كتب شلومي الدار : - "إسرائيل وحماس أقرب من أي وقت مضى من إتمام صفقة لإعادة جثتي الجندييْن أرون شاؤول وهدار غولدن، وكذلك المواطنين الإسرائيليين ابرا مانغيستو وهشام السيد، لكن ما تزال هناك فجوات ليست صغيرة يجب جسرها"؛ هذا ما قاله لي مصدر مقرب من دحلان من قطاع غزة.
وحسب قول هذا المصدر، فمنذ أصبح "أبو فادي" أمل حماس وغزة بمحاولاته إنقاذ القطاع من انهيار مجموعة الأنظمة، وهناك أيضًا مجهود مصري لإتمام صفقة شاملة يستطيع الطرفان (إسرائيل وحماس) التعايش معها. منذ عملية "الجرف الصامد" تحتجز الذراع العسكرية التابعة لحماس (كتائب عز الدين القسام) جثتي الجنديين غولدن وشاؤول، وطلب حماس هو إطلاق سراح أسرى من السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى إطلاق سراح أسرى حماس ممّن أطلق سراحهم في صفقة شاليط، لكنهم اعتقلوا ثانية بعد اختطاف الشبان الثلاثة في "غوش عتصيون" (يونيو 2014).
إعادة اعتقال محرري صفقة شاليط كانت أحد العوامل التي قادت لاندلاع المواجهة العسكرية الممهورة بالدماء في غزة عام 2014، حيث شعرت حماس ان إسرائيل مسحت الإنجاز الكبير الذي حققته الحركة للشعب الفلسطيني؛ إطلاق سراح حوالي ألف أسير من السجون الإسرائيلية في 2011 مقابل إطلاق سراح شاليط.
المسؤول في حماس د. غازي حمد قال لي في الماضي ان مطالبة القيادة العليا في الحركة بإطلاق سراح الأسرى الذين أعيد اعتقالهم في حينه تمثل شرطًا ضروريًا للشروع في مفاوضات من قبل حماس، وأن إسرائيل خرقت المبدأ المهم وهو مبدأ الالتزام بالاتفاقيات. أقوال بنفس هذا المعنى قيلت لجميع الوسطاء الدوليين الذين حاولت إسرائيل ان تستعين بهم من أجل إحضار غولدن وشاؤول للدفن في الوطن، وعلمت ان مسؤولًا رفيعًا في حماس - وهو د. محمود الزهار - زعم همسًا في آذان مبعوثي الأمم المتحدة إلى غزة نيكولاي ملادينوف وسلفه روبرت سيري ان إسرائيل ستكون بحاجة لتقديم ضمانات دولية تؤكد بأنها لن تتصرف بهذه الطريقة في المستقبل.
خلال الاتصالات التي شُرع بها، الأسبوع الماضي، في القاهرة بوساطة من محمد دحلان، وبمشاركة ممثلين من حماس؛ روحي مشتهى (الذي يعتبر الذراع اليمنى لزعيم الحركة في غزة يحيى السنوار) والمسؤول في الذراع العسكرية مروان عيسى (الذي يعتبر نائب رئيس الذراع العسكرية محمد الضيف)، أوضح الممثلان ان إطلاق سراح أسرى صفقة شاليط ليس جزءًا من الصفقة الحالية، وإنما شرط للمفاوضات.
رفضت إسرائيل في الماضي اشتراطات حماس، لكن وحسب أقوال المصدر الغزي فقد أوضح المصريون الأسبوع الماضي ان هناك ما يشير إلى ان إسرائيل ستكون مستعدة لدراسة إطلاق سراح أسرى صفقة شاليط في صفقة شاملة ووفق قيود، من غير الواضح ما هي تلك القيود التي تطالب بها إسرائيل، ولكن التقدير انها في حال إطلاق سراح هؤلاء الأسرى فلن يسمح لهم بالعودة إلى الضفة.
