الخطاب التركي في سورية بين حقائق المصالح والدعاية الشعبوية..كمال خلف

الإثنين 02 مارس 2020 09:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
الخطاب التركي في سورية بين حقائق المصالح والدعاية الشعبوية..كمال خلف



تدخل تركية الحرب مباشرة من أجل شيء واحد فقط هو الاحتفاظ بإدلب ، يبدو خطاب تركية دفاعا عن هذا التدخل و التصعيد العسكري متناقضا ويفتقد للتماسك  ، لكنه مصحوب بدعاية قوية يتولى تسويقها في العالم العربي  التيار الإسلامي بآلة إعلامية متطورة ومنتشرة. هو خطاب اعتمد  ابتداء على مقولة إلزام الحكومة السورية باتفاق سوتشي ، لكن المؤكد أن أنقرة لم تف بأي التزام من هذا الاتفاق سوى نشر نقاط مراقبة لها في أماكن مختلفة من إدلب وريفها وريف حلب . وعملت على تقوية الجماعات المسلحة داخل منطقة سوتشي .

 هي ذاتها طلبت أكثر من مهلة من موسكو لتطبيق بنود الاتفاق المتعلق منها بسحب الجماعات المسلحة من المسافة المتفق عليها في سوتشي و فصل الجماعات المصنفة إرهابية عن تلك التي أصبحت تابعة لها مباشرة في الشمال وقد حصلت على مهلة لمدة عام ونصف   . لكن النتيجة  هو المواجهة الراهنة و قتال الجيش التركي مع الجماعات الإرهابية كتفا لكتف.  وهذا كشف عدم صدقية أردوغان فيما تعهد به للروس في إطار اتفاق وقع عليه بنفسه . يتجاهل الأتراك اليوم هذه الحقائق ويطرحون رواية معاكسة تماما .
 أما الجانب المتعلق باللاجئين فهو جانب تجعله تركية أحد أسباب تدخلها العسكري ، وتقول إنها لا تحتمل المزيد من اللاجئين ،  لذلك عليها منع ذلك عبر عملية عسكرية تعرقل تقدم القوات السورية ، في حين أن وقائع الميدان تؤكد أن الروس والحكومة السورية حاولا فتح معابر إنسانية في ريف ادلب لاستقبال اللاجئين إلى مناطق أمنه داخل سورية . إلا أن تركية منعت ذلك بشكل مشدد.
 وبالمناسبة هنا فإنه من المفيد تذكر هذا الخطاب ذاته فيما يخص المدنيين  في مدن سيطر عليها الجيش السوري  خلال السنوات الماضية ، مثل مضايا  وداريا و الغوطة الشرقية  ووادي بردى في ريف دمشق ومناطق ومدن أخرى . حينها كان الخطاب يقول إن الجيش السوري والحكومة السورية تقوم بعملية تهجير ممنهج وتغيير ديمغرافي . و الزائر لهذه المناطق اليوم  يدرك بشكل ملموس عودة معظم أهل تلك المدن إلى بيوتهم  ، وعودة الحياة الطبيعة لها . بالمقابل  أجرى الأتراك عملية تهجير وتغيير ديمغرافي ممنهج  للمدن التي سيطروا عليها خلال عملتي درع الفرات و غصن الزيتون ، ومنعت كل سكان تلك المناطق من العودة ،  واسكنت بدلا عنهم عائلات الجماعات المسلحة المحلية التي رفضت المصالحات والتسويات مع الحكومة والسورية في المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري ، وفضلت الانتقال شمالا عبر حافلات امنتها الحكومة السورية لهم .
.
 الخطاب التركي الذي تسوقه للرأي العام العربي بصيغة إنسانية في ملف اللاجئين ، تستخدمه في الخطاب السياسي من باب الابتزاز لأوروبا ، وتتعامل معه كورقة ضغط لجر الأوربيين لدعم التحركات  العسكرية التركية   شمال  سورية ، والوقوف معهم في وجه  روسيا .  هي جملة مواقف وسياسات   تسوق شعبويا على أنها أخلاقية ومبدئية ، أما سياسيا فإنها تستخدم السوريين المدنيين والمسلحين وقودا لتحقيق أهداف الرئيس أردوغان وأحلامه ، وأحلام مجموعة من حوله يغلب عليها الفكر الطائفي ، والرغبة في المغامرة . لذلك لا ضير لديها في دفع  أردوغان إلى المستنقع السوري ولو على حساب الدم التركي والسوري ، وهو أصبح أسيرا لأهواء هذه المجموعة  لا يستمع إلا لهم .
