هذه الورقة من إعداد: أحمد الكومي، أشرف أبو خصيوان، ربيع أبو حطب، ضحى حمامدة، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات الذي ينفذه مركز مسارات - الدورة الخامسة 2018-2019
مقدِّمة
يوصف قطاع غزة بأنه منطقة صراع؛ وهذا الأمر سمح بحركة وفود وبعثات أجنبية منه وإليه -يغلب على أكثرها صفة العمل الإنساني- تديرها الأجهزة الأمنية في القطاع وفق سياسات اتضح وجود خلل فيها، وبخاصة بعد اكتشاف تسلل قوة إسرائيلية خاصة شرق مدينة خان يونس في 11 تشرين الثاني 2018 تحت غطاء "جمعية خيرية"؛ ما يستدعى إجراء معالجات سريعة تقتضيها الضرورات الأمنية.
الهدف العام
طرح بدائل سياساتية وواقعية لمعالجة الثغرات في إدارة حركة الوافدين الأجانب إلى قطاع غزة، يمكن أن تساهم في تطوير السياسات القائمة والمتّبعة بما يزيد الضبط الأمني، ولا يؤثر أو يشوّش على عمل الوافدين في الوقت نفسه.
المشكلة السياساتية
في 11 تشرين الثاني 2018، أعلنت كتائب القسام أنها اكتشفت قوة إسرائيلية متسللة إلى محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، واشتبكت مع عناصرها؛ ما أسفر عن استشهاد سبعة مقاومين، وقتل ضابط إسرائيلي رفيع، وإصابة آخر.
في 3 كانون الأول من العام نفسه، كشفت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، نقلاً عن مسؤولين في حركة حماس وشهود عيان، عن أن القوة الإسرائيلية تسللت إلى القطاع باعتبارها فريقاً من الأطباء يتبع إحدى جمعيات الإغاثة التي تقدم مساعدات طبية للجرحى في قطاع غزة.
وذكرت أن أفراد الوحدة الإسرائيلية الخاصة استخدموا عند دخولهم القطاع، أسماء حقيقية لمواطنين من غزة لا يقطنون في منطقة عبسان شرقي خان يونس، حيث أرادوا تنفيذ عمليتهم الخاصة، وأن الأسماء وبطاقات الهوية "المزيفة" التي استعاروها، تعود إلى مواطنين غزيين حقيقيين يعيشون داخل القطاع.[1]
رفعت "عملية خان يونس" درجات الاحتياط والمراقبة لدى الأجهزة الأمنية على حركة وعمل الوافدين الأجانب في قطاع غزة؛ وكشفت عن خلل في الإجراءات الأمنية المتبعة معهم. كما إنها جاءت بعد نحو شهر من قيام الصحافية الإيطالية "فرانشيسكا بوري" بإجراء مقابلة مع رئيس حركة حماس في القطاع، يحيى السنوار، بمكتبه، ليتضح لاحقاً أنها سبق أن عملت مراسلة لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، علماً أنها دخلت القطاع بصفتها صحافية مستقلة.[2] ثم تبع هذه الحادثة، اشتباه الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، مساء يوم 15 كانون الثاني 2019، بسيارة تُقل ثلاثة إيطاليين تصادف تواجدها في منطقة، وقع فيها إطلاق نار، ثم عملية المطاردة التي انتهت بتوجه سيارة الإيطاليين إلى مقر منظمة اليونسكو التابع للأمم المتحدة في مدينة غزة.[3]
ونقلت وسائل إعلام عن مصادر أمنية أن الإيطاليين كان بحوزتهم سلاحاً أوتوماتيكياً، وأنهم رفضوا الانصياع لحاجز أمني وسط المدينة؛ ما أدى إلى مطاردتها وإطلاق النار عليها، قبل أن تلوذ بالفرار إلى داخل المقر الأممي.[4]
تكشف هذه الحوادث مجتمعة عن خلل في السياسات المتبعة مع دخول الوافدين الأجانب إلى قطاع غزة، فقد اتضح تعدد الجهات الحكومية العاملة في هذا المجال، وعدم وضوع الآليات الأمنية المتّبعة، فنجد أن هناك أربع وزارات حكومية تنسق بشكل رئيسي لدخول الوافدين الأجانب، هي: وزارة الداخلية، وزارة الخارجية، وزارة الصحة، المكتب الإعلامي الحكومي. وتتبع كل جهة حكومية آليات عمل غير مدرجة في نظام أو دليل إجرائي، وهي على النحو الآتي:
أولاً. وزارة الداخلية
يُسمح بدخول الوافدين الأجانب عبر معبر بيت حانون شمال قطاع غزة فقط.
