أطلقت الولايات المتحدة عام 1978 أول قمر صناعي لنظام تحديد المواقع "جي بي أس"، والذي بات اليوم يشكل جزءا أساسيا في مختلف نواحي الحياة، لا يمكن الاستغناء عنه.
ولا يقتصر الأمر على مساعدة الأفراد للوصول إلى عناوين مختلفة، إذ باتت قطاعات حيوية معتمدة على النظام بشكل كامل.
وفي الواقع، فإن أهمية "جي بي أس" برزت إبان حرب الخليج الأولى، عام 1990، بحسب تقرير لـ"بي بي سي"، عندما تحولت عملية عاصفة الصحراء إلى عاصفة صحراوية بالمعنى الحرفي، حيث قللت الرمال الدوارة من مستوى الرؤية إلى 5 أمتار.
وآنذاك، سمح نظام تحديد المواقع العالمي للجنود بتحديد مواقع الألغام، والعثور على طريق عودتهم إلى مصادر المياه، وتجنب التصادم في طريق، بحسب التقرير.
بداية "عسكرية"
من الجدير بالذكر أن ذلك النظام قد بدأ تدشينه بدعم الجيش الأمريكي، لأنه يساعد في تحديد الأهداف التي يرغب في قصفها.
وبالأخذ في الاعتبار هذه الميزة العسكرية، التي يوفرها نظام تحديد المواقع العالمي، فربما تتساءل لماذا رحب الجيش الأمريكي بأن يستخدمه الجميع؟
في الحقيقة أنهم لم يكونوا كذلك، لكن الأمر لم يكن بيدهم، بحسب "بي بي سي".
وأضاف التقرير أن الجيش الأمريكي حاول أن ترسل الأقمار الصناعية فعليا إشارتين - إشارة دقيقة لاستخدامهم الخاص وإشارة غامضة وغير دقيقة للمدنيين - لكن الشركات وجدت طرقا ذكية لانتزاع مزيد من التركيز من الإشارات الغامضة، وكان الدافع الاقتصادي هو الأساس وراء ذلك.
وفي عام 2000، انصاع الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، للأمر الذي لا مفر منه وجعل الإشارة عالية الجودة متاحة للجميع.
وأضاف: "لقد اتضح بالفعل أنه منقذ للحياة، ولم يكن لدى الجيش الأمريكي سوى عدد قليل جدا من أجهزة الاستقبال يمكن التنقل بها، ومن ثم طلب الجنود من عائلاتهم في أمريكا إنفاق أموالهم الخاصة، على شراء وشحن الأجهزة المتوفرة تجاريا، والتي يزيد ثمن الواحد منها على ألف دولار".
"بقيمة الهواء والماء"
أشار التقرير أن محاولة وضع قيمة مالية بالدولار لذلك النظام باتت شبه مستحيلة، وهو الذي تنفق واشنطن عليه مليارات الدولارات سنويا من أموال الضرائب.
ولخّص الكاتب "غريغ ميلنر" ذلك في العبارة التالية: "سؤال كيف يعمل نظام جي بي أس على تغيير عالمنا، يشبه كما لو أنك تسأل كم تبلغ القيمة المالية للأوكسجين، بالنسبة للجهاز التنفسي البشري؟".
واليوم، بات توفق "جي بي أس" يعني أن خدمات الطوارئ في المعاناة: لن يتمكن أفراد تلك الخدمات من تحديد مكان المتصلين، عن طريق إشارة هواتفهم، أو تحديد أقرب سيارة إسعاف أو سيارة شرطة.
كما ستكتظ الموانئ بالبضائع، لأن رافعات الحاويات تحتاج إلى هذا النظام من أجل تفريغ السفن.
الزراعة، البناء، صيد الأسماك، والمسح، هذه صناعات أخرى سوف تتضرر، وذكرها تقرير للحكومة البريطانية، قَّدر تكلفة توقف جي بي إس بنحو مليار دولار يوميا، خلال الأيام الخمسة الأولى.
وإذا استمر التوقف لفترة طويلة، فقد نبدأ في القلق بشأن مرونة مجموعة كاملة من الأنظمة والخدمات الأخرى المرتبطة به.
هيمنة أمريكية
يتساءل التقرير عما إذا كان من الجيد أن يبقى العالم معتمدا على "كرم" دافعي الضرائب الأمريكيين، وأن يبقى نظام تحديد المواقع خاضعا لإدارة واشنطن.
ويشير التقرير إلى وجود عدة محاولات لإنهاء تلك الهيمنة، حيث نسخة روسية أيضا تسمى "غولناس" (Glonass)، وأخرى صينية "بيدو" (Beidou)، إضافة إلى "غاليليو" (Galileo) الأوروبية، فضلا عن محاولات يابانية وهندية مشابهة.
ويلفت التقرير إلى أن هذه الأقمار الصناعية البديلة قد تساعدنا على التخلص من المشكلات الخاصة بنظام "جي بي أس"، لكنها قد تصنع أيضا أهدافا عسكرية مغرية في أي صراع في المستقبل، ويمكنك أن تتخيل حربا فضائية، تجعل الجميع في وضع عدم الاتصال بنظام تحديد المواقع، كما يمكن لعاصفة شمسية كبيرة بدرجة كافية القيام بهذه المهمة أيضا.
وهناك بدائل أخرى على الأرض للملاحة عبر الأقمار الصناعية. والبديل الرئيسي منها يسمى eLoran "إيلوران" لكنه لا يغطي العالم بأسره، وتبذل بعض الدول جهودا أكبر من غيرها من أجل تطوير أنظمتها الوطنية.
ومن مزايا نظام إيلوران هي أن إشاراته أقوى. بحلول الوقت الذي تقطع فيه إشارات جي بي إس رحلتها إلى الأرض، عبر مسافة تبلغ 20 ألف كيلومتر، تصبح ضعيفة للغاية، ما يجعل من السهل التشويش عليها أو تزييفها.
أخطار "جي بي أس"
"لا يفكر أشخاص كثيرون في أشياء، مثل سيناريوهات نهاية العالم، أو أن يستيقظ الناس ليجدوا كل حياتهم منقطعة عن الإنترنت، أو احتمال أن ينشر إرهابيون أو دول الدمار، عبر تزويد إشارات مواقع غير دقيقة للمستقبلين في منطقة بعينها"، بحسب "بي بي سي".
إلا أن التقرير ينقل عن أستاذ الهندسة، تود همفريز، أنه يمكن لتزييف إشارات "جي بي أس" أن يسقط الطائرات بدون طيار، وأن يحرف مسار اليخوت الفاخرة.
كما يخشى، بحسبه، من أن يتمكن المهاجمون من تدمير شبكات الكهرباء، أو تعطيل شبكات الهاتف المحمول وأسواق المال.
ويختم التقرير بالتأكد على صعوبة تحديد مقدار الضرر، الذي قد يحدثه تزييف إشارات جي بي إس.