قال يسرائيل زيف مدير عام شركة “جلوبال جروب” للاستشارات الأمنية والتدريبات العسكرية في دول مختلفة، إنه من اللحظة التي اقتحم فيها حياتنا، لم يكن كورونا حدثاً طبياً. وحتى لو لم يكن قد نشره جسم معادٍ، فإن كورونا -وفقاً لكل تعريف- هو تهديد وطني منظوماتي يصنف حسب مزاياه كإرهاب أو كتهديد قومي غير تقليدي، يؤثر على عموم منظومات الحياة المتعلقة بالمواطن والمجتمع، وبصفته هذه يجب أن يتم التعامل معه بصيغة الطوارئ الوطنية.
وأوضح زيف رئيس قسم العمليات بالجيش الاسرائيلي في 2003 – 2005 في مقال نشرته صحيفة يديعوت الاسرائيلية، إن المنظومات في دولة إسرائيل مطالبة بالعمل بشكل منسق، على نحو جرى التدرب عليه في الماضي لمواجهة سيناريوهات الطوارئ بما في ذلك الفحوصات، وعزل الأحياء، اوإلاق مطار بن غوريون، وتشغيل المستشفيات، وانتشار قيادة الجبهة الداخلية في المدن، ومساعدة المحتاجين، وغيرها. كل شيء يجب أن يكون تحت إدارة واحدة.
وأضاف: منذ بداية آذار كان ينبغي أن يكون واضحاً للقادة بأن هذا حدث شامل متعدد المنظومات. إن هذه الأزمة المتواصلة، وإن كانت بدايتها صحية ستتطور فيما بعد إلى أزمة اقتصادية–اجتماعية، تؤثر بشكل دراماتيكي على جوانب الرفاه والعمل أيضاً. أزمة تستوجب قبل كل شيء ثقة الجمهور وغلافاُ إعلامياً واسعاً وشفافاً.
وقال: لأسفنا لم يكن هذا هو الشكل الذي أدارت فيه الحكومة الأزمة من بدايتها. فقد التصقت الحكومة بالمحور الصحي – الطبي فقط، ثم جرت سياقات اتخاذ القرارات في بعد ضيق، دون نظرة متعددة الأبعاد على المعركة كلها. وكانت النتيجة تحويل المشكلة إلى تكتيكات. وإن سلسلة القرارات حتى لو كانت ناجعة في الكبح الأول للتفشي، إلا أنها عانت من نقص التوازن لاحقاً وتدهورت إلى هوّات في كل الأبعاد الأخرى.
وتابع: اليوم أيضاً، بعد خمسة أشهر من نشوب الأزمة، يخيل أن أصحاب القرار لم يستوعبوا بعد طابعها الاستراتيجي متعدد المنظومات. لا تزال إدارتها تتميز بمداولات على المستوى التكتيكي بقرارات متغيرة صبح مساء، وسياقات تجربة وخطأ، وإصلاح الأخطاء في إطار الحركة. لا تجري هناك دراسة مرتبة، ويكاد لا يكون تخويل صلاحيات للمستوى البلدي، ويكاد لا يجري تحليل منظوماتي يستشرف المستقبل. لا ينبغي للحكومة نفسها أن تنشغل بإدارة الأزمة بل بإدارة سياقات الخروج منها وخلق الظروف التي تسمح بإعادة البناء والنمو. والنتيجة هي أننا لا ندير الوضع، بل ننجر وراءه، ونغرق بالضرورة في حفر أخرى ستجعل خروجنا من الأزمة أصعب.
غير أن الحفرة التالية قد لا تكون اقتصادية فحسب، بل وأمنية أيضاً. أعداؤنا، ليسوا حساسين مثلنا لكورونا من الداخل. عيونهم تتطلع إلينا، والصورة التي يرونها في عيونهم هي إسرائيل التي تفقد الارتفاع وتضعف.
لقد بات وضع دولة إسرائيل اليوم يبعث على ردود فعل دولية انتقادية بل واستخفافية. كدولة تعد رائدة في إدارة الأزمات، مع تكنولوجيا متطورة، وإنجازات طبية، وانضباطها الجماهيري وقدرتها على الانتقال الفوري من وضع الحياة الطبيعية إلى الطورائ… نرى الآن العكس تماماً. الصورة التي ترتسم في الخارج هي صورة إدارة وطنية مشوشة وعديمة الاتجاه، صورة سقوط اقتصادي وصورة جمهور يفقد من يوم إلى يوم الثقة بقرارات حكومته ويخرج للتظاهر في الشوارع. تبدو إسرائيل اليوم تقريباً كتلك الدول العربية التي اندلع فيها “الربيع العربي” في بداية العقد وأدى إلى انهيارها. إن آثار هذه الصورة على قدرة الردع لدينا في غاية الخطورة.
في هذا الوقت، يعدّ عدم قدرة الحكومة على تقرير وبلورة ميزانية، وتحديداً الميل الذي يلوح في الأفق لتقليص إضافي في ميزانية الدفاع… ترمز لأعدائنا عن عمق الأزمة التي تقع فيها إسرائيل وتسحق قدرة الردع الأمنية أكثر فأكثر. لا شك بأن إيران وتوابعها يستمدون تشجيعاً جماً من هذه الصورة، ويرون فيها فرصة كبيرة للمبادرة إلى خطوات معادية. وخصوصاً حين يكون رئيس الولايات المتحدة غارقاً بنفسه في أزمة عميقة في أعقاب كورونا عشية الانتخابات، وتبدو فرص انتخابه موضع شك.
الحكومة ملزمة بأن تصحو فوراً، وتعيد تنظيم إدارة الحرب ضد كورونا بالشكل الذي اعتادت على عمله دولة إسرائيل في وجه حدث طوارئ وطني متعدد المنظومات، فتأخذ الميزانية المخصصة وتحولها من “تعويض” إلى “استثمار” مكثف، وتنص بالقانون ميزانية الدفاع بشكل يمنح الجيش الإسرائيلي يقيناً واستقراراً في سياقات تعاظم القوة وإدارة النشاطات العملياتية. والآن، من شأن أزمة كورونا أن تتحول إلى حدث أمني ستكون تداعياته أخطر بكثير من الأزمة الصحة الاقتصادية.
وختم اللواء في الجيش الاسرائيلي مقاله في صحيفة يديعوت بالقول، هذا هو الوقت لإعادة تنظيم النفس ونعود إلى أنفسنا وننتصر.