لطالما تعرض صائب عريقات، المفاوض الفلسطيني البارز، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لحملات كراهية من اليمين الإسرائيلي، منذ أن برز على الساحة السياسية، مرتديا الكوفية الفلسطينية الشهيرة، خلال عضويته لوفد المفاوضات الفلسطيني في مؤتمر مدريد للسلام، عام 1991.
لكن عريقات (62 عاما)، الذي فاوض 6 رؤساء وزراء إسرائيليين سعيا إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المأمولة، يجد نفسه اليوم عرضة لحملة تحريض إسرائيلية متفاقمة، ليس لها علاقة بالمفاوضات، وإنما بصحته الشخصية.
فقد أكد مسؤول فلسطيني، مقرب من عريقات، أنه “يعاني من فيروس فريد في الرئة، تسبب له بحالة تليف رئوي، جعلته بحاجة ماسة إلى زرع رئة“.
تحريض برلماني
ومع انتشار أنباء مرض عريقات وحاجته إلى متبرع، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، سارعت شخصيات وجهات يمينية إسرائيلية إلى التحريض ضده، والمطالبة بعدم منحه رئة في حال توافرها في إسرائيل.
التحريض على عريقات بدأ من مستوطنين ونشطاء إسرائيليين، ثم امتد إلى أعضاء في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي.
وكتبت عضو “الكنيست” من حزب “الليكود” اليميني الحاكم، عنات بيركو، على صفحتها بموقع “فيسبوك”: “لا حاجة لإخفاء الحقائق، صائب عريقات هو عدو لدولة إسرائيل”.
على مدى سنوات استخدم إسرائيليون وفلسطينيون أعضاء جسدية تم التبرع بها عند الحاجة، باعتبار ذلك شأنا إنسانيا، قبل أن تكون له أي اعتبارات سياسية.
لكن منذ أيام لم تتوقف حملات اليمين الإسرائيلي للضغط بهدف عدم منح عريقات رئة، حتى وإن توفر متبرع بها.
وكتبت بيركو: “سنرعي مواطني دولة إسرائيل، وليس جلادينا”.
ولم تكن بيركو الأولى في التحريض على عريقات، لكنها أول شخص يحظى بمنصب رسمي، ويتحدث صراحة عن رفض منح رئة لعريقات.
ضغوط على وزارة الصحة
التحريض على عريقات لا يمارسه أشخاص فقط، إذ وجهت المنظمة اليمينية الإسرائيلية “شورات هدين” (مركز القانون)، رسالة، الأحد الماضي، إلى وزارة الصحة الإسرائيلية والمركز الوطني لزراع الأعضاء البشرية، تطلب فيها إزالة اسم عريقات من قائمة الانتظار، في حال كان اسمه موجودا.
وذكرت القناة التلفزيونية السابعة التابعة للمستوطنين الإسرائيليين أن 50 جنديا وضابط احتياط إسرائيلي، ممن شاركوا في العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية عام 2002، انضموا إلى رسالة “شورات هدين” (غير حكومية).
وجاء في الرسالة أنه “لا يمكن تصور أن شخصا يُشهّر بالمواطنين الإسرائيليين وبجنود الجيش الإسرائيلي يتلقى هِبة من هؤلاء المواطنين أو الجنود”.
ووصفت الرسالة عريقات بأنه شخص “يدعو إلى مقاطعة دولة إسرائيل، وإلى فرض عقوبات عليها، ويقود حركة المقاطعة لعزل وإيذاء إسرائيل”.
وتابعت: “علمنا من رد وزارة الصحة والمركز الوطني لزرع الأعضاء أن طلب عريقات وضعه على قائمة الانتظار لعملية زرع الرئة في إسرائيل سوف يرفض، لأنه ليس مواطنا إسرائيليا”.
وأضافت الرسالة: “ومع ذلك، فقد أوضحت (وزارة الصحة) أنه في بعض الحالات، عندما لا يكون هناك تطابق بين أولئك (الإسرائيليين) الذين ينتظرون عملية زرع الرئة، والرئة المتاحة للزرع، فإن لجنة الزرع تعرض الزرع لمواطن غير إسرائيلي، مشترطا موافقة أسرة المانح”.
