سيواجه الحزبان الرئيسان في أمريكا لحظة الحساب بمرحلة ما بعد الانتخابات، فلو فاز جو بايدن في انتخابات الثلاثاء فإنه سيواصل معركته للفوز في انتخابات 2024 وتوسيع قاعدته، وإن خسر فسيحاول التخلص من الصورة التي رسمها ترامب له والبحث عن الخطوة المقبلة.
أما الحزب الديمقراطي فسيظل منقسما بين الجيل الشاب التقدمي والحرس القديم المعتدل. وفي تقرير أعدته ليزا ليرر بصحيفة “نيويورك تايمز” أشارت إلى أن تصريحات المرشح الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين الذي حذر من مخاطر تعرض سيطرة الحزب الجمهوري التي ظلت ولسنوات ضمن الجدار الجمهوري الأحمر للخطر. ولكنه تردد عندما سئل إن كان الرئيس ترامب يمثل “رصيدا” للحزب وخانه التعبير واكتفى بالقول: “بالتأكيد”، حيث أبعد نفسه عن الرئيس.
وترى ليرر أن نتيجة الانتخابات لا تعني الكثير للحزبين اللذين سيدخلان مرحلة من الصراع الداخلي لتحديد هويتهما في مرحلة ما بعد ترامب. فالديمقراطي سيظل يكافح من أجل منع اقترابه من اليسار فيما سيخوض الجمهوريون معركة لتحديد علاقتهم باليمين. وكلاهما سيدخل في البرية وحالة من البحث الأيديولوجي عن الذات حيث يحاول كل منهما تحديد أولويات هويته.
ولا تزال الأسئلة التي تواجه الطرفين كبيرة ولم يتم حلها رغم عام من الحملات الانتخابية. وبعدما بحث الديمقراطيون عن مرشح معتدل، فهل يمثل صعود الجناح الليبرالي مستقبل الحزب؟ وماذا عن الحزب الجمهوري الذي أعاد تعريف هدفه خطاب الرئيس الشعبوي وساسة مثل كورنين الذي كان في ظل ترامب طوال السنوات الأربع الماضية؟
ومن الناحية التقليدية تمنح الانتخابات الحزب صورة واضحة عن الطريقة التي ينظر فيها لمستقبله السياسي. فعندما فاز باراك أوباما في انتخابات 2008 قام بتنشيط الصورة التقدمية لحزبه المتنوع. وقبل ذلك بثمانية أعوام أعاد جورج دبليو بوش تشكيل رسالة الحزب بناء على “المحافظة الرحيمة”.
وبتحول انتخابات هذا العام إلى استفتاء حول شخصية ترامب فلم يعد هناك مجال للحديث داخل الحزبين حول كيفية حكم البلاد التي تعاني من أزمة. ويقول براد تود، المخطط الاستراتيجي الجمهوري ومؤلف كتاب عن الائتلاف الشعبوي الذي دفع بترامب للفوز في انتخابات عام 2016: “كلا الحزبين رضي بتحول هذه الانتخابات إلى استفتاء على الشخصية” و”لهذا السبب فقد كان بإمكاننا التعرف على ما جرى من تحولات أيديولوجية في البلاد”. وبدأت المنافسة فعلا داخل الحزبين، فلو فاز بايدن فسيقوم التقدميون في الحزب بكسر الهدنة التي أبقوا عليها أثناء الانتخابات والدفع بالشخصيات الليبرالية إلى المناصب الهامة. وهناك حديث عن ترشيح السيناتورة إليزابيث وارن، عن ولاية ماساشوستس، لتولي الخزانة. ولو خسر بايدن الانتخابات فسيقول التقدميون إنه فشل في تبني الأجندة الليبرالية لهم.
وبدأ الجمهوريون الطامحون مثل نيكي هيلي، سفيرة أمريكا السابقة في الأمم المتحدة، ووزير الخارجية، مايك بومبيو، والسيناتور عن أركنساس توم كوتن، بالظهور في التجمعات الانتخابية في إيوا والتي يواجه فيها المرشحون الجمهوريون منافسة حادة ولكن ظهورهم له طعم التحضير للحملات الانتخابية لعام 2024.
وقال جوش هاولي، السيناتور الجمهوري عن ميسوري والذي ذكر اسمه مرارا كمرشح محتمل في انتخابات 2024: “يتجه الحزب نحو يوم الحساب مهما حدث في تشرين الثاني/نوفمبر لأن هناك قطاعات واسعة من مؤسسة الحزب لا تزال لم تتقبل بعد فكرة فوز الرئيس عام 2016″ و”لا يزال هؤلاء مؤثرين في الحزب الجمهوري وسيقاتلون من أجل المستقبل”.
والدينامية هذه تبرز بشكل واضح في ولاية تكساس وبقية الولايات في الجدار المعروف بجدار الشمس، وهي مناطق واسعة بتزايد سكاني سريع سيحدد في النهاية صورة البلد. وبالنسبة لجمهوريين مثل كورنين فخطوط المواجهة رسمت. وقبل أربعة أعوام قام ترامب بعملية سيطرة على الحزب وفاز بدعم قاعدته في رسالة مزقت الأيديولوجية الرسمية المحافظة حول المسؤولية المالية والسياسة الخارجية والتجارة. وهناك مجموعة كبيرة من الحرس القديم في الحزب تحاول تصوير سيطرة ترامب على أنها انحراف أو انعطافة نحو القومية والشعبوية ونظريات المؤامرة بدون برنامج واضح.
