هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "خشيت إسرائيل من أن يغطي التصعيد في قطاع غزة على الزيارة السياسية العلنية الأولى في الإمارات، وفي النهاية حدث العكس تماماً. في الوقت الذي وصلت فيه البعثة الإسرائيلية إلى أبو ظبي أغلق الجيران القطريون قضية أخرى مؤقتة بين إسرائيل وحماس. وكالعادة، هذه صفقة متواضعة نسبياً، قد تصمد لفترة محدودة. وإلى أن يأتي سبب آخر للاشتعال، ستواصل قطر إحضار الأموال في كل شهر وستتعهد إسرائيل برفع قيود عن مشاريع للبنى التحتية وستتوقف حماس عن إطلاق البالونات المتفجرة والصواريخ.
زعيم حماس يحيى السنوار هو الذي قام هذه المرة بتسخين الساحة بشكل متعمد في القطاع. في تشرين الثاني الماضي توصل الطرفان إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار المستمر مقابل ضخ مساعدات وتسهيلات اقتصادية ومشاريع جديدة في القطاع. تعرضت هذه الوصفة لضربة أولى عند تفشي كورونا في المنطقة في آذار. ولأن حماس كانت خائفة من الوباء، فقد أوقفت إرسال العمال الـ 7 آلاف من غزة الذين سمحت لهم إسرائيل بالدخول للعمل في أراضيها. انهارت هذه التسوية نهائياً قبل شهر عندما اعتقد السنوار بأنه شخّص ضعفاً إسرائيلياً نبع من الدمج بين تفشي كورونا والأزمة السياسية، وبدأ بالضغط.
خلافاً للسابق، لم تحاول حماس إخفاء خطواتها، هذه كانت خلاياها العسكرية التي أطلقت مئات البالونات المتفجرة في الوقت الذي أطلقت فيه فصائل أخرى معظم القذائف. ردت إسرائيل بعدة عمليات عقابية وهجمات جوية ضد عدد كبير نسبياً من الأهداف، وتضييق منطقة الصيد، وتقييد كمية الوقود التي تم إدخالها إلى القطاع بصورة أضرت بشكل كبير بالتزويد بالكهرباء.
الآن، كما هي العادة، تتطور معركة حول الرواية. يقول جهاز الأمن إن الردود القوية للجيش الإسرائيلي هي التي أقنعت حماس بالتوقف؛ وتنسب حماس الاتفاق لقوة المقاومة الفلسطينية. ولكن التفسير الحقيقي يختفي كما يبدو في مكان مختلف تماماً. في الأسابيع الأخيرة سجل ارتفاع حاد في عدد الإصابات بكورونا في القطاع. من فضاء “أخضر” بشكل كامل، انتقلت غزة إلى المواجهة مع أكثر من 300 مصاب، رغم خطوات الحجر القاسية المتبعة تجاه من يعودون إليها من الخارج.
على خلفية الاكتظاظ والظروف الصحية الصعبة، تقع قيادة حماس في حالة ضغط كبير من إمكانية تفش سريع للوباء. ووضعت أكوام من التراب حول مخيمات اللاجئين في وسط القطاع التي ينتشر فيها الوباء؛ لمنع السكان من الخروج. ويبدو أن حماس فقدت الرغبة في الحروب في هذه الظروف.
حسب الاتفاق الذي طبخه مبعوث قطر، محمد العمادي، ستحصل حماس في هذا الأسبوع على 30 مليون دولار أحضرها المبعوث معه، وستوزع بين موظفي حماس والعائلات المحتاجة. وستُرسل مبالغ أكبر بقليل إلى القطاع بدءاً من الشهر القادم. وسترفع إسرائيل من ناحيتها القيود التي أعاقت أعمال البنى التحتية. وهناك أيضاً تفاهم حول إدخال مساعدات طبية أخرى، إلى جانب فحوصات كورونا التي حصلت عليها حماس مؤخراً، وقد يتعلق الأمر أيضاً بأجهزة التنفس الاصطناعي.
