في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل ما تصفه بسياسة الضبط تجاه الوضع في قطاع غزة وتوجه اهتمامها الأساسي للجبهة الشمالية، حيث يساورها القلق من استعادة سيطرة النظام السوري على المناطق الحدودية ومن النفوذ الإيراني المتزايد في تلك المناطق، تزداد التحذيرات من انفجار الوضع في القطاع بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي الذي بات يهدد بانهيار نهائي لقطاع الأعمال نتيجة الفقر المتزايد للسكان، وعلى أرضية النقص الكبير في تزويد الكهرباء والمياه والخدمات الطبية.
وفي مسعى لتخفيف حدة الاحتقان، جاء قرار وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، القاضي بالعودة إلى تزويد القطاع بكمية الطاقة التي كان يحصل عليها قبل سبعة أشهر، عندما خفضت السلطة الفلسطينية مساهمتها في تكاليف الكهرباء من 40 مليون شيكل إلى 25 مليون شيكل، والذي رفع عدد الساعات التي يحصل فيها المواطن الغزي على الكهرباء من أربع ساعات يوميا إلى ست ساعات يوميا، علما أنه أبقى هذا المواطن بدون كهرباء 18 أنه أبقى أبقى
ساعة.
كما تدرس إسرائيل القيام بتسهيلات إضافية، بينها زيادة تزويد القطاع بالبضائع، وكان عدد الشاحنات التي تمر من معبر كرم أبو سالم قد انخفض إلى النصف بسبب تقلص القوة الشرائية للسكان، وكذلك إعطاء تصاريح لمشاريع في مجال البنية التحتية بتمويل من دول الخليج.
الغزيون الذين علقوا آمالهم على المصالحة كسبيل للخلاص، صدموا مرة أخرى بالجمود الذي يعتري عملية نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية، وفي هذا الإطار يرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هاريئيل، أن أسباب هذا الجمود تعود إلى اقتناع أبو مازن بأن المصالحة لن تجلب له الفائدة وهو لا يتعجل التقدم في تولي الصلاحيات طالما لا تقوم حماس بإخضاع ذراعها العسكري للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي لن ترضى به الأخيرة.
في غضون ذلك، تكسر بعض الأصوات الإسرائيلية روتين سياسة الضبط المتبعة تجاه القطاع، مطالبة بشن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق، يتم خلالها تفكيك القوة العسكرية لحماس في قطاع غزة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى المقال الذي كتبه موشيه سنيه، وهو رئيس مركز الحوار الإستراتيجي في كلية نتانيا وضابط احتياط ووزير ونائب وزير أمن سابق في الحكومة الإسرائيلية، الذي يرى أن الطرف الوحيد القادر على معالجة القوة العسكرية لحماس (ومنظمات السلفية والجهاد) وتفكيك قوتها العسكرية هو الجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الأمر يحتاج إلى عملية عسكرية صعبة ومتواصلة، ولكن بعكس النبوءات المتشائمة التي تنتشر أحيانا، فإن عملية كتلك تكون فائدتها ليس باحتلال القطاع، بل بتفكيك ما يسميها بـ"قاعدة الإرهاب" الواقعة على بعد كيلومتر واحد من سديروت وبضعة كيلومترات من أشكلون، وإيجاد حل سياسي اقتصادي مدمج بمشاركة فعالة من دول عربية في المنطقة.
ويرى سنيه أن أي عملية عسكرية لا تضع لها هدف تفكيك قوة حماس العسكرية، هي عملية لا تستحق الخسائر البشرية التي ستجلبها على جنود الجيش الإسرائيلي، ومن غير المفيد القيام بها أصلا، لأن الردع الوحيد تجاه قادة حماس، برأيه، هو المس بهم شخصيا وإذا ما تم ذلك فالمنطق يقول إنه يجب تفكيك مراكز قوتهم العسكرية.
ويتضمن اقتراح سنيه عمليا تفكيك القوة العسكرية لحماس بالقوة وتسليم مسؤولية القطاع للسلطة الفلسطينية وذلك في نطاق حل شامل عسكري، سياسي واقتصادي لما يصفه بمأزق قطاع غزة. هذا الاقتراح موجود على الأجندة الإسرائيلية وما يعيق تنفيذه هو حجم الخسائر التي سيتكبدها الجيش الإسرائيلي في حال دخوله مثل هذه المغامرة، والثمن الذي على استعداد أن يدفعه أبو مازن لقاء تسليمه القطاع من أراضي الضفة الغربية.