تحتفظ الوزارة بـ "نقطة أمنية" خارج معبر بيت حانون، بدأ العمل بها منذ أيار 2018؛ لأسباب تتعلق بتسليم معبر قطاع غزة بعد اتفاق المصالحة في تشرين الأوّل 2017.
يكلف جهاز المخابرات العامة التابع للداخلية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية، بمتابعة دخول الأجانب وبرامجهم وأنشطتهم، وسلامتهم الأمنية؛ من خلال "لجنة الأجانب" على أُنشئت في تشرين الثاني 2017، علماً أن جهاز المخابرات العامة أنشئ حديثاً في آب 2015 ضمن التعديلات الأمنية التي أجرتها وزارة الداخلية التي كانت تتبع للحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة، في حينه.
تتكون "لجنة الأجانب" من دوائر أمنية عدة وجهتين حكوميتين فقط، هم: وزارة الخارجية، المكتب الإعلامي الحكومي، جهاز المخابرات العامة، دائرة إعلام الداخلية، دائرة الإقامة وشؤون الأجانب، الأمن الداخلي، مباحث السياحة.
يقوم الوافدون الأجانب بتقديم "طلب موافقة دخول أجنبي" من خلال "نظام حكومي محوسب" يتم من خلاله طلب بيانات تفصيلية "شاملة" عن الزائر، تتضمن: بيانات جسمانية كاملة، بيانات المهمة ومرفقاتها، هوية الكفيل، هوية المترجم، الأدوات الفنية ... وغيرها.
شهد العام الماضي 2018 تقديم (2352) طلب موافقة دخول أجنبي، و(661) طلباً منذ بداية العام الحالي 2019، إضافة إلى (118) طلب تصريح "متعدد السفر".
يدخل الزائر الأجنبي قطاع غزة بناء على كفالة داخلية؛ سواء من شخص أو مؤسسة، ولا توجد محددات أو معايير لهذا الكفيل، فيمكن أن يكون طالب لغة إنجليزية أو سائق سيارة.
يتحمّل الكفيل مسؤولية الزائر الأجنبي في الالتزام بالقانون، وأمنه وسلامته، وسلامة العمل، وإبلاغ الأجهزة الأمنية بأي مخالفات تصدر عنه.
تمنح وزارة الداخلية "بعض" الديبلوماسيين الأجانب ما يُسمى بـ "تصريح متعدد السفر" لمدة ثلاثة شهور كتسهيل أمني.
تسمح وزارة الداخلية بدخول "بعض الأجانب" ممن لم يحصلوا على "موافقة أمنية"؛ لأسباب تتعلق بانتهاء صلاحية التصريح المتعدد، على أن يقوم بإجراء معاملة دخول "بأثر رجعي"، ويتم التعامل بذلك وفق متطلبات كل حالة، وهذه الحالات مخصصة للأجانب ممن يرتادون قطاع غزة باستمرار، ولم يُسجّل عليهم جهاز المخابرات أي ملاحظات.
لا توجد معاملات لمسؤولي المنظمات الدولية ومديري المؤسسات الأجنبية، ولا يتم تسجيل دخولهم عبر البرنامج الحكومي.
