هآرتس - بقلم: عودة بشارات "إن عبادة الحفاظ على نقاء الكارثة تأخذ أبعاداً كبيرة، كبيرة جداً إلى درجة أن أي محاولة لأخذ دروس من الكارثة قد تورطك مع المسؤولين، وعلى الأغلب المسؤولين الذين عينوا أنفسهم كمسؤولين عن طهارة الكارثة. هكذا، مثل المتعصبين المتدينين، فإن مناقشة الكارثة يعتبر كفراً. إن من يريد مصلحتك سيقول لك: ابتعد عن النقاش في الكارثة، لأنك مع كل نواياك الحسنة، ستحترق في النهاية من أحد المتعصبين، خصوصاً إذا لم تكن يهودياً. وشبيهاً بربة المنزل المهووسة بالنظافة والترتيب والتي تمنع أولادها وزوجها بالطبع، من دخول البيت كي تحافظ على النظافة.
الدرس من الكارثة تبدى في شعار مدو: “لن يتكرر هذا مرة أخرى”. ولكن هذا الشعار ليس مزهرية لامعة في متحف التاريخ. إن من صاغه أراد، هكذا يمكن التقدير، أن يخوض حرباً ضروساً، ليس ضد النازية فقط، بل ضد أي ظاهرة وبحرب شاملة، مهما كانت تلك الظاهرة صغيرة، تنطلق منها رائحة الظلم الأخلاقي. لأنه الأمر إذا ما تعلق فقط بحرب ضد النازية في ألمانيا في حينه، فليس لهذا الشعار أي مضمون فعلي. النازية وليدة عمليات اقتصادية واجتماعية وفكرية وقعت خلال سنوات كثيرة. لهذا، فإن في شعار “لن يتكرر هذا مرة أخرى” يكمن الافتراض بأن الشر ما زال يعيش بيننا. وهاكم، فأمام أنظارنا المندهشة، الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر الدستور فيها هو قدس الأقداس، ولكن يتم سحقها على أيدي رئيس يلغي بإشارة من يده تراثاً عمره عشرات السنين، وثمة قلق حقيقي من أن ينهار النظام كله.
بل أكثر من ذلك، إذ يمكن الافتراض بأن لو وجدت الولايات المتحدة ظروفاً معينة، مثل اندلاع أعمال إرهابية، لا سمح الله، لكانت هجمات ترامب على النظام القائم هناك احتمالية كبيرة لفوزه. صحيح أن انهيار النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة ليس بحجم صعود النازية في ألمانيا، لكن ألا توجد هناك أوجه شبه؟ إن عبر تاريخ النازية تساعد على فتح عيون كثيرين على خطر التدهور نحو نظام شمولي. الدرس الذي نتعلمه هنا هو أن لا يوجد أي شيء منيع أمام القومية المتطرفة والمدمرة. في كل يوم يجب نجدد النضال ضد من يدمرون الديمقراطية، حتى الديمقراطية المتعثرة.
كريستيان امنفور، المقدمة في “سي.ان.ان” أرادت وبسذاجة الإشارة إلى “ليلة البلور”، ليس باعتبارها معروضاً أثرياً، بل باعتبارها ضرورة موضوعية لمكافحة الظواهر المقلقة في الولايات المتحدة. لا، قرر حراس العتبة لنقاء عبادة الكارثة؛ أي إسكات الآخر.
الرؤية المشوهة في إسرائيل بشأن عِبر الكارثة تصل إلى أبعاد غير معقولة؛ في حالة “امنفور”، فإن أحد معلميها، وهو دان ديان، يعيش في مستوطنة بمنطقة محتلة، التي يعدّ وجودها غير قانوني حسب القانون الدولي. الحدث غير المعقول الثاني هو عضو الكنيست يئير غولان، الذي يعتبر في نظر الجمهور شخصاً متنوراً، يحذر من خطوات تشبه الخطوات التي حدثت في أوروبا في الثلاثينيات، ويرى في الوقت نفسه تخليد ضحايا مذبحة كفر قاسم “أمراً تافهاً جداً”.
حبة الكرز الموجودة فوق الكريما هي النية لتتويج إيفي إيتام، العنصري المدمر، كرئيس لمؤسسة “يد واسم”، قدس أقداس تخليد ذكرى ضحايا الكارثة. هذا التعيين حتى لو ظل في طور النية فقط، فهو إهانة شديدة لذكرى ضحايا الكارثة. علينا تغيير حراس عتبة دروس الكارثة، لأن حراس العتبة الحاليين حولوها إلى درع لممارسات غير أخلاقية – في المقام الأول استمرار حبس ملايين الأشخاص خلف الأسوار.
يبدو هنا أيضاً أن تشخيص الفيلسوف فريدريك هيغل تشخيصاً صحيحاً، “نتعلم من التاريخ بأننا لا نتعلم من التاريخ”، خسارة، لو كنا نتعلم لكان وضعنا أفضل بكثير.