغن من مستوطنة “طل منشه”، هم “برابرة السلطة الفلسطينية”. الأذن الإسرائيلية معتادة على التعميمات، التي فعمل فردي فظيع أو صفة سلبية لفرد ما سيلصقونها بجمهور كامل – إلا إذا تعلق الأمر بيهود (لأنه حينها سيكون ذلك لاسامي). لهذا، كرر دغان هذا التعميم بدون إزعاج في مقابلة مع “كان”. الأمر المهم هو أن دغان لم يقل “البرابرة الفلسطينيون”، بل ركز على صورة السلطة الفلسطينية كوحش جماعي مطلوب من المستمعين أن يشمئزوا منه.
السلطة الفلسطينية كيان سياسي جغرافي غريب – رقعة من الحكم الذاتي المحدود داخل الخيمة الكبيرة والمتسعة من السيطرة الإسرائيلية والتطوير المتسارع لليهود فقط. السلطة الفلسطينية (فعلياً م.ت.ف، التي تم نزع كل صلاحية وقوة منها) يجب عليها إدارة النضال السياسي والدبلوماسي لإعادة المناطق، ونظرياً –أيضاً- إقامة دولة. لذلك، رغم عجزها وتكيفها وضعفها، إلا أن المستوطنين يعتبرونها العدو السياسي الذي يجب العمل ضده. كل جهود اليمين وعلى رأسه المستوطنون، تتركز على إضعاف متواصل لهذه السلطة الممزقة، التي هي في نظر الجمهور الفلسطيني مقاول للاحتلال الإسرائيلي.
قال دغان إن هورغن قتلت “في وسط دولة إسرائيل”. ولكن الأمر ليس كذلك. فقد قتلت في جيب برطعة الذي أوجده جدار الفصل غرب جنين والذي مساحته 18 ألف دونم. وهناك سبع قرى فلسطينية حُبست بين الجدار والخط الأخضر وفصلت عن القرى المجاورة وعن أراضيها. يحتاج السكان الفلسطينيون في هذا الجيب إلى تصاريح من إسرائيل للعيش في بيوتهم، أما الحواجز التي يسمح لهم العبور منها نحو الشرق فهي مغلقة ليلاً. الدخول إلى إسرائيل ممكن ولكن بتصريح خاص. في الوقت الذي تتسع فيه أربع مستوطنات في المنطقة، تقيد الإدارة المدنية حق القرى الفلسطينية في البناء والتطور. مع استثناءات قليلة، يمنع على الفلسطينيين من باقي أجزاء الضفة الغربية الدخول إلى هذا الجيب. هم غير مسموح لهم الاستجمام في غابتها الانتدابية والتمتع بالمناظر الجميلة. بُني الجدار بذريعة أمنية هدفها واضح، ضم إلى إسرائيل بالفعل منطقة واسعة، لأنها تشكل مخزوناً من الأراضي لتجمعات فلسطينية ولدولة في الأحلام.
أحد الأبعاد المهمة في الواقع الزائف هو تخصيص صفات “وحشي، بربري، مقرف” فقط لقتل اليهود من قبل الفلسطينيين. هذه الصفات (والفعل قتل) – التي استخدمها دغان في المقابلة أمس – يتم شطبها من كل قتل لفلسطيني غير مسلح على أيدي إسرائيلي – سواء كان جندياً عادياً، طياراً، رجل مدفعية، شرطياً أو مستوطناً. هكذا يتم تدجين الإسرائيليين – اليهود على التفكير بأن موت الفلسطيني ليس أمراً فظيعاً.
إذا كان قاتل هورغن فلسطينياً، وإذا تم إلقاء القبض عليه وهو على قيد الحياة، فمن المرجح أنه وعائلته الموسعة سيعاقبون عقاباً شديداً. فقد سبق وأثبت أن القتل لا يمنع إسرائيل من سرقة المزيد من أراضي الفلسطينيين. وبناء على ذلك، لا أحد يمكنه الادعاء بأنه ثمة “جدوى” سياسية للقتل. إذا كان القاتل فلسطيني فهل هناك علاقة بين فعله وقسوة سياسة إسرائيل التي تطعنه وتجرحه يومياً منذ ولادته؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن هذه وحشية يتعرض لها ملايين الفلسطينيين ويشعرون بها على جلودهم من المهد إلى اللحد، والتي تولد غضباً واشمئزازاً لدى كل واحد منهم. ولكن القلائل يطلقون غضبهم وكراهيتهم على امرأة تركض في غابة.