استمعت جيدا للقاء السيد حسن نصر الله الذي أجراه معه الأستاذ سامي كليب على شاشة الميادين في برنامج لعبة الأمم. وكعادتي، لا أكاد أغيب عن كلمات السيد حسن لأنها تشكل قاعدة معرفية محكمة حول ما يدور في المنطقة العربية الإسلامية. وقد عهدت بالسيد حسن الصدق والأمانة في مخاطبته للناس، وهو لا يزايد، ولا يناقص ولا يبالغ، ويتحدث دائما بقدر حجمه المعلن. ودائما حجمه غير المعلن (المخفي) أكبر من حجمه المعلن، وهو لا يحب أن يعلن عن المخفي إلا في ميدان القتال ليفاجئ العدو. وفي هذا ما يختلف فيه السيد عن قادة وحكام العرب الذين يُلبسون أنفسهم في العادة عباءات تتسع لعشرة أضعافهم وما يزيد.
اعتدنا على قادة وحكام يكذبون ويبالغون ويستبدون وينهبون ويستعبدون، وبينهم وبين الحقيقة خصام وجفاء، فاعتدنا ألا نسمعهم أو أن نقيم لهم وزنا.
السيد حسن قائد مختلف، وهو بالتأكيد ليس متناسبا مع البيئة الفكرية والثقافية والتربوية السائدة في الساحة العربية. وهناك بالتأكيد من يختلفون معه بالمواقف والتحليل والرؤى، لكن قاعدة كلامه تنطلق غالبا من معلومات وقناعات راسخة ومبادئ غير قابلة للمساومة. هناك من اختلفوا معه بصورة جذرية فيما يتعلق بالمسألة السورية، لكن السيد كان واضحا في تفسيره لمواقفه هذه بخاصة فيما يتعلق بمستقبله هو كتنظيم مقاوم، وفيما يتعلق بمستقبل المنطقة والهيمنة الأمريكية الصهيونية عليها.
كان لافتا جدا تصريح السيد حسن حول سؤال أحرجه حول راتبه. برغم الحرج باح بأن راتبه 1300 $ فقط، وفي هذا ما يكفيه ويكفي عائلته لأنهم ليسوا شهوانيين، وهم من الزاهدين في الحياة، ولا يطلبون أكثر مما تحتمل ميزانية المقاومة. أموال المقاومة في أغلبها تأتي من التبرعات والمساهمات الشخصية والدعم الإيراني، ومن كانت أمواله من غير جيبه عليه أن يقتصد ويحسب حسابا لكل قرش كيف يُصرف وأين.
حاول الأستاذ سامي أن ينتزع منه سبقا صحفيا حول سلاح إسقاط الطائرات لكنه لم ينجح. وهذا شيء جميل عند حزب الله. الحزب لا يعلن عن أسلحته إلا في الوقت المناسب حتى لا يعطي العدو فرصة لتدبر أمره قبل أن تقع الواقعة. والجميل أيضا أن درجة التحصين الأمني لدى الحزب عالية جدا. إنها ليست مطلقة والدليل على ذلك أن الأعداء اغتالوا بعض قادة الحزب، وتسللوا إلى مناطق لبنانية وزرعوا أجهزة تجسس، لكن الأمر لا يُقارن أبدا مع البلدان العربية المنخورة بقوة من قبل المخابرات الصهيونية. هناك تدقيق أمني مستمر لدى الحزب، وهو لا يترك الأمور للصدف. وسبق أن اعتلى بيروت في 7/أيار دفاعا عن حصنه الأمني الذي عملت الحكومة اللبنانية يوما على تدميره. التحصين الأمني هو نَفَس الحزب وضمان استمراه.
السيد حسن قائد حقيقي من حيث الشخصية والقدرة على مخاطبة الناس، ومن حيث العقلانية وقوة المنطق والقدرة التحليلية/ والقدرة على استشراف المستقبل وتكوين رؤى وفقا لمعطيات الحاضر وتوجهات قادم الأيام. وهو مخطط استراتيجي من الدرجة الأولى، وصاحب طاقة تكتيكية تمكنه وتمكن الحزب من تخطي العديد من المثالب والصعاب لصالحه. ويكفيه أنه تغلب على كل المؤامرات العربية وغير العربية التي كانت تهدف إلى إشعال حرب أهلية في لبنان وإغراق البلد بالتفجيرات والصراعات المسلحة. ولو اصطف الشعب اللبناني خلفه لأصبح هو وأصبح لبنان قائدين تاريخيين للأمة العربية جمعاء. الأمة العربية بحاجة لقائد محنك وصاحب معرفة وعلم ومنطق ورؤية، لكن أعداء السيد حسن كثر، وكلهم يتكالبون من أجل القضاء عليه وعلى حزبه، وهم مستعدون للقيام بكل الأعمال القذرة بما فيها فتنة الناس وإراقة دمائهم من أجل هذا الهدف.
تحدث السيد حسن عن محور المقاومة، وضخ الكثير من التفاؤل في نفوس العرب الذين ينشدون الحرية والتخلص من الهيمنة الأمريكية والأنظمة العربية المتخلفة. وقناعتي أن محور المقاومة ما زال في طور التكوين على الرغم من أن عناصره جاهزة وقادرة، ومن المحتمل ألا يتم لمس الآثار القوية لهذا المحور قبل سنتين من الآن. ما زالت سوريا والعراق في طور لملمة الجراح، وإيران ما زالت تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والمالية، ومعاداة الدول الغربية بخاصة الولايات المتحدة. ومن المفروض أن يبقى هذا المحور متيقظا للمشاكل التي سيصنعها قادة وحكام كثر لدوله وأقطابه. ستشهد أقطاب هذه المحور المؤامرة تلو الأخرى، والمنافذ نحو الإشغال والاستنزاف كثيرة. وأهم نقطة في كل هذا الموضوع تكمن في حرص أقطاب المحور على عدم فتح ثغرات يمكن أن ينفذ من خلالها الآخرون، وإغلاق الثغرات التي ما زالت موجودة حتى الآن.
أما على المستوى الفلسطيني، فأشار السيد حسن أنه اجتمع مع ممثلي هذه الفصائل، ووجد منها كل التجاوب والرغبة في التعاون. وأشار أنه التقى بعض الشخصيات من حركة فتح ولم يفصل حول ما دار. وكون الحركة التقت به فإن في اللقاء ما يؤشر إلى احتمال وجود مقاربة جديدة للقضية الفلسطينية من قبل الحركة.
في حديث السيد حسن نقص في المعلومات حول الداخل الفلسطيني والتفاعلات الاجتماعية والسياسية والنفسية التي جرت في الأرض المحتلة/67. ولو توفرت له المعلومات الكافية، وعاش أجواء الضفة الغربية وقطاع غزة، لتطورت لديه معرفة أفضل تدعم مشاركته في البحث عن حلول للانقسامات الفلسطينية والمقاربات السياسية الفاشلة.
كاتب فلسطيني