خروج قطر من أوبك

الثلاثاء 23 يوليو 2019 11:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT
خروج قطر من أوبك



رام الله /سما/


تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ت في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" الذي ينفذه مركز مسارات - الدورة الخامسة 2018-2019.

مقدمة

أعلن سعد بن شريدة الكعبي، وزير شؤون الطاقة القطري، بتاريخ 3/12/2018، على نحو مفاجئ انسحاب دولة قطر من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي يبلغ عدد أعضائها 15 عضوًا، مرجعًا هذا القرار إلى رغبة قطر في التركيز على إنتاجها في قطاع الغاز، وموضحًا أن القرار يعود لأسباب فنية خالصة لا تتعلق بالسياسة.

ثمة تساؤلات عديدة حول دوافع انسحاب قطر من أوبك بعد 58 عامًا على انضمامها للمنظمة منذ العام 1961، لا سيما أن قرار قطر المفاجئ لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي، وتحديدًا أزمة الخليج، فضلًا عن الأوضاع داخل المنظمة فيما يخص آلية اتخاذ القرار فيها، و"الاتهامات" بشأن "سيطرة" الدول الكبرى في إنتاج النفط على قراراتها، وفرضها على الدول الأقل إنتاجًا من جهة، والعلاقات بين الدول، خاصة السعودية التي تقود مقاطعة ضد قطر، من جهة أخرى.

تعدّ قطر من أقل أعضاء أوبك إنتاجًا للنفط، فلا يتعدى إنتاجها 2% من إنتاج دول المنظمة[1]، لكنها من أكبر الدول المُنتجة للغاز الطبيعي المُسال عالميًا، فهي تحتل الصدارة العالمية بإنتاج 30% من الغاز الطبيعي، ويحقق لها الغاز أربعة أضعاف ما يحققه النفط، ويعد المصدر الأساسي لثروتها.[2] ولكن هذا لا يلغي اهتمام قطر بالإنتاج النفطي، وبالأبعاد السياسية المحيطة بهذا الإنتاج إقليميًا ودوليًا.

تفسيرات الانسحاب القطري

شهدت أوبك انسحابات عدة سابقًا، فقد علقت بعض الدول عضويتها في المنظمة وما لبثت أن عادت مرة أخرى، مثل إندونيسيا التي انضمت إلى المنظمة في العام 1962، وعلّقت عضويتها في كانون الثاني 2009، ثم أعادت تنشيطها في كانون الثاني 2016، إلى أن قررت تعليقها مرة أخرى في اجتماع أوبك في تشرين الثاني 2016.

لن يؤثر خروج قطر، على الأرجح، على منظمة مثل أوبك التي عايشت الكثير من الصراعات، بغض النظر عن ردود أفعال بعض المحللين المتباينة حول انسحابها. فقد صرح الكعبي عقب انسحاب قطر بأن دورها صغير في المنظمة، مضيفًا "لا نقول إننا سنخرج من نشاط النفط، لكن المنظمة التي تسيطر عليه تديرها دولة واحدة"[3]، في إشارة إلى السعودية.

وأصدرت أوبك بيانًا رسميًا وضحت فيه موقفها من الانسحاب المفاجئ، وقالت فيها إنها تحترم قرار قطر، وإن لكل دولة حقًا سياديًا في الانسحاب من المنظمة دون موافقتها.[4]

يبدو أن قطر تتجه لتصبح ذات دور ريادي في قطاع الغاز، شبيه بالدور السعودي في قطاع النفط؛ فقد أعلنت في أيلول 2018 عن زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن إلى 110 مليون طن سنويًا.[5]

أبعاد انسحاب قطر سياسيًا

ترجح إلينا ميلكوميان، أستاذة الدراسات الشرقية الحديثة بجامعة موسكو، انسحاب قطر من أوبك على خلفية الأزمة بين الرياض والدوحة، وأن قطر لا تريد أن تعتمد على السعودية في شيء.[6] وأفاد نعيم أسلم، خبير المضاربة المالية في شركة "ثنك ماركتس"، بتأثير انسحاب قطر على سوق النفط، موضحًا أن الدوحة استخدمت أقوى أسلحتها، الأمر الذي يعني عدم الاستقرار في العلاقات القطرية السعودية.[7]

ربما تشعر قطر ببعض العزلة بعد مقاطعة الدول الأربع لها (السعودية، ومصر، والبحرين، والإمارات)، منذ حزيران 2017، بعد اتهامها من الدول المقاطِعة ودول أخرى بدعم الإرهاب وتمويله، والتعاون مع إيران، الخصم اللدود للسعودية، التي كانت شديدة الانتقاد لأوبك وللسعودية، هذا مع الإشارة إلى وجود حقل غاز مشترك بين إيران وقطر.[8]

وربما أرادت قطر من انسحابها لفت الأنظار إليها بعد المقاطعة، وخلق اسم لها على خارطة العالم سياسيًا واقتصاديًا، لا سيما أن أسبابها المُعلنة للانسحاب لم تكن لتتعارض مع أهداف المنظمة، ولن تمنعها من التركيز على زيادة إنتاج الغاز.

