يعيش قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات حصارا مطبقا، لكنه لم يحل دون تدفق المخدرات إليه بشكل كبير ومنظّم، ما يضع حركة حماس المسيطرة عليه أمام تحد إضافي.
ويقول إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة، إن موضوع "المخدرات خطير" متحدثا عن "عملية ممنهجة ومنظمة لإدخال المخدرات لغزة بكميات كبيرة لإخضاعها لأهداف سياسية خصوصا خلال العامين الاخيرين".
يتم تهريب المخدرات إلى القطاع عبر الحدود الشرقية مع إسرائيل، والحدود الجنوبية مع مصر، والتي تعتبرها "حماس" مناطق عسكرية.
وبحسب المتحدث، تدخل الكميات الأكبر من المخدرات المهرّبة إلى غزة عبر الحدود المصرية.
ويقول اخصائيون نفسيون، إن أعداد المدمنين في القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني نسمة "يتجاوز عشرات الآلاف". أما سامي عويضة الاستشاري في برنامج غزة للصحة النفسية فيؤكد أن "أعداد المدمنين كبيرة جدا لكن لا يوجد إحصائيات لأن الناس تفضل العلاج بسرية لدى أطباء القطاع الخاص".
ويتجنّب الكثير من المدمنين تلقي العلاج خوفا من المحاسبة القانونية، أو الفضيحة المجتمعية في القطاع المحافظ.
ورغم أن وزارة الداخلية سبق أن أعلنت بأن العام 2016 كان "عام الضربات الموجعة لتجار ومروجي المخدرات مقارنة بالأعوام السابقة"، إلا أنها أعلنت مطلع العام الحالي أن الكميات التي ضبطتها أجهزتها خلال كانون الثاني الماضي يساوي ما ضبط في العام 2016 كاملا.
شددت حكومة غزة عقوبة الاتجار بالمخدرات وترويجها، فأصدرت في الآونة الأخيرة أحكاما بالإعدام على أربعة تجار، هي المرة الأولى التي تصدر مثل هذه الأحكام منذ سيطرة حركة حماس على القطاع العام 2007.
وترى الحركة أن قضايا تهريب المخدرات والإتجار بها تمس بالأمن القومي، ولذا تحال هذه القضايا إلى القضاء العسكري.
ويواجه نحو ثلاثين سجينا عقوبات متفاوتة بتهمة تجارة المخدرات بحسب المصدر.
ويقول أحد سجناء قضايا المخدرات لمراسلة وكالة فرانس برس في سجن غرب مدينة غزة، "الوضع المالي السيئ هو ما دفعني لتجارة المخدرات، في البداية بدأت بالتعاطي ثم أصبحت بحاجة أكبر للمال لتوفير المخدرات لي".
ويضيف الشاب الذي سجن في العام 2013 ويقضى حكما بالسحن لسبع سنوات، "المخدرات انتشرت بشكل رهيب، كانت تأتينا بسهولة عن طريق الأنفاق والمعابر مع مصر، المصادر كانت متعددة وسهلة، وكان التاجر يعطيني المخدرات وأبيعها ثم أسدد له ثمنها بعد بيعها".
ويشير السجين إلى أن "البيع كان سهلا، فنسبة المتعاطين كبيرة بسبب البطالة"، مضيفا، "الوضع المتردي في غزة يدفع الناس للمخدرات".
وأتلفت شرطة "حماس" الشهر الماضي نحو نصف مليون حبة من الترامادول، وهو عقار طبي يستخدم في تسكين الألم، ويحتوي نسبة بسيطة من الافيون.
وأتلفت الشرطة أيضا أكثر من ألف رزمة حشيش، وهي حصيلة ما ضبطته خلال الربع الأول من العام الجاري، بحسب الوزارة التي قدرت قيمة المضبوطات بنحو مليوني دولار.
إثر ذلك، ارتفعت أسعار حبوب الترامادول ليصل سعر شريط يحتوي على عشر حبات إلى 450 شيكلا (120 دولارا)، أي ضعف ما كانت عليه في العامين الماضيين.
ولا يؤدي ارتفاع ثمن المخدرات بالضرورة إلى ثني المتعاطين عن شرائها، بل قد يدفعهم إلى خيارات صعبة لتأمين القدرة على شرائها، في ظل ارتفاع نسبة الفقر المدقع في القطاع.
عدد قليل من المدمنين يقصدون مراكز العلاج النفسي للإقلاع عن التعاطي، علما أنه لا يوجد أي مركز متخصص في علاج الإدمان في القطاع.
لكن وزارة الداخلية أعلنت أنها ستطلق قريبا مشروعا وطنيا لإنشاء أول مركز لعلاج مدمني المخدرات، تبلغ تكاليفه مليوني دولار.
ويتحدث سامي عويضة عن "زيادة مطردة في أعداد المدمنين الذين يترددون على المركز في العامين الأخيرين"، إلا أنه يشكو من أن "الرغبة في العلاج غالبا ليست نابعة من داخل الشخص، وإنما خوفا من اكتشاف عائلته أنه مدمن، وأيضا بسبب عدم القدرة على توفير المخدرات" إضافة إلى الإصابة باضطرابات تسببها المواد المخدرة.
وتقول أم مازن (32 عاما) التي رفضت الكشف عن اسمها، وهي أم لثلاثة أطفال، "زوجي اعترف لي أنه مدمن على الترامادول، وذلك عندما أصيب فجأة بنوبة حادة من الصداع والقشعريرة، وأخبرني أنه لا يستطيع توفير ثمنها بسبب الغلاء".
وتضيف السيدة التي تعمل في مؤسسة غير حكومية، "رفض زوجي التوجه للمستشفى خوفا من الفضيحة، تدخل أهله، وهددته أني سأبلغ عنه بنفسي لشرطة (حماس)".
وينتقد الشاب بسام (27 عاما) إجراءات "حماس" لمحاربة الحشيشة قائلا، "الحشيشة تباع في الصيدليات في بعض دول العالم"، مؤكدا أنه لن يقلع عن تدخين هذه النبتة.
ويقول ابن القطاع الذي شهد ثلاث حروب إسرائيلية مدمرة منذ العام 2008 وحصارا خانقا من أكثر من عشر سنوات، "نحن بحاجة (للمخدرات) لنتمكن من العيش.. كيف نتعايش مع الحروب والحصار وأزمة الكهرباء والبطالة؟".