“تذكروا هذا الاسم”… يديعوت: تلك الليلة التي حسمت مصير العالم النووي لثلاثة أسباب..

الإثنين 30 نوفمبر 2020 07:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
“تذكروا هذا الاسم”… يديعوت: تلك الليلة التي حسمت مصير العالم النووي لثلاثة أسباب..



القدس المحتلة /سما/

 يديعوت - بقلم: رونين بيرغمن   "قضيت في تموز 2018 مع الكاتب الكبير في “نيويورك تايمز” لشؤون الأمن القومي ديفيد سينغر، وقتاً طويلاً في إحدى المنشآت الأمنية الأكثر حراسة في إسرائيل، شمال تل أبيب. ووصف ديفيد منذ وقت قصير في محاضرة في جامعة أمريكية الحدث إياه كأحد الأحداث المثيرة في حياته المهنية الغنية: “كان هذا أجمل ما يكون في العالم”. قبل ثمانية أشهر من ذلك خرج الموساد في رواية خاصة به لاوشن 11، وسرق حراس وزارة الدفاع أرشيف المشروع النووي العسكري السري الذي تنفيه إيران.

بنى الموساد نسخة عن المخزن الذي كان فيه الأرشيف في ضواحي طهران، بما في ذلك في الشوارع المجاورة، بل وجلب إلى المكان كلاباً تشبه كلاب الحراسة الإيرانية. وتدرب المقتحمون على هذا النموذج لأشهر طويلة، المرة تلو الأخرى، على كيفية التمكن من الدخول والاقتحام والخروج مع كل المادة – والفرار من إيران. يوسي كوهن، رئيس الموساد الذي اصطدم بتعجب شكاك حين عرض الفكرة على محافل رفيعة المستوى في إسرائيل، جاء بنفسه ليرى التجربة الأخيرة والإقرار بأن المقتحمين جاهزون للانطلاق. حفنة من الناس في إيران عرفوا ما هو داخل الخزنات في ذاك المخزن، والذي أخذ الموساد لذلك الأرشيف من تحت أنوفهم.

وعندها جلسنا لنراجع تلك الوثائق التي أثبتت بالشكل القاطع بأن إيران أدارت مشروع تضليل على مستوى دولة، وأن لها مشروعاً نووياً عسكرياً، هدفه في المرحلة الأولى إنتاج خمس قنابل نووية بوزن 10 كيلو طن، وكان أكثر تقدماً من كل ما كان معروفاً حتى ذلك الحين.

اللحظة التي أذكرها على نحو خاص هي أنه رغم القفازات التي كنت أضعها، كان ممكناً أن أشعر بآثار قلم رئيس المشروع النووي الإيراني محسن فخري زادة في سلسلة وثائق كانت سرية جداً لدرجة أنه سجلها بنفسه، بخط يده. ومنذ سنين وأنا أتابع عمل هذا الرجل غير المبارك. وها هو يتراسل هنا مع علماء كبار آخرين عن كيفية إنتاج جهاز تفجير السلاح النووي وكيفية ملاءمة القنبلة لأكتاف صاروخ أرض أرض. في الأرشيف النووي عدد لا يحصى من الوثائق التي وقع عليها بقلم الحبر السائل في نهاية الصفحة. وإذا كان الموساد يقف بالفعل، كما أفادت مصادر أمريكية، خلف اغتيال فخري زادة، ففي تلك الليلة حُسم مصيره؛ لثلاثة أسباب:

الأول، لأن الموساد أثبت نفسه، وتحديداً لجهات خارجية، كم هي عميقة ونادرة قدرة تسلله إلى أعماق أجهزة الاستخبارات والجيش والنووي الإيراني. فليس صدفة أن -بعد سنتين ونصف- علمت بأن الولايات المتحدة تطلب من إسرائيل أن تصفي عنها الحساب الذي لم تنجح على مدى 22 سنة فيه وتقتل نائب قائد القاعدة، أبو محمد المصري. وخليط من الثقة الكبرى بين أجهزة الدولتين يمكنه أن يولد طلباً كهذا ثم تنفيذه كاملاً.

الثاني، أثبتت الوثائق ما كان معروفاً، بل أكثر بكثير؛ لأن فخري زادة هو مركز الأمور، هو دكتور سترينجلوف الإيراني، وهو الدماغ خلف الجزء العسكري للمشروع النووي. ولكنها أثبتت شيئاً آخر هو أنه -وبخلاف ما قيل عنه بأنه مدير فاشل وشخص مشتت- ذو كفاءة في الجانب العلمي إلى الجانب الإداري.

الثالث، هو أن كل ما فعله فخري زادة، يواصل فعله. واضح من الوثائق سبب رغبة الموساد في موته والسبب الذي دفع نتنياهو إلى القول في المؤتمر الصحفي الذي كشف اقتحام الأرشيف: “تذكروا هذا الاسم”.

في الفترة الأخيرة، عملت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع إيران استناداً إلى معلومات كثيرة نقلت إليها من إسرائيل، وذلك في أعقاب سرقة الأرشيف النووي الإيراني على يد الموساد في 2018. وحسب المعلومات التي استخلصتها إسرائيل من ذاك الأرشيف، واصل فخري زادة عمله، وعملياً لم يتوقف أبداً؛ كونه رئيس المشروع النووي العسكري السري لإيران. وقال مصدر إسرائيلي إنه ليس صحيحاً أن نرى في أيار 2018 (عندما انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي) كان هو العام الذي أعاد فيه فخري زادة تفعيل الجهاز الذي تحت إشرافه، بل عمل كل الوقت. إن محاولة إخفاء أرشيف المشروع النووي في المخزن الذي وصلت إليه يد الموساد، جاءت بأمر ومشاركة فخري زادة الفاعلة، وكل ذلك لحماية المعلومات التي تجمعت في إطار عمل “مجموعة السلاح”، وسميت في الاستخبارات الإسرائيلية بمنظومة الخبراء التي تهتم ببناء الرأس المتفجر النووي.

وحسب منشورات أجنبية، نظر بجدية في إمكانية المس بفخري زادة. فقد اعتقد رجال شعبة الاستخبارات “أمان” بأنه من الأفضل أن يبقى على قيد الحياة. هكذا مثلاً، في 2009 ألغيت عملية تصفيته في مرحلتها الأخيرة. فقد أقنع أحد كبار الموساد رئيس الوزراء أولمرت بأنه يحتمل أن تتشوش العملية، فأمر هذا بإلغائها.

منذ النشر عن موت فخري زادة، وتلميحات رئيس الوزراء لما فعله هذا الأسبوع “ولكنه لا يمكنه أن يروي عنه”، كثرت التخمينات عن أن الاغتيال يخلق خطر حرب أو اندلاع لعنف حاد في الشرق الأوسط. وفي تحليلات أخرى، قيل إن الاغتيال يستهدف تكبيل يدي بايدن في اتصالاته مع إيران. كل شيء ممكن، ولكن اغتيالاً كهذا يحتاج إلى التخطيط لأشهر طويلة إن لم يكن لسنوات، ولا يمكن إخراجه إلى حيز التنفيذ بضغطة زر.

وثمة شك بأن يرد الإيرانيون بعد مقابلة كل الأعمال السابقة ضدهم دون رد. والآن ينتظرون كانون الثاني. في حينه كما يأملون، قد يتمكنون من الشروع في مفاوضات مع بايدن لاستئناف توريد أموالهم المجمدة في أرجاء العالم. من الصعب الافتراض بأنهم سيلقون بكل هذا الآن فقط من أجل الرغبة في الثأر فيخاطروا بقوة نار الولايات المتحدة.