ترفض بعض الدول العمل مع وزارة الخارجية في قطاع غزة، وبالتالي تقوم وزارة الداخلية بالتعامل مع هذه الدول وفق الأعراف الدولية والديبلوماسية، من خلال إدخال وسطاء مثل منظمات الأمم المتحدة، ويتم إشعارهم بتحمّل جزء من المسؤولية المترتبة على رفض التواصل والتنسيق مع الجهات الحكومية في قطاع غزة.
تستغرق الداخلية مدة 72 ساعة للتحرّي عن الزائر الأجنبي بعد تقديم طلب الدخول، وهي مدة تعتبرها الوزارة غير كافية، لكنها تتعامل بمنطق "المصلحة العامة" التي تقتضي إنجاز المعاملات تحت ضغط الوقت.
يتم التعامل مع مرفقات الوافدين الأجانب وفق الأعراف الديبلوماسية والدولية.
توجد طواقم عمل لدى النقطة الأمنية التابعة للداخلية خارج معبر بيت حانون، ويتم اختيارها ضمن معايير تخدم العمل مع الأجانب، من ناحية امتلاك لغة ثانية، وسلوك حضاري، والالتزام بالسياسات والضوابط.
لا تملك وزارة الداخلية أجهزة إلكترونية متطورة في النقطة الأمنية لها، مثل جهاز بصمة العين، وجهاز فحص "الباركود".
في حال تسجيل مخالفة على زائر أجنبي أو مؤسسة أجنبية، تتخذ الوزارة "إجراءات في إطار القانون"؛ مثل اعتباره "زائراً غير مرحب به" أو إغلاق المؤسسة التي يعمل فيها.
تملك وزارة الداخلية مسودة "دليل إجراءات تعامل مع الأجانب"، لكنها غير منشورة أو منفذة.
ثانياً. وزارة الخارجية
تقوم السياسة العامة لوزارة الخارجية الفلسطينية في التعامل مع الوافدين الأجانب، على تقسيمهم إلى ثلاث فئات، هي:
الديبلوماسيون الرسميون.
المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.
الأجسام التنفيذية لبعض الحكومات، مثل: مؤسسة (TİKA) التركية، ومؤسسة (GIZ) الألمانية.
تهدف وزارة الخارجية إلى تدفق أكبر عدد ممكن من الوفود بما يخدم قضايا واحتياجات قطاع غزة، مع عدم الإخلال بالقانون والاحتياجات الأمنية.
يتم منح تصريح الدخول وفق الإجراءات التالية:
يتم تقديم "طلب مجاني" عبر البوابة الإلكترونية لوزارة الخارجية قبل 72 ساعة على الأقل من موعد الدخول.
يتم إرفاق الطلب بجدول الزيارة بجميع تفاصيله. لكن بعض الجهات لا ترفق هذا الجدول، ويتم التجاوز عن ذلك من الخارجية؛ بداعي الثقة المتبادلة والزيارات المستمرة.
يتم التدقيق والتحري عن هوية الزائرين وأغراض الزيارة.
يتم الرد على جهة تقديم الطلب، ويتم تمكينها من رؤية حالة الطلب؛ سواء بالموافقة أو الرفض.
عند الموافقة، يتم إعلام وزارة الداخلية بموعد الزيارة.
أثناء الدخول من معبر بيت حانون، يتم إجراء عملية التسجيل والتدقيق على أرقام الجوازات من خلال سائق الوفد، لعدم وجود مكان لائق "صالة انتظار".
زيادة في التسهيل لبعض الديبلوماسيين الذين تتطلب حركتهم مرونة، يتم منحهم تصريحاً متعدد السفر (شهر، 3 شهور، 6 شهور كحد أقصى قابل للتجديد).