كان السنوار مضغوطاً بسبب الوباء لمرة واحدة في نيسان. ولكن السلطات هناك في حينه نجحت في السيطرة عليه. يبدو أن الوضع هذه المرة معقد أكثر. ربما فتحت هنا ثغرة جديدة للنقاش في موضوع المواطنين الإسرائيليين وجثامين الجنديين الإسرائيليين المحتجزة في القطاع. في المرة السابقة ألمح السنوار بأنه منفتح إزاء المفاوضات مقابل المساعدات الطبية. أصبحت الحاجة الآن أكثر إلحاحا كما يبدو.
علينا ذكر مسألة التفاهمات الهشة، وذكر استنتاجات الأحداث الأخيرة التي أعادت السنوار إلى استخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل لابتزاز تسهيلات وتفاهمات. الأمر الآخر الذي يجب أخذه في الحسبان هو مزاج العمادي. وقطر غير متحمسة من الخطوة التي اتخذتها الإمارات، واستثمرت الأموال في المناطق بصعوبة، والآن تجاوزتهم بعملية التفافية بالاتفاق مع إسرائيل. ربما سيملون في وقت ما من استخدامهم كمحفظة لحماس إذا لم يُترجم هذا الأمر إلى مكانة إقليمية حقيقية.
جلد ذاتي
لا تظهر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أي استعداد للعودة إلى التنسيق الأمني والمدني مع إسرائيل رغم مرور نحو ثلاثة أسابيع من إعلان رئيس الحكومة نتنياهو عن تجميد خططه لضم المستوطنات كجزء من المفاوضات مع الإمارات. ويبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية الذي تفاجأ من الخطوة السرية التي قامت إسرائيل والإمارات، معني بتعهد واضح من نتنياهو بعدم طرح الضم مستقبلاً، من أجل العودة إلى التنسيق.
يقوم محمود عباس بمعاقبة نفسه بدرجة ما، لأن السلطة، وبالأساس السكان الفلسطينيين، هم المتضررون الرئيسيون من قطع العلاقات، الذي يؤثر أيضاً على الوضع الاقتصادي في رام الله. وقال ممثلون رسميون في الإمارات، أمس، لمراسلين إسرائيليين بصورة صريحة، إنهم ينتظرون هناك تعهدات إسرائيلية بإلغاء الضم. تم الحديث خلال الاتصالات المبكرة بين الطرفين عن تعهد لخمس سنوات. وحسب علمنا، لم يستجب نتنياهو لذلك.
في الوقت نفسه، بقيت مسألة تزويد طائرات “إف35” لدولة الإمارات. فعلى الرغم من إنكار نتنياهو التام، يتبين بأن الخليج يتوقع حدوث صفقة مع الولايات المتحدة ويأمل بأن تكون المعارضة الإسرائيلية لفظية فقط وبصورة تمكن الإدارة الأمريكية من تليين تعهد ترامب بالحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري. صادق وزير الدفاع بني غانتس في هذا الأسبوع في مقابلة مع “جيروزاليم بوست” على أن هناك اتصالات حول صفقة الطائرات، وأضاف بأنه يمكن لإسرائيل الحصول على أنظمة قتالية وأسلحة كتعويض عما سيحصل عليه الإماراتيون.
كتب موقع “فورين بوليسي” بأنه على الرغم من أن تقدم صفقة طائرات كهذه يحتاج إلى فترة زمنية تبلغ سنة تقريباً، إلا أن الإدارة الأمريكية معنية بإنهائها قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني، أو على الأقل في حتى كانون الثاني من العام المقبل. إن وتيرة المصادقة على الصفقة في الكونغرس التي من المتوقع أن تضع علامات تساؤل بخصوص تأثيرها على أمن إسرائيل، مرتبطة أيضاً بقوة المعارضة التي سيظهرها نتنياهو، فالقانون الأمريكي لا يمنح إسرائيل حق الفيتو على صفقات تعرض التفوق النوعي للخطر، بل فقط يلزم الرئيس بالتشاور معها.