يكتب عوديد شالوم في "يديعوت أحرونوت" أنه يتم إعلان حالة التأهب في حقول القمح قبل الساعة الرابعة بعد الظهر. ففي ذلك الوقت تهب رياح غربية قوية، تجلب معها الطائرات الورقية المحترقة من قطاع غزة، وتقوم عيون المزارعين هنا بمسح السماء الرمادية بعصبية، برصد النيران في السماء الداكنة بعصبية، محاولين التنبؤ بالمصيبة قبل سقوطها في حقولهم وإحراقها.
وصلنا مساء الثلاثاء إلى نيرعام ووجدنا عوفر ليبرمان، مدير فرع المحاصيل الحقلية في الكيبوتس في القطعة التي شقتها بقعة سوداء محروقة خلفها الحريق. كان ليبرمان يحمل في يديه المتهم: طائرة مصنوعة من النايلون الشفاف تعلق على ثلاثة عصي خشبية، وذيلها مربوطً بقطعة من قماش محترق، المنقوع بالوقود، والملفوف بورق فضي. في وقت لاحق، سيقول لنا حنان كوهين، وهي صانع طائرات ورقية مخضرم، "إن هذه الطائرة الورقية نعرفها كصناعة إسرائيلية، وكنا نعدها في طفولتنا من الاغصان. والآن يقوم أطفال غزة بإعدادها بمساعدة أي نوع من عيدان الخشب خلال ربع ساعة من العمل الذي لا يحتاج إلى جهد.
لكن ليبرمان لا يهتم بنوع الطائرات الورقية. الطيارات تحرق له القمح وهو غاضب. نير عام تملك 5000 دونم من حقول القمح، ومنذ بدأ الجيران في غزة بإرسال الطائرات الورقية منذ شهر تم إحراق اكثر من 500 دونم. وهذا فقط في نيرعام. لقد طالت النيران كل حقول القمح تقريبا في شمال غلاف غزة. في كيبوتس كفار عزة وكيبوتس ناحال عوز في شمال قطاع غزة وفي منطقة أشكول، أحرقت الطائرات الورقية بشكل أساسي الغابات التي زرعها سكان كيبوتس باري بعد هجرتهم إلى المكان في عام 1946.
قبل وصولنا إلى نير عام، وصلنا إلى برج المراقبة التابع لدائرة أراضي إسرائيل في غابة باري. قافلة من خلاطات الخرسانة وصلت إلى الحدود، حيث تقوم المؤسسة الأمنية بانشاء حاجز تحت الأرض ضد الأنفاق، ولكن من المفارقات: في الوقت الذي تصب فيه إسرائيل المليارات على الحاجز الأرضي في قطاع غزة، طوّر أولاد غزة أسلحة بقرش ونصف.
يقول موشيه بروخي، المشرف على غابات دائرة أرض إسرائيل في النقب الغربي، إن أول طائرة ورقية سقطت في الغابة في 11 نيسان، ومنذ ذلك الحين قام هو ورجاله بإحصاء 45 حريقًا، التهمت حوالي 900 دونم. ويضيف: "أنا أتواجد منذ 31 عاما في غابات غلاف غزة ولم يسبق لي أن شاهدت ظاهرة كهذه. كانت لدينا حرائق نتيجة سقوط قذائف الإضاءة، ولكن الطائرات الورقية هي سلاح جديد. لقد سقطت الطائرة الورقية الأولى في الجزء الغربي من الغابة، على بعد 400 متر من السياج. وكان سكان غزة يصوروننا ونحن نخمد النار ونشروا الفيديو على يوتيوب. منذ ذلك الحين، وهم يخبطوننا، يسخرون منا. لدينا سيارة إطفاء واحدة هنا وقد تلقينا تعزيزات من محطة الإطفاء في نتيفوت. نحن بحاجة إلى قبة حديدية هنا مضادة للطائرات الورقية. كان الحريق الأخير يوم أمس في الساعة الرابعة عصرًا، ولحسن الحظ كان فريق الإطفاء على بعد 300 متر من الحريق. وصلنا بسرعة قبل انتشارها. لكن في ليلة "لاغ بعومر" نظموا لنا هنا حريقا مرتبا. لقد سقطت طائرة ورقية موصولة بأكياس وقود وأحرقت حوالي 500 دونم من الغابات، وهو حدث بدأ في الساعة الثانية ظهرا وانتهى في الساعة التاسعة مساء. لقد عمل 12 طاقم إطفاء هنا".