يتم التعامل مع بعض الجهات بخصوصية أكبر "مثل وفود الاتحاد الأوروبي"، بحيث يتم، نزولاً عند رغبة الوفد، توفير طاقم أمن مرافق لانتظارهم على معبر بيت حانون قبل الوصول، ويتم تسليم أسمائهم لدائرة تسجيل الزائرين، ثم مرافقتهم لمقر الإقامة أو الجولات التي يتم تنفيذها، ثم مرافقتهم للمعبر عند المغادرة.
هناك قرار بالتعامل مع منظمة الأونروا بدون طلب مسبق، ويتم دخولهم من خلال "البطاقة الوظيفية" عبر تسجيل دخول مباشر على معبر بيت حانون، ولا يكون لوزارة الخارجية علم بدخولهم، إنما تعلم بهم وزارة الداخلية فقط من خلال تسجيلهم عبر الموظفين التابعين لها في تسجيل المعبر.
في حال مرافقة وفد (UN) شخصية من غير العاملين، يتم التنسيق المسبق له من خلال المؤسسة الكفيلة.
الصليب الأحمر كجمعية، يوجد اتفاق موقع بينها وبين منظمة التحرير، يتم بموجبة التعامل معها بالإجراءات نفسها المتبعة مع الأونروا، وكذلك في حالة وجود شخصية ترافقهم.
في حالة عدم التزام الوفد الزائر بجدول الزيارة وزيارة أماكن غير المحددة في الجدول، أو أي أمور عرفية أخرى مثل إدخال خمور، تتم "معاتبة" الجهات الراعية للزيارة "الدولة أو المؤسسة الأم" من خلال مكاتبة أو عبر اتصال.
في حال حضور زائر لم يتقدم بطلب لعدم معرفته بالإجراءات المذكورة، يمكن السماح له بكفالة جهة معروفة، عبر اتصال بوزارة الخارجية.
الوفود الخاصة (ضيوف الحكومة مثل أطباء أو حقوقيين ...) يتم تقديم طلب عبر بوابة الوزارة من خلال الوزارة المضيفة المختصة (الصحة، العدل ...).
ثالثاً. المكتب الإعلامي الحكومي
يختص المكتب الإعلامي الحكومي بالتنسيق للصحافيين الأجانب، حيث يتوافد على قطاع غزة، بشكل متكرر ومتواصل، عدد كبير منهم؛ لتغطية الأحداث والمناسبات، أو لإعداد التقارير الصحافية عن الحالة الفلسطينية (اجتماعية، اقتصادية، سياسية ...).
ويمثّل قطاع غزة في كثير من المناسبات نقطة اهتمام تستوجب الدخول إليه والعمل عن قرب، وبالتالي فإن المكتب الإعلامي الحكومي يقوم بترتيب إجراءات دخول الصحافيين الأجانب والإقامة في قطاع غزة، وفق الإجراءات الآتية:
يقوم المكتب الإعلامي الحكومي بمتابعة الطلب لدخول قطاع غزة من خلال مؤسسة رسمية كافلة ومنسقة للصحافي الأجنبي، وتقديم كل الأوراق اللازمة من خلال الموقع الإلكتروني، وهي عملية محوسبة بالكامل، وفق سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي.
يتابع المكتب فنياً من خلال التعرف على سبب الزيارة والتقارير المنوي إعدادها والمدة الزمنية التي يود الزائر الأجنبي قضاءها في قطاع غزة، وتستغرق الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز تصريح الدخول للصحافيين، 48 ساعة.
يتم منح "إقامة" للصحافيين دائمي التردد على قطاع غزة لفترات متفاوتة تصل لسنة كاملة.
عادة يتم استقبال الصحافي الزائر إلى قطاع غزة لأول مرة في المكتب، ويتم الحديث معه حول طبيعة مهمته، وإبداء المساعدة وتقديم شرح عن طبيعة ظروف قطاع غزة.
من خلال عرض المهام والإجراءات الأمنية المتبعة أعلاه من الجهات الحكومية في قطاع غزة، يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات على النحو التالي:
غياب المركزية، فيتضح أن جهات حكومية عدة تدير منفردة وبتنسيق محدود عملية دخول الوافدين الأجانب إلى قطاع غزة.
