هآرتس - بقلم: عميرة هاس "حققت إسرائيل نجاحاً أمام الفلسطينيين في المنطقة “ج” في الضفة الغربية، هذه هي الرسالة التي أراد رئيس الإدارة المدنية، العميد غسان عليان، نقلها في نقاشات لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في تموز وآب. في النقاشات التي تناولت ما سمي بـ “سيطرة فلسطينية على مناطق ج” تفاخر عليان بأن إسرائيل قلصت وبشكل كبير عدد المشاريع الفلسطينية الممولة دولياً في المنطقة. هذه مشاريع إنسانية بطبيعتها، وهدفها تمكين المجتمع الفلسطيني من العيش تحت قيود إسرائيل الشديدة".
من البيانات التي قدمها عليان للجنة، يتبين أن عدد المشاريع الفلسطينية الممولة دولياً، وتحديداً من أوروبا، هبط في 2019 إلى 12 مقابل 75 في 2015. ونسب عليان هذا الانخفاض إلى خطوات الرقابة وإنفاذ القوانين التي اتبعتها الإدارة المدنية في المنطقة. وحسب قوله، فإن وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت “جمع السفراء والملحقين لتلك الدول (حذرناهم أيضاً من قبل قسم المنظمات غير الحكومية في الإدارة المدنية) وقلنا إننا لن نحتمل أي مشروع دولي بدون مصادقة إسرائيل”.
لكن أعضاء اللجنة تحفظوا من وصف هذا الوضع كنجاح. في نظرهم، لا تقوم إسرائيل بما فيه الكفاية لمنع حضور فلسطيني في مناطق “ج”. هكذا ادعى عضو الكنيست متان كهانا (يمينا): “مع كل ما هو موجود في الإدارة من رجال رائعين ولديهم دافعية، فإنهم قليلون جداً. وهذه المهمة كبيرة عليهم بعدة درجات”.
كهانا، مثل أعضاء كنيست آخرين في لجنة الخارجية والأمن، يطالبون باتخاذ خطوات أكثر تصميماً لمنع ما يسمونه “سيطرة معادية في مناطق ج”. لقد نصت اتفاقات أوسلو على أن هذه المنطقة ستقلص بالتدريج وستكون تحت مسؤولية إسرائيلية أمنية ومدنية حتى العام 1999 – عندها، تتحول معظم مناطق الضفة إلى منطقة “أ”، مع صلاحية شرطية ومدنية فلسطينية. الآن، بعد 21 سنة، ما يزال 61 في المئة من أراضي الضفة تحت مسؤولية إسرائيلية كاملة.
من أجل زيادة نجاعة عمل الإدارة المدنية، اقترح عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش (يمينا) على اللجنة أن تتولى المستوطنات مسؤولية الإشراف على البناء الفلسطيني في المناطق المفتوحة – وهدمها أيضاً. وأيد عضو الكنيست كلينر (الليكود) هذا الاقتراح، واقترحت الوزيرة السابقة اييلت شكيد (يمينا) الضغط على الحكومة لتعيين مدير يكون “كل هدفه منع السيطرة في المنطقة ج”. واقترح عضو الكنيست كهانا تشكيل سلطة إسرائيلية خاصة تفعل ذلك.
فيروس أُسي
قبل حوالي سنتين، كانت هناك نقاشات من النوع الذي يجري في اللجنة الفرعية في لجنة الخارجية والأمن لشؤون يهودا والسامرة، برئاسة عضو الكنيست السابق موتي يوغف (البيت اليهودي). كانت هذه اللجنة إحدى الأدوات الأكثر أهمية لأعضاء الكنيست من اليمين، منهم مستوطنون كثيرون، في تشكيل الوعي الإسرائيلي الذي يعتبر المنطقة “ج” منطقة إسرائيلية تماماً. وقد كان لهذه اللجنة أيضاً دور مهم في رسم السياسة الإسرائيلية في المنطقة: تسريع وتوسيع البناء في المستوطنات، من جهة، ومنع بناء فلسطيني من جهة أخرى.
أعضاء اللجنة الفرعية وزائروها الدائمون، ومن بينهم ممثلو المستوطنات وأعضاء جمعية “رغفيم” لحماية الأراضي القومية– أكثروا من توجيه الانتقادات لما اعتبر “عجز” وحدة منسق أعمال الحكومة في المناطق والإدارة المدنية الخاضعة لها. هكذا، حثوهم على العمل بصورة أكثر عدوانية ضد الفلسطينيين.
أما موضوع تدخل أوروبا في تمويل مشاريع إنسانية، مثل نشاء مدارس وتمويل عيادات وإنشاء مراحيض في المناطق “ج”، فقد طرح في اللجنة الفرعية أكثر من مرة واعتبر مشكلة وظاهرة يجب استئصالها. وقال عضو الكنيست تسفي هاوزر (ديرخ هآرتس) الذي يرأس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الحالية، في النقاشات التي عقدت في 29 تموز وفي 13 آب، إنه ينوي مواصلة التقليد الذي اتبعته اللجنة الفرعية، والدفع قدماً بمصالح إسرائيل في منطقة “ج”. وحسب قوله، كان موقف حكومات إسرائيل وما زال أن “لإسرائيل (على هذه المنطقة) مطالب محقة، تاريخية وقانونية ومدنية”.