بالإضافة إلى محرري صفقة شاليط، قدمت حماس قائمة بأسماء أسرى نقلت إلى إسرائيل في الماضي، وتشمل مئات الأسرى ممّن تطالب بإطلاق سراحهم، من بينهم قاتل الوزير رحبعام زئيفي، وكذلك عشرات الأسرى من "الوزن الثقيل" ممّن رفضت إسرائيل إطلاق سراحهم في صفقة شاليط. حسب قول المصدر، فحماس لم تطالب بإطلاق سراح مروان البرغوثي في أي مرحلة.
ورغم ان مطالب حماس - التي تعبر سواء من المنظور الإسرائيلي أو من منظور المصريين بأنها "غير منطقية" - فالمنطق انه طرأ تقدم كبير في الطريق إلى بلورة الصفقة. "إنها بداية جدية للتفاوض" قال لي المصدر من غزة، "كل ما كان في السنوات الثلاث الأخيرة لا يمكن ان نسميه ولا حتى مقترحات، لكن هذه المرة يبدو ان الطرفين معنيان بإنهاء هذا الملف، كل طرف حسب مصالحه ووفق الضغوطات الممارسة عليه".
حماس - حسب المصدر - مستعدة لمبدأ إطلاق سراح الأسرى مقابل إعادة جثتي الجنديين وإطلاق سراح المواطنين في إطار صفقة شاملة تقوم فيها مصر بلعب دور ريادي من خلال ضمان سلسلة من الإجراءات مثل فتح معبر رفح أمام البضائع والوقود والمواد الخام والمسافرين. بمعنى فك الحصار الذي استمر حوالي عقد من الجانب المصري، وهي الخطوة التي لا تعارضها إسرائيل.
في الفترة الأخيرة شرعت مصر بإدخال مليون طن من السولار عبر الحدود في رفح، قادة حماس يمكنهم أخيرًا ان يروا النور في نهاية النفق، وذلك بفضل المصريين بقيادة السيسي الذي اعتبر في الـ 2015 ان الذراع العسكرية التابع للحركة "تنظيم إرهابي"، وبوساطة من كان ذات يوم مبغوضهم محمد دحلان.
السنوار، وقبل تعيينه قائدًا للحركة في القطاع، كان يمسك بملف الأسرى في حماس. بعد ان أطلق سراحه في صفقة شاليط وضع قضية الأسرى على رأس سلم أولوياته؛ الثمن الذي طلبه لقاء إعادة جثتي الجنديين وإطلاق سراح المواطنين الإسرائيليين لم يكن مقبولًا من جانب إسرائيل التي قالت انه يخمن السعر الغالي ظنًا منه بأنه سيساعده في تعزيز مكانته داخل الحركة، "في هذه الأثناء فقد انتخب قائدًا للحركة في غزة، وبقي مع الديسة أو العصيدة، التي حاول ان يطبخها ولكنها لم تنضج إطلاقا" يقول المصدر.
وحسب قوله، سيضطر السنوار إلى التراجع عن مطالبه الكبيرة في إطار صفقة شاملة مع مصر، والتي ستسمح كما يظهر بتخفيف الإغلاق إلى حد كبير. التخفيفات التي ستساعده على تسويق الصفقة كانتصار عظيم حققه هو. "المصريون يعملون بجدية كبيرة ليخيطوا له بدلة جديدة تناسب مقاسه وتساعده في النزول عن الشجرة العالية" يقول المصدر من غزة، ومع ذلك فإنه يؤكد ان قادة حماس لن يلينوا ولن يوافقوا على صفقة لا تتضمن إطلاق سراح أسرى صفقة شاليط.
المقترح الإسرائيلي الذي نقله د. جيرشون باسكين على د. غازي حمد بعد عدة أشهر من عملية "الجرف الصامد" تضمن "إطلاق سراح انساني"؛ أسرى مرضى وأسرى كبار السن وبعض الأسيرات، هذا المقترح رفض في حينه بالكلية. والآن يبدو ان الوضع تغير، هناك الآن مرحلة الاستنزاف التي يرسم فيها كل طرف خطوطه الحمراء، وبعدها مرحلة المساومة التي تعلمها الطرفان جيدًا من صفقة شاليط.