وجد عناصر الشرطة الأميركيون، الذين باتوا محور الحركة الاحتجاجية التي تهز البلاد، أنفسهم أمام معضلة الالتزام بأداء واجبهم والاعتراف بالوقت ذاته بالحاجة لتطبيق إصلاحات للتعامل مع العنصرية المؤسساتية ضمن صفوفهم، معربين كذلك عن قلقهم من وصمهم جميعا بالعنصرية.
ومن كاليفورنيا وصولا إلى ماساتشوستس، أعرب عدد من عناصر الشرطة الذين تحدّثت إليهم فرانس برس عن شعورهم بالهلع حيال طريقة وفاة جورج فلويد أثناء توقيفه من قبل الشرطة، في حادثة أثارت احتجاجات في أنحاء البلاد على استخدام الشرطة للقوة وعنصريتها.
لكنهم نددوا في الوقت نفسه بالاتهامات بأن تصرّفات عناصر الشرطة المتورّطين في وفاة فلويد تعكس قيم أفراد جهاز إنفاذ القانون في البلاد.
وقال رئيس "الجمعية الخيرية لأفراد الشرطة"، وهي نقابة الشرطة في ولاية نيويورك، مايكل أوميرا بغضب خلال مؤتمر صحافي هذا الأسبوع "لست ديريك شوفين... هو قتل شخصا ما. نحن لم نقم بذلك. نحن منضبطون".
وشوفين هو الشرطي الذي ضغط بركبته على رقبة فلويد لنحو تسع دقائق انتهت بوفاة الموقوف الأميركي من أصول إفريقية.
وأضاف أوميرا "يحاول الجميع دفعنا للشعور بالعار من مهنتنا... توقفوا عن التعامل معنا كحيوانات وكلاب وأظهروا بعض الاحترام".
بدوره، أكد رئيس رابطة أفراد الشرطة في ألباكركي في نيو مكسيكو أن لا شك في أن شوفين ارتكب عملا إجراميا معيبا بحق جميع عناصر الشرطة، لكن من غير المنصف وضع جميع المنضوين في الجهاز في ذات الخانة.
وقال لفرانس برس "أشعر بالتمييز تجاهي، كما هو الحال بالنسبة لعناصري. نحن نحاول فقط القيام بمهمتنا على أفضل وجه لحماية مجتمعنا وإعالة عائلاتنا. ولأنني أضع شارة، تحوّلت الآن إلى مشكلة عنصرية ممنهجة في البلاد".
وتابع "يتم تحميل جهاز إنفاذ القانون مسؤولية أفعال ارتكبها مجرم في مينيابوليس".
لكن خبراء يشيرون إلى أن وفاة فلويد لم تكن حادثة منعزلة بل تضاف إلى سجل طويل من الغضب وعدم الثقة بعناصر الشرطة في أوساط الأميركيين من أصول إفريقية.
والسبت، قدمت قائدة شرطة مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا استقالتها بعدما أصاب شرطي برصاصة قاتلة مشتبها به من أصول إفريقية يبلغ من العمر 27 عاما خلال محاولة توقيفه.
وقالت مديرة التدخل في عنف المجموعات لدى "الشبكة الوطنية للمجتمعات الآمنة" لويزا أفيليس "هناك تاريخ أميركي طويل من الأذى والعنف بحق الأميركيين السود، تحت مظلة القانون، على مؤسسة الشرطة الاعتراف به".
بدوره، أشار استاذ القانون في جامعة كاليفورنيا ومؤلّف كتب "عندما تقتل الشرطة" إلى أن عناصر الجهاز في الولايات المتحدة يقتلون ما معدله ثلاثة أشخاص في اليوم.
وقال "نصف عمليات القتل هذه ليست ضرورية للحفاظ على حياة عناصر الشرطة أو غيرهم".
وأما رئيس فرع سان دييغو في رابطة عناصر الشرطة الوطنية السود بين كيلسو، فأشار إلى أن "مشاهد قتل السود وآخرين من غير البيض على أيدي عناصر إنفاذ القانون جراء ارتكابهم مخالفات صغيرة باتت تتكرر كثيرا".
وأضاف "نقضي ساعات طويلة على ما يسمّونها +مهارات سريعة الزوال+ مثل إطلاق النار أثناء القيادة وتوقيف الناس وأمور كهذه. لكننا لا نقضي القدر نفسه من الوقت على تعلّم التحدّث إلى الناس... إذ أن أهم سلاح لعناصر الشرطة كل يوم هو لسانهم".
وفرض عدد متزايد من أقسام الشرطة في أنحاء الولايات المتحدة حظرا على الإمساك بالموقوفين من أعناقهم بذات الطريقة التي أودت بحياة فلويد وعززوا الإجراءات التأديبية. ويتم كذلك اتّخاذ خطوات على المستوى الفدرالي لتطبيق إصلاحات.
وقال أوميرا الذي تمثّل جمعيته 40 ألف شرطي إنه من الضروري تضمين تنفيذ القانون في النقاشات الدائرة بهذا الشأن.
وقال لفرانس برس "هذا الانطباع بأننا كلاب عنصريون، لسنا كذلك. الأغلبية الساحقة من عناصر الشرطة ليسوا كذلك".
بدوره، أشار قائد شرطة كامبريدج في ماساتشوستس إلى أنه كرجل أسود، كثيرا ما كان ضحية العنصرية ويؤيّد فرض عقوبات أشد بحق العناصر السيئين.
وقال "لا يمكنني إحصاء عدد المرات التي طلب مني فيها التوقف. ثم أعرّف عن نفسي فلا يحصل تصعيد. لكنني أعيش حالة قلق دائم إذ أنني أحمل مسدّسا وبشرتي سوداء في الوقت ذاته".
لكن بعض عناصر أجهزة إنفاذ القانون يرون أنهم كانوا كبش فداء لمشاكل أكبر في المجتمع، رافضين الدعوات لوقف تمويل الشرطة.
وقال عنصر في شرطة نيويورك يبلغ من العمر 34 عاما طلب عدم الكشف عن هويته نظرا إلى أنه غير مخوّل بإصدار تصريحات علنية "إنها مفارقة مؤلمة لأننا نخرج كل يوم لخدمة وحماية الناس وهناك ملايين الاحتكاكات الإيجابية يوميا بين الشرطة والشعب".