وتابعت “شورات هدين”، وهي مختصة بتقديم دعاوى قانونية ضد الفلسطينيين، في رسالتها:” يجب أن نوضح أن هذا (الاستثناء) غير ملائم وينبغي رفضه.. لا نعتبر أنه من المناسب إضافة الألم والحزن من خلال إضفاء الشرعية على خطوة غير منطقية، وهي مساعدة عنصر معاد لإسرائيل ليس فقط يرفض وجود المجتمع الإسرائيلي، بل يعمل أيضا على تدميره ونزع الشرعية عنه”.
وختمت الرسالة بالقول:” من غير الملائم لدولة إسرائيل أو مواطنيها أن تعطي حياة لشخص يتصرف بشكل منهجي لإيذائها بشكل قاتل”.
حالات نادرة
وإزاء هذه الحملة، قال المركز الوطني لزرع الأعضاء البشرية في إسرائيل، إنه “يمكن فقط للمرضى من مواطني دولة إسرائيل التسجيل في قائمة الانتظار لزرع الأعضاء”، بحسب تصريح مكتوب، يوم الجمعة الماضي.
وأضاف: “يتم تحديد أولويات زرع الأعضاء وفقا لمعايير طبية، بدون استثناء، وفق مبدأ أن سكان إسرائيل الذين يحتاجون للزرع هم فقط من يحصلون على التبرع″.
وأوضح المركز الإسرائيلي أنه “في حال عدم وجود مريض إسرائيلي للحصول على التبرع، فإن العضو المتبرع به يمكن نقله إلى مواطن غير إسرائيلي، وذلك رهنا بموافقة الجهة المانحة، وبالتنسيق مع مركز زرع، وهذه الحالات نادرة للغاية”.
ويفتح المركز الوطني لزرع الأعضاء في إسرائيل باب التبرع بالأعضاء أمام المواطنين اليهود والعرب على سواء.
ويشكل العرب نحو 20% من عدد السكان في إسرائيل.
70 رئة مطلوبة
وفق الموقع الإلكتروني للمركز الوطني لزرع الأعضاء، فإن أكثر من ألف شخص بالغ ينتظرون زرع أعضاء، بينهم 70 ينتظرون زرع رئة.
ويفيد الموقع بأن “حوالي 250 فقط من المنتظرين يحظون بالزرع في العام القادم، وحوالي 100 يلاقون حتفهم خلال الانتظار، وفي كل عام يضاف مئات المرضى إلى قائمة الانتظار (..) عدد المنتظرين يتغير ويتعدل في الموْقع مع كل بداية سنة”.
ويلفت المركز إلى أن عمليات الزرع في إسرائيل “متطورة”، وأن “هناك نسب نجاح عالية جداً لعمليات زراع الأعضاء في إسرائيل، ونسبة المرضى الأحياء بعد الزرع تفوق الـ90 %، أسوة بمعطيات أخرى في دول العالم الغربي”.
ويضيف أنه “يعيش في البلاد اليوم أشخاص أجريت لهم عمليات زرع قبل 15 و20 سنة”.
مهام يومية
وما زال عريقات يقوم بمهام عمله اليومية من خلال لقاءات مع دبلوماسيين أجانب وإجراء اتصالات دولية، ولكنه مع ذلك ينتظر متبرع للحصول على رئة.
واجتمع عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأربعاء، مع أربعة مسؤولين دوليين، بحسب بيان أصدره مكتبه.
وعريقات من مواليد بلدة أبو ديس، شرق مدينة القدس المحتلة، عام 1955، وتلقى تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يعمل محاضرا جامعيا وصحفيا.
وبرز عريقات عندما كان عضوا في الوفد الفلسطيني المفاوض بمؤتمر مدريد للسلام، عام 1991، وترأس الوفد الفلسطيني منذ عام 1996.