في جلسة تموز قيل إن وزير الخارجية، غابي أشكنازي (أزرق أبيض) يرى في كل نشاط أوروبي موجود أو مخطط له في المنطقة “ج” الذي لا يحترم الإجراءات الإسرائيلية لمنح رخص بناء، تدخلاً أوروبياً في محاولة لترسيم الحدود. هذا ما كتبه أشكنازي في الرد على استجواب قدمه عضو الكنيست موشيه أربيل (شاس)، الذي هو أحد المبادرين لإجراء هذا النقاش. وكتب أشكنازي أيضاً بأن وزارته أوضحت لممثلي الدول الأوروبية بأنه “في حالة عدم إعطاء تصريح وتم القيام بنشاط في المنطقة، يجب توقع التداعيات النابعة من هذه الخروقات”. وأن إسرائيل ترفض تماماً “كل مطالبة بدفع تعويضات عن الدمار أو عن مصادرة المعدات”.
في هاتين الجلستين، استخدم المتحدثون كلمات “حرب”، و”صراع”، و”معركة”، الواحدة مكان الأخرى. وقال عضو الكنيست جدعون ساعر (الليكود) إن الأمر يتعلق بـ “المعركة الأساسية والمعركة على أرض إسرائيل التي تدور في المنطقة ج… وطلبنا النابع من الاتفاقات هو المطالبة بكل المنطقة ج”.
لقد وصف عضو الكنيست عميت هليفي (الليكود) البناء الفلسطيني في المنطقة بـ “فيروس أُسي”. واعتبره زميله في الحزب، عضو الكنيست آفي ديختر، “إرهاباً جغرافياً”. وعرض أحد الضيوف المشاركين، وهو بنتسيون ليبرمان من سكان مستوطنة “بدوئيل” –الذي شغل في السابق رئيس مجلس “يشع” ومديراً لسلطة أراضي إسرائيل– خارطة لمناطق البناء الفلسطيني، واعتبر جزءاً منه كـ “سرطاناً”.
وحسب الأوصاف التي سمعت في الجلسات، يعدّ البناء الفلسطيني خانقاً للاستيطان اليهودي. وعارض أعضاء الكنيست: نيتسان هوروفيتس ويئير غولان وتمار زندبرغ (ميرتس)، والضيفة المحامية روني بيلي (رابطة حقوق المواطن)، هذا الوصف، وقالوا إن إسرائيل لا تسمح بالبناء والتطوير للفلسطينيين في منطقة “ج”، بما في ذلك الربط بالبنى التحتية للمياه والكهرباء. لذلك، يضطر الفلسطينيون إلى البناء بدون تراخيص. ويدور الحديث بشكل عام عن بناء بسيط جداً، لكن الأربعة كانوا في وضع الأقلية، ورفض المتحدثون الآخرون الحقائق التي أشاروا إليها.
عدّد عليان إنجازات أخرى للإدارة المدنية، التي أنشئت في 1981 بهدف خدمة السكان الفلسطينيين: في 2019 اقتلعت الإدارة 7500 شجرة غرسها الفلسطينيون في مناطق اعتبرتها إسرائيل طوال سنين كأراضي دولة – وهي مخصصة لليهود فقط. إضافة إلى ذلك، قال عليان إن عدد الأشجار التي غرسها الفلسطينيون في العشرين سنة الأخيرة واقتلعتها الإدارة المدنية بلغ 42 ألف شجرة. وبصفتي مزارعاً، قال، أنا أعرف أن هذا كثير.
لقد شهد ماركو بن شباط، مدير قسم وحدة الرقابة، أن الإدارة المدنية وضعت اليد في 2019 وصادرت 700 معدة من المعدات الثقيلة مثل التراكتورات والجرافات وغيرها. وقال بن شباط إن المصادرة تشكل “ردعاً مهماً جداً”، وقال: “إذا كانت الإدارة المدنية قد نجحت عام 2015 في إزالة ستة مبان (عريشة، كرفان، خيمة) أقيمت في التجمعات الفلسطينية، فإننا في الأشهر السبعة الأولى من العام 2020 “عالجنا 242 منها”. وأضاف: “اليوم منذ لحظة العثور على الكرفان وحتى تفكيكه وإزالته، لا يمر أكثر من أسبوعين”.
وقد شرح عليان وبن شباط بأن تسريع إجراءات عمل الإدارة ضد البناء الفلسطيني قد تحقق بفضل تعديلات في التشريع، منها: أمر إزالة المباني المنقولة، وأمر بشأن مبان غير مرخصة. وبصورة ساخرة، وضعت هذه التعديلات في الأصل لمنع بناء بؤر استيطانية على أراض فلسطينية خاصة. وقد تم تطبيقها على تجمعات فلسطينية، التي تبني بصورة عامة على أراض فلسطينية خاصة. وتم تبني هذه الوسائل القانونية في أعقاب انتقاد متواصل للإدارة المدنية، الذي قيل في اللجنة الفرعية لشؤون يهودا والسامرة برئاسة الرئيس السابق يوغف. قال عليان، في الجلسات الأخيرة، بأن إضافة ميزانية الإدارة ستحسن أداءها بصورة أكبر.
