عندما يدرك العامة من الناس ان البلاد تدار لحساب نخبة وليس لحساب أمة؛ يُصبح الفرد غير قادر على التضحية من أجل وطنه وينصرف باحثا عن مصلحته الخاصة . أليس صحيحا بأن الناس تهاجر بسبب تفاقم القلق وبسبب الاحساس المقيت بأنهم مهما عملوا فلن يأتوا بنتيجة، وأن مايعمرونه في سنة قد يدمر في يوم وبسبب الإحساس بأن المستقبل مقفل وبأن شيئا لن يتغير، وأن السعادة والازدهار ممكنتان فقط في مكان آخر.. !
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصدر امرا بفتح معبر رفح في الثامن عشر من شهر مايو الماضي ،واصبح المعبر يستقبل الحافلات تلو الحافلات في نقلة نوعية لم تشهدها غزة من بعد سنين عجاف . وخلال هذه الفترة سافر اكثر من 18 الف مواطن القطاع من جميع الشرائح "مرضى وطلاب واصحاب الاقامات وعقود العمل بالخارج والزوجات العالقات... " والكل يعلم بأن هناك شريحة لا بأس بها تريد الذهاب دون عودة .
"وكالة سما" تواصلت مع احدى العائلات التي سافرت مؤخرا من معبر رفح دفعة واحدة لنقل مقر اقامتها لدولة عربية شقيقة.
تقول أمنية ان والدها "طبيب" قرر الهجرة من غزة "بلا رجعة" لإقامة مشروع في بلد عربي ، والبدء من جديد بعد انسداد الافق وسوء الاوضاع في القطاع فحال غزة لن يتغير وتقول "صارلنا 11 سنة واكتر واحنا بنقول بكرة بتفرج وما تغير اشي " .
وترغب العشرينية "امنية" بأن تكمل دارستها العليا وان تحصل على الوظيفة التي ترغب بها وان تكون هناك خيارات كثيرة لبناء مستقبلها وليست محدودة كما كانت في غزة .
الشاب احمد 28 عاما مهندس الكترونيات قابلته "سما" وكان من ضمن الحالات المرجعة من المعبر .
ويقول قررت ان اترك غزة بعد سنين وانا احاول ان اجد فرصة عمل اكون بها مستقبلي والعمر الذي ضاع مني سدى .
وبعد سماعي لخبر فتح المعبر لفترة طويلة جهزت فيزا سياحة لدولة الامارات من أجل السفر والاستقرار فيها وقبل انقضاء فترة الزيارة سيقوم احد اقاربي بتوظيفي بشركته وتتحول بذلك لفيزا عمل ، ولكن حلمه قد تبخر بعد ان رفضت السلطات المصرية دخوله الاراضي المصرية .
وفي سياق متصل قال علي الحايك رئيس جمعية رجال الأعمال أمس الاربعاء إن أزمات قطاع غزة الاقتصادية والانسانية وصلت لأسوأ مرحلها، فأصحاب الأموال والسكان أصبحوا يهربون من الواقع الاقتصادي السيئ للخارج بحثاً عن فرص استثمارية جديدة .
وأضاف الحايك في تصريح صحفي إن تفشي الازمات خلق نوع من الكبت وفقد الأمل في غزة، حيث أن 68% من الأسر أصبحت تحت عتبة الفقر, و46% منهم ضمن العاطلين عن العمل ،ناهيك عن أن 80% من السكان أصبحوا يعتمدون على المساعدات الانسانية.
وأشار الحايك إلى أن الكثير من رجال الاعمال أفلسوا، وجلسوا بمنازلهم بفعل الأزمات التي أنتجها الحصار الاسرائيلي والانقسام الفلسطيني، أضيف إليهم أجيال كاملة من خريجي الجامعات الفلسطينية مبيناً أن 190 ألف خريج دوّنوا أسماءهم في كشوفات البطالة بقطاع غزة.
وعلى الصعيد الحقوقي والانساني التقت "سما" مع الباحث الحقوقي مصطفى ابراهيم واعتبر هجرة الناس من القطاع هي شبه ظاهرة لأن المعبر مفتوح ولكن بقيود ومن سافر خلال فتح المعبر طوال هذه الفترة قد يسافروا في يوم عبر معبر الكرامة في اريحا .
واضاف "لكن يوجد مخاوف كبيرة لان هناك قناعة تامة لدى الناس ان الافق مسدود والمأساة كبيرة والناس تريد حياة امنة وتريد عمل واستقرار وبناء مستقلبها ، ولا يمكن ان نجبر الناس على البقاء في ظل الفقر والبطالة والانقسام والحصار وانعدام الامن واستمرار العقوبات" .
وأكد "ابرهيم" ان الاحتلال يعتبر هجرة الشباب الفلسطيني مطلب استراتيجي له وقد فشل في ذلك في عدة حقبات ، ولكن اصبحنا نحن اليوم جزء من الازمة والاحزاب والفصائل يتحملون الجزء الاكبر من هذه المشكلة لان الوضع السياسي القائم معقد ولا يوجد أمل في وجود حل وكل هذا يخدم اهداف الاحتلال.
وختم ابراهيم حديثه "لسما" بالقول " يجب ان تكون هناك خطوات عملية وجدية واستراتيجية وطنية لانهاء الانقسام و اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية لكي يعزفوا الناسعن فكرة الهجرة للمجهول" .