لا يوجد دليل إجراءات مكتوب وشارح للسياسات المتبعة مع الوافدين الأجانب إلى القطاع.
توجد إشكالية في إجراء إدخال وافدين أجانب عبر المنظمات الدولية وعلى كفالتها، من خلال اتصال بوزارة الخارجية فقط.
عدم كفاية الوقت الممنوح للتحري عن الوافدين الأجانب (72 ساعة)، وخلفياتهم أو هوياتهم الحقيقية.
لا يتم تسجيل كل المرفقات مع الوافدين الأجانب، وتحديداً السلاح، أو حتى الإشعار بحيازته، وهذا كان سبباً في الاشتباه الأمني بسيارة الوافدين الإيطاليين الثلاثة في يوم 15 كانون الثاني 2019.
عدم وجود إجراءات صارمة ضد المخالفين لبرنامج الزيارة المتبع، أو إجراءات التنسيق المتبعة، ويتم الاكتفاء بـ "المعاتبة".
عدم التعامل مع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة على أنها جهة رسمية يمكن التنسيق معها، بل يُنظر لها على أنها "سلطة أمر واقع".
غياب "هيئة الشؤون المدنية" التابعة للسلطة الفلسطينية عن القيام بدورها؛ باعتبارها جهة مسؤولة عن تسجيل الوافدين الأجانب إلى الأراضي الفلسطينية؛ نتيجة الانقسام السياسي.
عدم وجود أجهزة إلكترونية متطورة في كشف بيانات الوافدين الأجانب إلى غزة، والتدقيق فيها.
عدم وجود قنوات اتصال بين الجهات الحكومية في قطاع غزة والسفارات الفلسطينية في الخارج؛ في مهمة التدقيق والتحري عن الوافدين الأجانب؛ نتيجة الانقسام السياسي.
المعايير المعتمدة
تتناول الورقة البدائل التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة، ويتطلب ذلك تحديد معايير محددة تحكمها، وهي كالآتي:
المصلحة العامة التي تفرضها الحاجة إلى تطوير سياسات التعامل مع الوافدين الأجانب إلى قطاع غزة، وخصوصية الوضع الأمني.
مدى امتلاك قيادة العمل الحكومي في قطاع غزة الإرادة لمعالجة الثغرات الأمنية، من خلال تطوير السياسات المتبعة مع الوافدين الأجانب، على النحو الذي يخدم توفير الأمن للفلسطينيين، والإسناد للمقاومة الفلسطينية.
واقعية وإمكانية تنفيذ هذه البدائل، في ظل أمرين: أولاً السعي الإسرائيلي المستمر لمنع تطوير الجوانب الأمنية في قطاع غزة، وثانياً القدرة الفلسطينية على مواجهة ذلك، وامتلاك الوسائل التنفيذية التي تُسهم في تنفيذ هذه البدائل.
توافق البدائل السياساتية مع الأعراف الدولية والديبلوماسية المتبعة مع الزائرين الأجانب، وألا تؤثر على الأهداف المرجوّة منهم، على الجانب الخدمي والإنساني.
المردود الأمني الفاعل في حال العمل على تنفيذ هذه البدائل، وتطوير السياسات.
البدائل السياساتية المقترحة
البديل الأوّل: إدارة حكومية مركزيّة
يستند هذا البديل إلى فكرة توسيع التمثيل الحكومي والأمني في "لجنة الأجانب" التابعة لجهاز المخابرات العامة في قطاع غزة -باعتبار اللجنة هي الجهة المخوّلة رسمياً بمتابعة دخول الأجانب وبرامجهم وأنشطتهم، وسلامتهم الأمنية- بما يسمح بنشوء "إدارة حكومية مركزية" لعملية دخول الوافدين الأجانب إلى القطاع، تشرف، إلى جانب عملها الرئيسي، على تأهيل الكوادر العاملة، ورفع معايير الاختيار للعمل في هذا القطاع، ومحاولة امتلاك الوسائل والأجهزة التقنية المساعدة بكل الوسائل المشروعة، أو غيرها. على أن يشمل التأهيل الأمني:
الإنسان: تدريب موظفين يحظون بثقة عالية، ويعملون بدقة وحذر، ويتم تقييمهم دورياً.
