أعلن حزب العمال البريطاني المعارض، اليوم الخميس، تعليق عضوية زعيمه السابق، جيرمي كوربين، بعد أنّ وجدت هيئة رقابية حكومية "إخفاقات خطيرة" فيما يتعلق بالتحقيقات بشأن معاداة السامية خلال إدارته لحزب العمال.
ويأتي القرار الصادم بعد ان أعلن كوربين، رفضه قبول كافة استنتاجات تقرير لجنة المساواة وحقوق الإنسان العامة، في موقف معارض لرئيس الحزب الجديد، كير ستارمر.
وقال ناطق باسم الحزب إنّه "في ضوء تصريحاته التي أدلى بها اليوم وفشله في التراجع عنها بعد ذلك، علّق حزب العمل، عضوية جيريمي كوربين، على ذمة التحقيق".
وتابع أنّ كوربين، الذي لا يزال يشغل مقعدا في البرلمان بعد تنحيه عن منصبه كزعيم للحزب، لن يعد أيضا في صفوف نواب حزب العمال.
بدوره، تعهد كوربن بـ "الطعن بقوة" على قرار تعليق عضويته، ما قد يؤدي إلى إعادة فتح الحرب الداخلية في الحزب بين اليسار واليمين.
وقالت اللجنة البريطانية في تقريرها، أنها "عثرت على حالات دامغة قام فيها فريق زعيمه كوربين، بالتهوين من شأن شكاوى الأعضاء اليهود أو التقليل من شأنها أو تجاهلها، وفي بعض الأحيان تدخل في شكل فعّال لدعم حلفائه المفضلين".
وقالت نائبة سابقة عن حزب العمال، لوسيانا بيرجر، التي كانت واحدة من العديد من الأعضاء اليهود الذين تركوا الحزب في عهد كوربن، إن التقرير بمثابة تبرئة لها، حيث وصفت تعرضها للتهديد من قبل أنصاره بالهجوم بمادة حامضة والطعن والاغتصاب.
واعتبرت في مدونة أن "الحزب سهّل ثقافة الاستقواء والتعصب والتخويف ضد المجتمع اليهودي من بين صفوفه. وفي كل خطوة على الطريق سمح جيريمي كوربين بحدوث ذلك".
وفي أحد أول إجراءاته بعد تولي منصب كوربين في نيسان/أبريل الماضي، قدّم زعيم حزب العمال، كير ستارمر، اعتذاره للمجتمع اليهودي وقال إنّه يقبل كامل نتائج التحقيق الذي استمر سنتين.
وقال ستارمر في مؤتمر صحافي "وجدت هذا التقرير صعب القراءة وهو يوم عار لحزب العمال"، وجدّد الاعتذار أيضا للأعضاء اليهود الذين شعروا بأنهم مجبرون على ترك الحزب بأعداد كبيرة في عهد كوربين.
وتابع "يمكنني أن أعدكم بهذا: سأتصرف. لن يخذلكم حزب العمال مرة أخرى. ولن نفشل مرة أخرى في معالجة معاداة السامية".
وقال إنّ "حزب العمال يقبل هذا التقرير كاملا ودون مواربة"، وتعهد بالتنفيذ الفوري و "الكامل" لتوصيات التقرير.
من جانبه، رد كوربين على التقرير، بالقول إن معاداة السامية "بغيضة تمامًا" وأصر على أن فريقه أطلق تغييرات داخلية لمعالجة المشكلة اعتبارًا من عام 2018. لكنه قال إنّه "لم يقبل كل ما توصل إليه من نتائج".
وأضاف أن "حجم المشكلة تم المبالغة به بشكل كبير لأسباب سياسية من قبل خصومنا داخل وخارج الحزب، وكذلك من قبل الكثير من وسائل الإعلام".
ورفض ستارمر توضيح إذا كان سيفصل كوربين وحلفاءه من عضوية الحزب، لكنه قال إن حزب العمال عانى من "فشل جماعي في القيادة". واعتبر أنّ "من ينفون المشكلة هم جزء من المشكلة".
واتهمت الحركة العمالية اليهودية التابعة للحزب، كوربين، بترؤس "فصل قذر ومخزي في تاريخ حزب العمل".
يذكر أن كوربين تقدم من المقاعد الخلفية في حزب العمال ليصبح زعيم الحزب في عام 2015، بعد عقود من نشاطه، بما في ذلك من أجل القضايا الفلسطينية.
وجذبت آرائه الاشتراكية القوية الآلاف من الأعضاء الجدد، ولكنها تسبّبت في صراع أيديولوجي عميق مع عناصر داخل الحزب، وواجه فريقه مزاعم بالفشل في التعامل مع حوادث متكررة للسلوكيات المعادية للسامية، بما في ذلك فيض من الإهانات ونظريات المؤامرة المعادية لليهود نشرها يساريون على الإنترنت.
وقالت الرئيسة المؤقتة للجنة المساواة وحقوق الإنسان، كارولين ووترز، أثناء تقديم التقرير المؤلف من 129 صفحة: "لقد سلّط تحقيقنا الضوء على عدة نواح لم يكن فيها نهج (حزب العمال) وقيادته لمعالجة معاداة السامية كافيين".
وقالت: "هذا أمر لا يمكن تبريره ويبدو أنه نتيجة الافتقار إلى الاستعداد للتصدي لمعاداة السامية وليس لعدم القدرة على القيام بذلك".
وقالت اللجنة إنه في ظل حكم كوربن، اقترف حزب العمال ثلاثة انتهاكات لقانون المساواة البريطاني الصادر في العام 2010، من جراء التدخل السياسي في الشكاوى، وعدم توفير التدريب المناسب للمتعاملين مع قضايا معاداة السامية ومضايقة المشتكين.
لكنّ الانتهاكات لم تصل إلى حد بدء الإجراءات القانونية، وعوضا عن ذلك، أمرت حزب العمال بصياغة خطة عمل بحلول 10 كانون الأول/ ديسمبر لمعالجة إخفاقاته في المسألة.
ودعا كوربين لانتخابات لاختيار قيادة جديدة للحزب بعد أن عانى حزب العمال من هزيمة ساحقة في الانتخابات العامة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والتي ثبتت حزب المحافظين في السلطة بقيادة رئيس الوزراء، بوريس جونسون. وكان الناخبون اليهود من بين الذين انقلبوا على الحزب، في ظل الدعاية المكثفة التي وسمت كوربين بمعاداة السامية.
وفي بيان مشترك، قال مجلس نواب اليهود البريطانيين ومنظمتين يهوديتين أخريين، إن التقرير شكّل "حكمًا دامغًا على ما فعله حزب العمال باليهود في عهد جيريمي كوربين وحلفائه".
واعتبروا أنه "باتت الآن مهمة تنظيف الأزمة على عاتق القيادة الحالية"، وتابعوا "نرحب بالبداية التي حققها كير ستارمر ولكن لا ينبغي التقليل من حجم التحدي الذي ينتظرنا".