انتقدت دولة الإمارات العربية وفق تصريح لأنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، على موقع توتير، انسحاب قطر من أوبك، قائلًا: إن الانسحاب إقرار بانحسار الدور والنفوذ في ظل عزلة الدوحة السياسية، موضحًا أن الشق الاقتصادي للانسحاب أقل أهمية، ولا يبرر القرار في هذا التوقيت.[9]

على المستوى الإقليمي

تباينت الآراء التي تلت انسحاب قطر من أوبك ما بين مؤيد ومعارض، فكانت إيران من المتفهمين لقرار قطر، مبدية غضبها من السياسة المتبعة في أوبك من الإنتاج المرتفع الذي اعتمدته كل من السعودية وروسيا، بناء على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لسد النقص من صادرات إيران النفطية. فقد صرح حسين كاظم بور أردبيلي، ممثل إيران في أوبك، بأن خروج قطر من المنظمة يعكس "خيبة أمل" أعضاء المنظمة تجاه كل من الدور السعودي والروسي في سوق النفط من خلال التفرد بالقرارات، ما سبب خسائر لباقي الأعضاء.[10]

بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني، فُرضت عقوبات جديدة على إيران تزامنت مع انسحاب قطر من أوبك. ويتخوف بعض المراقبين من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لاتجاه قطر نحو إيران، خاصة بعد فرض الحصار عليها من الدول الخليجية، وبما يقلل من آثار العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.[11]

على المستوى الدولي

خشيت قطر من أن تكون عضوية أوبك عقبة أمام طموحاتها النفطية في الولايات المتحدة، لا سيما بعد طرح تشريع أميركي مقترح معروف باسم NOPEC "قانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط"، لذلك أرادت قطر التركيز على عنصر قوتها (الغاز الطبيعي) بدلًا من أوبك، وتعزيز علاقاتها النفطية مع أميركا.[12]

من جانب آخر، يعني انسحابُ قطر من أوبك الخروجَ من دائرة التحكم بكمية الإنتاج، ومن ثم مستوى الأسعار، لا سيما بعد اتباع سياسات اعتبرتها قطر تضر بمصالح الدول الأعضاء في المنظمة، إذ أدت زيادة الإنتاج بالاتفاق بين السعودية وروسيا إلى انخفاض أسعار النفط بأكثر من الثلث خلال شهر واحد. وفي هذا السياق، طالب ترامب أوبك، بتاريخ 20/9/2018، بضرورة خفض أسعار النفط، وذلك قبل أسابيع قليلة من فرض عقوبات أميركية على قطاع الطاقة الإيراني، معتبرًا أن دولته تحمي بلدان الشرق الأوسط.[13]

بغض النظر عن قلة أهمية الخطوة القطرية بالانسحاب، إلا أنها موجهة ضد السعودية، التي تعد أكثر الأعضاء نفوذًا في كل من أوبك ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، وذلك لإحراجها في تساوقها مع مطالب الإدارة الأميركية لتعويض انخفاض الصادرات الإيرانية بسبب فرض العقوبات الأميركية الجديدة على طهران.[14]

أكد ديمتري فرولوفسكي، الخبير الروسي في الشؤون القطرية، أن قطر تستهدف من الانسحاب جيرانها في الخليج، وهز مكانة الرياض، مستفيدة من الخلفية السلبية المرتبطة بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وعدم رضا الجميع عن الاتفاقات النفطية بين السعودية وروسيا، موضحًأ أن الدوحة أظهرت أن لا أحد ملزمًا بقرارات موسكو والرياض.[15]

الأبعاد الاقتصادية لانسحاب قطر

هناك تباين واختلاف بين الخبراء والاقتصاديين بشأن البعد الاقتصادي للانسحاب القطري من أوبك، إذ أشارت أميرتا سن كبيرة المحللين النفطيين في شركةEnergy Aspects  للاستشارات بلندن، إلى رمزية انسحاب قطر من أوبك نظرًا لضعف الإنتاج القطري من النفط.[16] في حين قال جو ماكمونيغل، مسؤول في وزارة الطاقة الأميركية، إن مغادرة قطر تمثل مشكلة في العلاقات العامة، وربما تمثل مشكلة معنوية في وقت عصيب تمر به المنظمة.[17]

أما شكيب خليل، وزير الطاقة الجزائري السابق، ورئيس أوبك سابقًا، فقد قال إن هذا القرار قد يكون إشارة إلى نقطة تحول تاريخية للمنظمة باتجاه روسيا والسعودية والولايات المتحدة، وقد يكون له أثر نفسي بسبب خلاف قطر مع السعودية، وقد يتبعها أعضاء آخرون.[18]