المكان: تحديد مكان مناسب آمن للتخطيط والرقابة، بعيداً عن مكان الاستقبال وتطبيق الإجراءات الأمنية.
التقنيات: استخدام أو ابتكار تقنيات متطورة آمنة مستقلة.
الهيكلية: تضمين الأهداف ضمن العمل المؤسساتي، بتحديد الدوائر المختصة والعلاقات فيما بينها.
الخطة: رسم خطط تحضيرية وتنفيذية وإستراتيجية وطوارئ.
يحظى هذا البديل بمقبولية؛ لأنه يقوم على فكرة توحيد العمل وإدارته، ويزيد من التركيز الإداري، ويضيق هوامش الخطأ، ويسمح بتداول وإخضاع أي قرار أو مشكلة أو ثغرة للتقييم والمعالجة الجماعية، كما إن المسؤولية بموجبه تصبح جماعية وتتراجع معه فرص نشوء الأخطاء الفردية.
إمكانية تطبيق هذا البديل واردة جداً ومتاحة، تحت ضغط الحاجة إلى تصحيح سياسات التعامل مع الوافدين الأجانب بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها قطاع غزة، إضافة إلى الحاجة لتجاوز معضلة الانقسام السياسي، وما يترتب عليه من تشتيت العمل الحكومي وترهله، وانعدام فرص المعالجة، أو الاستدراك السياسي حالياً.
يأتي هذا البديل في إطار ما تنص عليه الأعراف الدولية والديبلوماسية التي تنظم عمل وسلوكيات استقبال الوافدين الأجانب، وبالتالي فإنه يحظى بالمشروعية المطلوبة على المستويين المحلي والدولي، التي تسمح بالعمل وفق الإطار المتاح والمصرّح به.
البديل الثاني: دليل أمني و"قانون مخالفات الأجانب"
يعتمد هذا البديل على صياغة "دليل أمني إجرائي" يتم اتباعه على معابر قطاع غزة، على أن يتم تدارسه والاتفاق عليه بالتفاهم مع المنظمات الدولية؛ على قاعدة الأمن أولاً، وبموازاته، صياغة "قانون مخالفات الأجانب" يعالج أي مخالفة للإجراءات الأمنية المتبعة؛ بما يمسح بتضييق الثغرات، ويضع الزائرين والمنظمات أمام إلزامية العمل بمضمون ما لا يتعارض مع هذا القانون باعتباره نافذاً، وبما يتبع ذلك من التخلص من الحرج الحكومي تحت ضغط الحاجة الإنسانية. والأهم أن يتضمن الدليل محددات ومعايير واضحة تتعلق بالكفلاء، على أن يتم رفع شروط الكفالة، وأن تركز في أهم جوانبها على الأهلية الكاملة، والمقدرة على تحمّل المسؤولية.
يعتبر هذا البديل قابلاً للتطبيق، لكنه يتطلب الوقت الكافي لصياغة بنوده وتشريعاته بمنظور قانوني وأمني بالغ الحساسية.
يمكن ألا يحظى هذا البديل بقبول بعض الجهات الأجنبية دائمة التردد إلى قطاع غزة، أو أصحاب الإقامات، وهذا تحدي يتطلب التعامل معه بحكمة بالغة، بما يحفظ المصلحة العامة، ويحقق تمرير البديل.
لا يفترض أن يكون هذا البديل بديلاً عن الأعراف الدولية والديبلوماسية، بل يمكن أن يكون إضافة عليه، ولا تتعارض معه، مراعاة للخصوصية الأمنية لقطاع غزة.