وقال السيناتور الجمهوري السابق عن ولاية أريزونا جيف فليك إنه يتوقع خسارة ترامب وعبر عن أمله بأن يقوم الحزب بإعادة التركيز من “الغضب والسخط” إلى تطوير رسالة تشمل الجميع وتكسب بلدا متنوعا بشكل متزايد.
وقال فليك: “لا شيء يعيد لك التركيز مثل خسارة كبيرة في الانتخابات”. وهو واحد من أعضاء مجلس الشيوخ الذين تقاعدوا عام 2018 ودعم جوزيف بايدن كرئيس مضيفا أنه كلما كانت الهزيمة “أكبر كلما كانت أفضل”. وعلق أن “الترامبية هي طريق ديمغرافي مسدود”. وكان فليك يأمل من الحزب لو قام بتأكيد تقييمه لخسارته انتخابات 2012 والذي طلبته اللجنة القومية للحزب الجمهوري. وكان الهدف منها تحديد سبب خسارة الحزب في محاولته للفوز بالبيت الأبيض ذلك العام.
ودعا التقييم الحزب لتبني الملونين والنساء. وقال آري فليتشر المسؤول المشارك في التقييم إنه لا عودة إلى تلك الرسالة لأن ترامب حقق هدف التقرير ولكن بالطريق الخطأ. فبدلا من توسيع قاعدة الحزب بين النساء والملونين قام ترامب بتوسيع قاعدته بين البيض من أبناء الطبقة العاملة.
ووافقت سارة فاغين التي عملت مديرة سياسية لدى جورج دبليو بوش في البيت الأبيض قائلة: “تجذرت الترامبية في الداخل” و”تغيرت قاعدة الحزب وأولوياتهم مختلفة أكثر مما كانت عليه في وقت رومني وبوش”. وقال هاولي إن على الجمهوريين تبني الطاقة الشعبية للناخبين من خلال تفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى وعبر عن شكه من التجارة الحرة ومحاسبة الجامعات على الرسوم العالية للطلاب. وقال: “لو أراد الحزب أن يصبح قويا فعليه أن يصبح حزب الطبقة العاملة”.
وتقدم ولاية تكساس صورة عن هذا النقاش، ففي الوقت الذي يواصل فيه الديمقراطيون تحقيق مكاسب فيها، حاول الجمهوريون المعتدلون حرفها نحو الوسط فيما عمل المحافظون جهدهم لحرفها باتجاه اليمين المتطرف. وقام المشرعون المتشددون في الحزب الجمهوري بتقديم حاكم الولاية غريغ أبوت إلى القضاء واحتجوا على التزام الولاية بالقناع لمكافحة فيروس كورونا. وفي خلال الصيف انتخب الحزب رئيسا له وهو ألين ويست، النائب السابق في الكونغرس والشخصية المحافظة المتشددة.
وقال المحامي المحافظ في هيوستون جارد وودفيل الذي رفع القضية على أبوت إن الأخير ظل يصدر القرارات التي لم تكن محافظة. ولدى الديمقراطيون خلافاتهم حول ما إن كان مناسبا استخدام الأزمة القومية والدفع باتجاه تشكيل الحزب ومواقفه من الرعاية الصحية والمناخ وغير ذلك.
ومثل الجمهوريين قاموا بتشكيل لجنة مهام خاصة لتوحيد الحزب بعد العدد الكبير من الذين رشحوا أنفسهم في انتخابات هذا العام. وجاءت اللجنة بعدة توصيات ولكنها أوسع من التي وردت في حملة بايدن.
ولكنها لم تتبن مواقف التقدميين مثل “ضمان صحي للجميع” و”الصفقة الخضراء” ومنع استخراج النفط من الصخر الزيتي. وتقول النائبة باميلا جايابال عن ولاية واشنطن والحليفة للسيناتور بيرني ساندرز إن هذه المطالب “هي الأرضية وليست السقف” الذي سيطالب التقدميون الحزب بايدن بها لو فاز.
وقالت إن انتصارا سيمنح بايدن تفويضا للقيام بإصلاحات واسعة. ويرى الجيل الشاب في تكساس أنه لو تبنى سياسات تقدمية لأمكن تغيير لون الولاية للأزرق. وقبل عامين خسرت جولي أوليفر السابق على مجلس النواب عن المنطقة 25 في أوستن، تكساس بـ 9% وهو نسبة أقل من نسبة فوز روجر ويليامز عن الحزب الجمهوري في 2016 والذي فاز بنسبة 20%.
وقالت أوليفر: “ما كنا نتحدث عنه قبل عامين وبدا متشددا ولم يعد كذلك” والصحة العامة للجميع “ليست راديكالية والدخل العام الأساسي ليس كذلك، وهذه أفكار تحظى بشعبية”. وهناك من يخشى أن الجيل الشاب نسي الدروس الماضية، ففي عام 2008 سيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ والنواب ولكنهم عندما مرروا قانون الرعاية الصحية والتغيرات المناخية خسروا مقاعد في الانتخابات النصفية وغالبيتهم في مجلس النواب.
وقال النائب هنري كويلر، الديمقراطي المعتدل عن جنوب تكساس: “علينا تذكر أن الانتخابات النصفية قادمة” و”لو حصل الليبراليون عن تفويض، فسيكون بيرني ساندرز وإليزابيث وارن قد ربحا ترشيحات الحزب. مع أن التفويض هو أن يكون هناك مرشح من الوسط”. وفي بلد يعاني من استقطاب فالمركز يتحول.