ذكرت مصادر سياسيّة وأمنيّة “رفيعة جدًا” في تل أبيب أنّ الانتخابات العامّة التي ستجري بإسرائيل في التاسع من نيسان (أبريل) من العام الجاري، لن تكون عائقًا أمام قيام كيان الاحتلال بشنّ عدوانٍ جديدٍ ضدّ قطاع غزّة، وذلك على ضوء استمرار “أعمال العنف” و”الاستفزازات” من جانب الفلسطينيين في مسيرات العودة الأسبوعيّة ، على حدّ مزاعمها.
ونقل مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، أليكس فيشمان، المُقرّب جدًا من دوائر صنع القرار في المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة،عن مصادره المُطلعّة قولها أنّه مع سقوط ميزانية السلطة الفلسطينية في عجز يبلغ أكثر من أربعين بالمائة، فإنّه من المتوقّع أنّ الفلسطينيين لن يدفعوا وحدهم الثمن، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ الدولة العبريّة ستدفع في النهاية ثمن السعي لتجويع الفلسطينيين، كما أكّد.
واسترجع فيشمان ذكرى من الانتفاضة الأولى قبل ثلاثين عامًا، عندما قام أعضاء فتح في بلدةٍ بالضفة الغربية بتعليق أحد المتعاونين مع الاحتلال من عمود عالٍ، و كإجراءٍ عقابي، قرر قائد الجيش المحليّ إزالة أعمدة الكهرباء. النتيجة: أنفقت الحكومة الإسرائيلية مليون شيكل على إصلاح الكهرباء في المنطقة، مُشيرًا إلى أنّه منذ ذلك الحين لم تتغير عقلية صناعة القرار في إسرائيل، وأضاف أنّه يوم الأحد الماضي قررت الحكومة أنْ تنقل إلى حيز التنفيذ قرارًا سابقًا بخصم نصف مليار شيكل من الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، على أساس أنّه مبلغ يماثل ذلك المدفوع للأسرى وعائلاتهم وعائلات الشهداء.
ورغم أن قرار الحكومة يتمتع بمنطقه الداخلي الخاص من وجهة النظر الصهيونيّة، إلّا أنّ منطق الواقع مختلف بل ومعاكس ولن تضطر إسرائيل في نهاية المطاف إلى تحويل الأموال إلى الفلسطينيين فحسب، بل عليها أن تدفع الفائدة عليها، جازمًا إنّ هذا مماثلاً تمامًا لقصة عمود الكهرباء.
وتابع "السلطة تبدأ عام 2019 بعجز يبلغ 3 مليارات شاقل، من أصل ميزانية سنوية تبلغ 18.5 مليار شيكل، وهذا العجز هو بشكل أساسي ينبع من حقيقة أنّ واشنطن قد توقفت عن ضخ مليار دولار بشكل مباشر وغير مباشر إلى السلطة الفلسطينية، أضف إلى ذلك أن نصف مليار شيكل سيتم خصمها من عائدات الضرائب".
وبحسبه، يترجم هذا الوضع عبر إقالة الموظفين العموميين: الأطباء والمعلمين ورجال الشرطة وما إلى ذلك، بينما تبدأ وكالة الغوث (الأونروا)، العام بعجز قدره 527 مليون دولار، مُذكّرًا أنه في الثاني من كانون الثاني (يناير)، خفض الأميركيون 35 مليون دولار من أصل 61 مليون دولار كانوا يعطونها لقوات الأمن الفلسطينيّة.
وشدّدّت المصادر عينها على أنّه عندما تتعرّض السلطة الفلسطينية لضربةٍ في رام الله، يأتي رد فعلها العنيف في غزة، حيث أعلنت أنّها ستقدم دولارها الأخير لأسر السجناء، فقد قررت بالفعل وقف دفع رواتب أسر 1700 من سجناء حماس من غزة والضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، خفضت الرواتب لخمسة آلاف موظف مدني آخر في غزة، الذين يعتبرون موالين لمحمد دحلان، الرجل القوي السابق لفتح في غزة وحليف عباس الذي تحول إلى عدو.
ورأت المصادر، كما ذكر المُحلّل فيشمان، أنّه الآن هذه الملحمة تهدد بتوجيه ضربة قاضية إلى اقتصاد غزة، هذه الأرقام لها نتيجة واحدة: الاضطرابات، لن يعمل الناس، سينزلون إلى الشوارع، وستكون إسرائيل العنوان لكل تعبيرات الاستياء، وهذا سيؤدي حتمًا إلى أنْ تسعى الحكومة لإيجاد طريقة لاستعادة الهدوء، بأي ثمن فلا أحد يريد انتفاضة أخرى، وبالتأكيد ليس في عام الانتخابات.
بالإضافة إلى ذلك، قالت المصادر للصحيفة العبريّة إنّه ليس من المستغرب أنْ يتخلى نتنياهو عن قرار اقتطاع المبالغ التي تذهب إلى عائلات السجناء متذرعًا بالبيروقراطية، وهو قرار صدر منذ تموز (يوليو) العام الماضي، وكان يفترض تنفيذه في كانون الثاني (يناير) ولكن المناقشة الأخيرة هي انتخابية بالأساس.
في الوقت نفسه، أردفت المصادر الأمنيّة الرفيعة في تل أبيب، يُمكِن لإسرائيل على الأقل أنْ تكون راضيةً عن حقيقة أنّ الأزمة المالية أجبرت حماس على إغلاق بعض مراكزها الدعائية (قناة القدس) و(تلفزيون الأقصى) التابع لحماس لا يدفع الرواتب لموظفيه، وأغلقت المواقع البارزة، و لكن لا يمكن لأحد في إسرائيل أنْ يتنبأ بما سيحدث في غضون ثلاثة أشهر أخرى، عندما تتوقف الملايين القطرية عن الذهاب إلى غزة.
واختتم قائلاً إنّه من ناحية تُصّر المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة على أنّ الحلّ العسكري مدمر، ولكن من ناحية أخرى، فإن الحكومة نفسها تزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في المناطق، مما يعني أزمة في الرعاية المدنية ونتائج ذلك واضحة: سوف تعود إسرائيل إلى المربع الأول، وتدفع الفائدة المركبة على الأموال المحتجزة، وتتحمل كذلك الإدانة العامّة لسياساتها، على حدّ تعبيره.