يحقق تطبيق هذا البديل منفعة كبيرة، باعتبار أنه سيوفّر رقابة ذاتية لدى الزائر الأجنبي على عمله وتحركاته، وفي المقابل يزيل عن الأجهزة الأمنية صفة التردد في التعامل معه، ويمنحها مساحة للتحرك واتخاذ المقتضى الأمني الذي يقرره هذا البديل.
قد تترتب على هذا البديل خسائر تتمثل في رفض المنظمات الدولية تحديداً التعامل معه، أو الاعتراف به، وقد يتسبب بتقييد مرور الوافدين؛ باعتباره يمثل تقييداً على حركتهم وأعمالهم.
البديل الثالث: نظام التموضع العالمي (GBS)
يقوم هذا البديل على فكرة توظيف نظام تحديد المواقع الجغرافية (GBS) في تتبع حركة الوافدين الأجانب في قطاع غزة، بما يسمح بمراقبة تحرّكاتهم، وتوفير معلومات عن الموقع والوقت، كما يخدم التزود بإشارات راجعة حول مدى التزام الزائر الأجنبي بالمهمة التي تقدّم له، وجدول الزيارة المقرر.
قد لا يكون هذا البديل مقبولاً على مستوى المنظمات الدولية والأجنبية العاملة في قطاع غزة، باعتباره يتعارض مع حرية الحركة التي تتيحها لهم الأعراف الدولية والديبلوماسية، ويمكن أن ينظر له على أنه تدخّل غير مبرر في خصوصية عملها. ويمكن في هذه الحالة تقديم مبررات منطقية تقوم على فكرة أن تنفيذ هذا البديل يمنع تكرار سيناريو اختطاف المتضامن الأجنبي "فيتوريو أريغوني" يوم 14 نيسان 2011، أو على الأقل تفادي تلك النهاية المأساوية.
إمكانية تطبيق هذا البديل متاحة، وبخاصة مع توفّر هذه التقنية في الهواتف الذكية، ودخولها خدمة الخرائط لدى شركة "جوجل"، حتى توظيفها في خدمات النقل والتوصيل.
يعود هذا البديل بالنفع على الأجهزة الأمنية، لأنه سيوفر عنها جهد المتابعة والمراقبة، وتوفير السلامة الأمنية للزائرين، وسيفحص مدى التزامهم بجداول الزيارة المقررة.
المفاضلة بين البدائل
تتضمن البدائل المطروحة سياسات تحقق ضبطاً أعلى في الإجراءات المتبعة مع الوافدين الأجانب في قطاع غزة، لذا فإن التكاملية بين كل البدائل الخيار الأكثر تفضيلاً، باعتبار أن المشكلة السياساتية تتعلق بإدارة حركة وفود واسعة ودائمة إلى قطاع غزة، لا يمكن السيطرة عليها من دون منظومة عمل متكاملة؛ لأن ثغرة صغيرة يمكن أن نتفادى المسؤولية عنها، لكن لن نستطيع أن نتفادى النتائج المترتبة عليها. لذا، فالأمن أولاً، والمسؤولية على عاتق الجميع.
الهوامش
[1] الإندبندنت: "فلسطينية متوفاة" فضحت عملية إسرائيل الفاشلة بغزة، الجزيرة مباشر، 3/12/2018. bit.ly/2Pg3Na4
[2] هل خدعت الصحافية الإيطالية السنوار؟، صحيفة الحدث، 4/10/2018. bit.ly/2xzCYrb
[3] انتهاء أزمة احتجاز ثلاثة إيطاليين في غزة، صحيفة الاستقلال، 16/1/2019.bit.ly/2Nq27PH
[4] الداخلية تُوضح حيثيات الاشتباه بسيارة تُقل إيطاليين في غزة، إذاعة صوت الأقصى.bit.ly/3076iBc