قال الدبلوماسيّ اليهوديّ-الأمريكيّ سابِقًا دنيس روس إنّ البعض يعتقد أنّ نتنياهو بات قادراً الآن أخيراً على التصرف وفقاً لحلم راوده طوال حياته السياسية: أي ضم جميع المستوطنات اليهودية البالغ عددها 130 مستوطنة في الضفة الغربية، ومع ذلك، فإنّه خلال ولايته الأطول في تاريخ إسرائيل لم يُعرب عن رغبته في ضمّ جميع المستوطنات، إلّا في العام الماضي.
وأوضح روس، الذي شغل منصب المبعوث الرئاسيّ لمنطقة الشرق الأوسط في عهد كلينتون، أوضح: ربما لم يجعل نتنياهو أبداً ضم جميع المستوطنات أولوية لأنه كان يخشى بحق أنّ مثل هذا القرار قد يجعل من المستحيل فصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين وبالتالي تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، تتعارض مع فكرة الدولة اليهودية. فهل تبدد قلقه؟ هل هو أقل قلقاً بشأن الاحتمال الواقعي للغاية المتمثل في أنّ ضم 30 بالمائة من الضفة الغربية، على النحو المسموح به في “خطة ترامب”، يمكن أنْ يوجه ضربة كبرى لمعاهدة السلام بين إسرائيل والأردن ويمنع احتمال تحسين العلاقات بشكل أكثر علانية مع دول الخليج؟ ألم يعُد قلِقاً من أن العديد من الدول الأوروبية قد يكون لها رد فعل على عملية الضم من جانب واحد، بما في ذلك الاعتراف بدولة فلسطينية، كرد على ذلك؟، على حدّ تعبيره.
وتابع في مقالٍ نشره على موقع مركز أبحاث واشنطن: كيف تَوسَّع تركيز نتنياهو على الكتل الاستيطانية ليطال ضمّ كافة المستوطنات؟ يبدو أن النفعية السياسية حالت دون الواقعيَّة. فقد شملت حكومتا نتنياهو في 2009 و2013 أحزاباً من اليسار واليمين. ومع ذلك، لم تضمّ حكومته من عام 2015 سوى أحزاب اليمين. وفجأة، أُلغي مصطلح الكتل الاستيطانية من المعجم السياسي لنتنياهو. بالإضافة إلى ذلك، حالما استلم دونالد ترامب الرئاسة وطرح خطته للسلام، لم يرغب نتنياهو في أنْ يُنظر إليه على أنه يقف إلى يسار الرئيس الأمريكي.
أمّا ترامب، قال روس، فمع محاولته إعادة انتخابه لولاية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر، فتكون دوافعه قائمة بشكل واضح على التبادلات: فهو يهدف إلى الفوز بأصوات البروتستانت واليهود، حتى لو كان هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الضم سيلعب دوراً في الانتخابات الأمريكية. على نتنياهو التركيز على أفق أوسع من ذلك المعروف عن ترامب والمتمثل بعقد صفقات سياسية. وفي هذا السياق، قال الفيلسوف السياسي الإيرلندي الشهير إدموند بيرك في القرن الثامن عشر: “من يمثلك مدين لك، ليس بمهنته فقط، بل وبحكمه على الأمور أيضاً، وهو يخونك ولا يخدم مصالحك عندما يضحي بهذا لتغليب رأيك”.
ولفت روس إلى أنّه إذا كانت هذه هي الانتخابات الأخيرة التي يشارك فيها بالفعل، فبإمكان نتنياهو أنْ يكون أقل ميلاً إلى التوصل إلى اتفاقات من السابق، وقد أدرك أهم رؤساء الوزراء السابقين أنه لم يتبق لديهم الكثير من الوقت وتصرفوا وفقاً لذلك، وفي نهاية مسيرتهم السياسية، كانوا على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة غالباً ما كانت تتناقض مع الآراء التقليدية لجمهورهم.
ومن خلال تحديد الإرث بمعناه الأوسع، أردف روس، وليس من زاوية جلب أكبر عدد من الأصوات، ترك بيغن إرثاً لإسرائيل استمر عقوداً دون خوض حروب تقليدية مع الدول العربية، تلك التي كانت تندلع بصورة اعتيادية في ربع القرن الأول من قيام دولة إسرائيل، وأودت بحياة العديد من أبناء الشعب من كلا الجانبين.
وأشار إلى أنّه بفضل رابين وشارون، تجنبت إسرائيل إلى حد بعيد الحرب المستمرة مع الحركة الوطنية الفلسطينية، رغم أنه من الواضح عدم تمكنهما من تغيير حسابات “حماس” أو حل جميع القضايا الأساسية مع الفلسطينيين بشكل عام، وقد استرشد هؤلاء القادة الثلاثة أيضاً بضرورة الاحتفاظ بهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
وأشار روس إلى أنّ التاريخ لن يأخذ نظرة طيبة عن ضمّ جميع المستوطنات، وهي خطوة لم يرغب في تطبيقها نتنياهو بنفسه قبل أقل من عشر سنوات. ولتوضيح الأمر: أعتقد أنّ كافة عمليات الضمّ الأحادية الجانب هي خطأ ونأمل في أنْ يمتنع رئيس الوزراء عن القيام بها. كما نأمل على أقل تقدير أنْ يدرك نتنياهو على الأقل الفرق بين ضمّ مناطق الكتل الاستيطانية المحددة مقابل ضمّ كافة المستوطنات، وكذلك غور الأردن. فالخيار الأول لن يغلق الباب أمام حل الدولتين، في حين سيحتّم الخيار الثاني أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية تغيّر هويتها بشكل جوهريّ، ونأمل في أنْ يستخلص رئيس الوزراء عبرةً من أبرز أسلافه ويختار إرثًا جديرًا بالتقدير، ذلك الذي يضمن استمرار الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل لأجيال قادمة، على حدّ قوله.