شعبويا أيضا يتم التسويق الدعائي  لمصطلح يوصف فيه الجيش التركي بأنه  ” الجيش المحمدي ” الرئيس أردوغان نفسه أطلق هذا الوصف على جيشه لكسب تأييد المسلمين حول العالم .  أما في الحقائق  فإن” الجيش المحمدي ” يستنجد بالولايات المتحدة و الناتو لدعم هذا الجيش في الشمال السوري . فكيف يكون جيشا محمديا يخوض حربه بدعم من الحلف الأطلسي و إدارة دونالد ترامب ؟ .
هي صورة تعكس انفصام  خطاب في اعتماد خطابين الأول شعبوي يداعب عواطف الحالمين بتركية العثمانية وريثة خلافة اسلامية ، وآخرون ينظرون اليها على أنها حامية أهل السنة في العالم . والثاني سياسي مصلحي  يجعل من الأطراف المحلية أوراق لعب لتحقيق أهداف سياسية تقوم على التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة و يقترب  من إيران للتعاون والتنسيق ،  بينما ينحو في الشق  الشعبوي نحو وصفها بالمجوسية والرافضية والشيعية.
أما إرسال تركية للمقاتلين السوريين من إدلب إلى ليبيا بشكل علني للقتال الى جانب حكومة السراج ،  ما جعل هذه القوات التي يصفها الخطاب التركي ومن حوله بأنهم ” ثوار حرية” يقاتلون ضد ظلم النظام ودفاعا عن مناطقهم ، جعلها مجموعات مرتزقة تقاتل لحساب تركية في كل مكان ، ولم يجد الخطاب التركي المسوق للرأي العام العربي ردا على هذا الأمر سوى تكرار  السؤال التالي .. لماذا تدعم الإمارات ومصر والسعودية خليفة حفتر ؟ ولماذا ترسل روسيا مجموعات ” فاغنر ” إلى ليبيا  ؟ .  في الحقيقة هو خطاب يفتقر إلى الحقائق وتسلسل الأحداث في ليبيا . لأن دعم وتسليح وتشكيل  وتأثير  تركية وقطر على المجموعات الليبية المسلحة  التي تحيط بالسراج اليوم  سابق  لتشكيل جيش خليفة حفتر وسابق لحكومة الوفاق نفسها  . بل وأكثر من ذلك أن إرسال المقاتلين بدأ  من ليبيا بعد سقوط حكم القذافي  إلى سورية للقتال هناك   ، الفرق اليوم  أنه كان غير معلن قبل عدة عوام  واليوم يتم  باتجاه معاكس من سورية إلى ليبيا علنا .
 وقد نجد ذات هذه اللازمة في الخطاب تجاه الوضع في سورية  ، فيكرر ذاك الخطاب  السؤال الدفاعي الذي يعتبرون انه مفحم .  لماذا تتدخل روسيا وإيران ؟ بينما حرام ذلك على تركية ؟  والحقيقة هو أن تدخل تركية بالسلاح والعتاد وإدخال المقاتلين عبر حدودها والحملة المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة وعدة دول لإسقاط النظام في سورية هي من فتحت باب التدخل لإيران وروسيا  . عدا عن أن هذا الخطاب يناقض نفسه في الحالتين الليبية والسورية ففي الوقت الذي يعتمد فيه على دعوة حكومة الوفاق للتدخل لاصباغ شرعية على إنخراطه مباشرة في الحرب الليبية ، يرفض ذات المنطق في سورية بالنسبة لإيران وروسيا . مع أن في كلا الحالتين هناك حكومة معترف بها دوليا .
يبقى الخطاب تجاه فلسطين والقدس قائما في كل وقت على المستوى الشعبوي،  بينما يسعى الرئيس أردوغان للحصول على مساعدة إدارة ترامب عرابة صفقة القرن  في تحقيق أهدافه في الشمال السوري ، وبتزامن قصفه للجيش السوري شمالا مع قصف إسرائيل لذات الجيش جنوبا.
 إن لغة التهديد هي ما يغلب على سياسيات الرئيس أردوغان أقله خلال السنوات الثلاث الماضية ، تهديد لكل من يختلف مع تركية في السياسيات . تهديد سورية ومصر والعراق و قبرص واليونان . تهديد أوروبا والإمارات والسعودية والجيش الليبي في الشرق والاكراد في الشرق السوري وحتى المعارضة التركية في الداخل ورفاق دربه ممن يخالفون سياساته  .
الذرائع التركية حيال الملف السوري وربما ملفات في المنطقة غير مقنعة وتدفع إلى مواجهة تركية ومنعها من الاستمرار في نهجها ووقفها عند حدها . وربما يحصل ذلك قريبا في ادلب .
كاتب واعلامي فلسطيني