بدورها، أشارت هيليما كروفت، رئيس إستراتيجية السلع في بنك رويال الكندي، إلى الدلالات العميقة للقرار القطري، موضحة أن التركيز على الغاز المسال لن يتعارض مع العضوية في أوبك، وهذه الخطوة تقود إلى استنتاج بأن الانقسامات الجيوسياسية أصبحت مستعصية إلى حد بعيد.[19]

وهناك رأي آخر يمثله زيشان عليم، المتخصص في شؤون الطاقة والاقتصاد، يرى فيه أن  الضغوطات التي تمارسها السعودية على قطر سببها احتياطي الغاز القطري، لا سيما بعد أن وجدت الرياض أن اقتصاد الدوحة غير مرهون بالنفط، وبذلك يصبح غير مرهون بها.[20]

بات جليًا أن انسحاب قطر من أوبك لن يؤثر على مستوى إنتاج النفط، أو على أهداف المنظمة وسياستها، لكنه يؤثر في العلاقات والسياسات الخارجية بين الدول الأعضاء في المنظمة، لا سيما في الإقليم، ما بين إيران والخليج من جهة، ودول الخليج وقطر من جهة أخرى.

خاتمة

عكس قرار قطر واقعها السياسي وليس الاقتصادي، وربما يمهد قرار انسحابها من أوبك إلى انسحابات أخرى، كالانسحاب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد يتبع قرار انسحاب قطر إجراءات محتملة ومتناقضة في آن واحد. فربما تكون هناك سياسة قطرية مستقبلية لتأسيس تجمع دولي لمنتجي الغاز الطبيعي، خصوصًا أن قطر أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي، وكذلك من المحتمل أن تتراجع قطر عن قرار الانسحاب، إذا ما عُولجت الإشكاليات القائمة ما بين قطر والدول المقاطِعة لها.

الهوامش

** هذه الورقة تعبر عن وجهة نظرة كاتبتها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] صحيح أن انسحاب قطر من أوبك لن يؤثر على أسعار النفط، لكن لماذا يشكل سابقة مزعجة للمنظمة؟، عربي بوست، 15/3/2019. bit.ly/2Gyzk6C

[2] قطر ترفع الطاقة الإنتاجية من الغاز المسال إلى 110 مليون طن سنويًا، بوابة الشرق الإلكترونية، 26/9/2018. bit.ly/2zvMixX

[3] صحيح أن انسحاب قطر من أوبك لن يؤثر على أسعار النفط، مصدر سابق.

[4] أوبك تصدر بيانًا بشأن انسحاب قطر من المنظمة، روسيا اليوم، 5/12/2018.bit.ly/2SpVFG2

[5] قطر ترفع الطاقة الإنتاجية من الغاز المسال، مصدر سابق.

[6] قطر توجه ضربة لمواقع السعودية، روسيا اليوم، 15/3/2019. bit.ly/2uaiIue

[7] صحيح أن انسحاب قطر من أوبك لن يؤثر على أسعار النفط، مصدر سابق.

[8] إيران ترفع إنتاج حقل غاز مشترك مع قطر، روسيا اليوم، 26/9/2018.bit.ly/2F9dAM1

[9] قطر تنسحب من أوبك لتركز على صادرات الغاز وتنتقد الرياض، رويترز، 3/12/2018.bit.ly/2rgaIqd

[10] هل انسحاب قطر من أوبك "إقرار بانحسار نفوذها"؟، بي بي سي عربي، 3/12/2018.bbc.in/2SssjXn

[11] ما هي الأسباب الحقيقية وراء انسحاب قطر من أوبك؟، كيوبوست، 3/12/2018.bit.ly/2UzmWat

[12] الانسحاب من أوبك يُجنب قطر المخاوف من مشروع قانون أميركي، رويترز، 13/12/2018. bit.ly/2TRLIFv

[13] خروج قطر من "أوبك": الأسباب والتداعيات المحتملة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 5/12/2018. bit.ly/2MasNQk

[14] السعودية تستعد لزيادة إنتاجها النفطي بعد العقوبات على إيران، عربي 21، 4/11/2018.bit.ly/2D1cTVC

[15] قطر توجه ضربة لمواقع السعودية، مصدر سابق.

[16] صحيح أن انسحاب قطر من أوبك لن يؤثر على أسعار النفط، مصدر سابق.

[17] Qatar to Leave OPEC as Politics Finally Rupture Oil Cart, Bloomberg, 3/12/2018. bloom.bg/2PgqATk

[18] قطر تنسحب من أوبك لتركز على صادرات الغاز، مصدر سابق.

[19] صحيح أن انسحاب قطر من أوبك لن يؤثر على أسعار النفط، مصدر سابق.

[20] الغاز .. العنصر الغائب في تفسير الحرب السعودية على قطر، ألترا صوت، 4/7/2017.bit.ly/2Ob1zdi