“إنها تصبح أكثر تعقيدا في كل وقت”
كان حنان كوهين، 56 سنة، يحب بناء الطائرات الورقية حين كان صبيا في كيبوتس مشمار هانيغف. عندما بلغ درس الفن في أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم، وبدأ في الاستثمار في الأقمشة والقضبان الخاصة وحول الهواية إلى فن متصل بالخيوط ويعتمد على الرياح. يقول: "هناك العديد من أنواع الطائرات الورقية، لكننا تعلمنا عندما كنا صغارا بأخذ ثلاث غصون من الأشجار، وربطها في الوسط، وتمديد سلسلة من الخيوط على محيطها وإلصاق ورقة عليها، وصنع ذيل جميل وربطها بخيط. هذه هي الطائرات الورقية التي تطير إلى الحقول في محيط غزة، أنا أسميها الطائرة الورقية الإسرائيلية".
وقال الخبير في الطائرات الورقية ايلي شافيت: "في القرن الثاني قبل الميلاد، كان الصينيون يطيرون الطائرات الورقية المحترقة ويرسلونها فوق المدن المحاصرة لزرع الخوف، كما أنهم كانوا يعلقون فيها مزامير الرياح، وعندما تهب الرياح تنفجر منها الأصوات التي من شأنها أن تخيف العدو. في بداية القرن العشرين كانت لا تزال هناك وحدات طائرات ورقية في جيوش إنجلترا وفرنسا، وكانت تستخدم لمراقبة الجيوش وإصابة الأساطيل الجوية".
عندما وصلنا إلى ليبرمان، أرسل لنا مزارع من كيبوتس كفار عزة صورة لذيل طائرة ورقية مشتعلة وجدها في حقله. لقد ربطه أطفال غزة ببالون أعياد الميلاد، والذي ملأوه بالوقود وكان مكتوبا عليه بالعبرية: "عيد سعيد". بالنسبة لليبرمان هذا ليس مسلّيا. وقال بإحباط شديد "إنهم يتطورون طوال الوقت، لقد بدأوا بطائرات تحمل ألوان علم فلسطين، لكنهم أدركوا أننا حددناها في الهواء بسبب الألوان وتحولوا إلى النايلون الشفاف الذي لا يمكن رؤيته في الجو، وقد سقطت هذه الطائرات الشفافة لدينا فجأة. لقد تعرضت ستة قسائم أرض لدينا للضرر، وهذا لا يتوقف على حقول القمح، بل أصاب أيضا أنظمة الري. هو ضرر مضاعف، وماذا عن ساعات العمل الإضافي، أليست ضررا، وهذا كله بسبب الطائرات. هذا لا يصدق."
في الساعة الرابعة إلا ربع، تهب الرياح الغربية المجنونة. يضيء الحقل المزروع ويهرع الجميع إلى هناك. تشوكي وتوي، عاملان من تايلند، يقودان الجرارات ويحرثان الأرض حول الحريق، ويخلقان منطقة عازلة لا تنتشر بعدها النار. كل ما تبقى هو أن نرى النار تندفع بجنون في بحر السنابل وتدمره خلال ثواني. يفحص ليبرمان الطيارة ويحولها إلى المنسق الأمني. ولا يستغرق الأمر نصف ساعة حتى يصل تقرير عن حريق في منطقة مراعي البقر، جنوب غرب الكيبوتس. شاحنة إطفاء من عسقلان، تصل إلى المنطقة. يعمل رجال الإطفاء بمهارة، ويرشون المياه. سألنا عن المكان الذي قاموا فيه بإطفاء حريق في اليوم نفسه، فقال أحدهم، نيف: "واي واي، أين لم نعمل؟ في جميع الحقول في المنطقة أطفأنا نيران اليوم".
يتزايد الإحباط حاليا، في ظل عدم وجود حل لظاهرة الطائرات الورقية. في الأسبوع الماضي عزز الجيش نفسه بحوامتين صغيرتين لاعتراض الطائرات الورقية، لكنه تم إسقاطهما من قبل الشبان الغزيين بعد أن رشقوها بالحجارة باستخدام المقلاع.