وشارك يوغف، وهو أحد سكان مستوطنة دولب، في الجلسة كضيف في آب. وقد أراد تبريد حماسة بن شباط، وقال: “لكن، يا ماركو، إذا تمت إعادة الجرافة خلال يوم، أو مضخة مياه أو كل شيء آخر تتم مصادرته ليوم واحد، فليس في هذا أي عقاب أو ردع. ولكن إذا أعيد بعد سنة فإن الخسارة المادية ستقضي على هذه الظاهرة”.
وأجاب بن شباط على ذلك بأن عليه العمل وفقاً للقانون. ولكن عند فحص الوقائع، نضع شروطاً على المخالفين للقانون. فمثلاً، تم ضبط شاحنة قبل شهرين ونصف أمام مستوطنتي “بسغوت” و”كوخاف يعقوب”، وقد وضعنا شروطاً لإعادتها، كأن تقوم شاحنتان بإزالة القمامة التي رميت هناك…، التي يقدر دخل كل واحدة منهما بخمسة آلاف شيكل في اليوم. وهناك تراكتورات موجودة منذ شهرين ومثلها أيضاً منذ أسبوع ونصف. كل ذلك طبقاً لتعليمات القانون. وأعتقد أننا نمط هذه الأماكن بقدر المستطاع، لكن في نطاق القانون”.
ليبنوا في مناطق “أ” و “ب”
حضر آريه دويتش، وهو من “رغفيم” وأحد سكان مستوطنة “أفرات”، الجلسات الأخيرة للجنة. وقارن يوغف نشاط الجمعية بنشاط “ضابط استخبارات” للجنة الفرعية التي ترأسها، وقال دويتش للمشاركين بأن “70 في المئة من مناطق “أ” و “ب” التي سمحت فيها اتفاقات أوسلو للسلطة الفلسطينية بالتخطيط والبناء هي مناطق شاغرة، الأمر الذي يعني أن الحديث هنا لا يدور عن حاجة السلطة إلى البناء في منطقة “ج” لأنه ليس لديهم أراض يبنون عليها، بل لديهم 70 في المئة من مناطق “أ” و “ب” غير المأهولة بالسكان حتى الآن ويمكن البناء عليها”.
عضو الكنيست نير بركات (الليكود) قال إنه يجب وضع هدف لتوطين 2 مليون يهودي في الضفة، إلى جانب “إحباط محاولة الفلسطينيين تغيير الواقع، وأن للفلسطينيين ما يكفي من الأراضي في مناطق أ و ب”.
تبين أن الكابنت في هذه الجلسات قرر في تموز 2019 تعيين نوع من المدير الذي يتولى موضوع المنطقة “ج”. لم يعين هذا المدير، لكن الإدارة المدنية رسمت خرائط للبناء غير القانوني وإعادة تقييم عدد السكان الفلسطينيين في المنطقة، وإن كان هذا بشكل غير دقيق، مثلما لو أن الأمر تم عن طريق إحصاء السكان. ولم تعرض هذه البيانات في الجلسات.
في موازاة ذلك، قامت الإدارة ببلورة سلسلة أولويات مناطقية لهدم مبان للفلسطينيين، وأصبحت منطقة غلاف القدس وجنوب جبل الخليل ومناطق الرماية، وغور الأردن على وجه الخصوص، تحتل الأولوية. وتخطط الإدارة بعد ذلك للعمل بصورة مشابهة قرب جدار الفصل وفي المناطق التي تقع على طول الشوارع الرئيسية وما يسمى أراضي دولة.
وقال بن شباط إنه حدث تحسين كبير في التنسيق بين الأشخاص المختلفين الذين يبلغون عن بناء فلسطيني بصورة فورية، سواء كانوا مستوطنين أو جنوداً أو جنود احتياط، الذين يوقفون البناء فوراً استناداً إلى أمر المباني المنقولة.
وتحدث بن شباط عن وسائل الاستخبارات التي تخدم هذا الهدف. وإضافة إلى معلومات استخبارية من قيادة المنطقة الوسطى، يرتبط مستشار الشؤون الفلسطينية في الإدارة المدنية بجميع السلطات الاجتماعية الفلسطينية، وكذلك مع الفيسبوك الفلسطيني “الذي يظهر كما يبدو أن ليس فيه شيء، لكن فيه الكثير من المعلومات، معلومات تحذيرية وأخرى تساعد في نشاطاتنا لإنفاذ القانون”. وقالت الإدارة المدنية إنها تستخدم أيضاً الـ جي.آي.اس (المعلومات الجغرافية) الفلسطيني ويتابعونه “من أجل رؤية التوجهات”.