وكان أول وزير للحكم المحلي في أول حكومة فلسطينية، يترأسها الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات (1929 – 2004).
وانتخب عريقات عضوا في المجلس التشريعي (البرلمان) الفلسطيني عن دائرة أريحا، حيث يقيم، عامي 1996 و2006.
وفي عام 2009، انتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وانضم في العام ذاته إلى عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقا اختيرا لمنصب أمين سر اللجنة.
“أمر معيب” و”وسام شرف”
تحريض بعض القيادات الإسرائيلية ضد عريقات اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، أنه “أمر معيب”، وفي الوقت نفسه “وسام شرف لعريقات، ولمواقفه الوطنية”.
أبو يوسف مضى قائلا، إنه “لا يجوز الخلط إطلاقا بين موضوع إنساني وموضوع سياسي”.
وشدد على أن “عريقات شخصية فلسطينية وطنية تحظى باحترام كبير بين مختلف الأوساط، فقد جسّد بمواقفه الوطنية نضال الشعب الفلسطيني ومسيرته التحررية، عبر تأكيده المستمر على أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ونيل الشعب الفلسطيني حقه في الحرية وتقرير المصير”.
رسائل قاسية
ووفق صحيفة “نيويورك تايمز″ الأمريكية، في تقرير نشرته الأسبوع الماضي، فإن مواقع إخبارية إسرائيلية نشرت رسائل “قاسية”، حيث “تمنَّت لعريقات موتاً سريعاً”.
وكتب قاريء على أحد هذه المواقع: “عملية زرع رئة؟ انسَ الأمر. لكن السجائر ستكون على نفقتي”، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويعد عريقات أحد أكثر قيادات حركة “فتح” ومنظمة التحرير قرباً من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس.
وجمع عريقات خبراته التفاوضية في كتاب أطلق عليه اسم “الحياة مفاوضات” (2008)، ثم تبعه بكتاب بعنوان “عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر” (2014)، وهو دراسة مقارنة بين سبعة عناصر للتفاوض حددها عالم المفاوضات الأمريكي فيشر، وعناصر التفاوض الـ12 عند سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أي دراسة مقارنة بين السلوك التفاوضي الغربي والسلوك التفاوضي العربي– الإسلامي.
وسعت وكالة الأناضول للحصول على تعقيب من عريقات، لكنه اعتذر، معتبرا قضية مرضه شأنا شخصيا يتعلق به وبعائلته فقط.
ويقول اليمين الإسرائيلي إن عريقات دفع شخصيا بإتجاه تدويل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من خلال طرح حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والإنضمام الى العديد من المعاهدات والمؤسسات والإتفاقيات الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية ومعاهدات جنيف الرابعة.
كما يقف عريقات على رأس لجنة تضم ممثلي فصائل، بما فيها ممثل عن حركة “حماس″، ومؤسسات أهلية فلسطينية مسؤولة عن تزيد المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بالمستندات التي تثبت تورط مسؤولين إسرائيليين في جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
ودعم عريقات في اكثر من مناسبة الجهود التي تقوم بها حركة المقاطعة وسحب الإستثمارات من إسرائيل (BDS) الناشطة في فلسطين وفي أنحاء العالم والتي اعلنت إسرائيل الحرب عليها.
وكثيرا ما يتهم عريقات جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وهو ما قاد إلى إنتقادات حادة من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
ورفض عريقات مواقف إسرائيلية وغربية بأن حركة “حماس″ إرهابية وأضر على انها حركة تحرر وطني فلسطينية، واصر على أن “الإحتلال الإسرائيلي هو مستنقع الشرور في المنطقة”.
ويصر عريقات في لقاءاته مع الإسرائيليين والأجانب على أن الحل هو بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 مع إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يستند الى قرار الأمم المتحدة 194 وهو ما رفضته إسرائيل.
ولم تخف إسرائيل في أكثر من مناسبة بأنها لا ترغب بعريقات مفاوضا مطالبة باستبداله.
"الاناضول"