في الساعات الماضية طالعتنا وسائل الاعلام باخبار متناقضة عن حقيقة وقف التحويلات الطبية لسكان قطاع غزة للعلاج في الخارج، ففي حين تتهم وزارة الصحة في غزة السلطة الفلسطينية بوقف التحويلات الطبية للمرضى في قطاع غزة وتشير على لسان وكيل الوزارة في غزة " بان السلطة اهملت نحو 2500 تحويلة ارسلت لرام الله"، و ترد الوزارة من رام الله وعلى لسان المتحدث باسمها " بانه لا يوجد اي قرار من اي جهة فلسطينية بوقف التحويلات الطبية للمرضى في القطاع ويحمل مسؤولية خروجهم للاحتلال".
وعلى الرغم من أن مركز الميزان لحقوق الانسان اشار في تقرير سابق " منذ شهر آذار/ مارس الماضي يتقدم المرضى في قطاع غزة بطلب الحصول على الموافقة ولا ترد وزارة الصحة على هذه الطلبات لا بالرفض ولا بالقبول، ليصل عدد المرضى الذين لم يتم الرد على طلباتهم لما يزيد عن 1720 مريض" ... الا أن المواطن البسيط أصبح بحيرة من أمره على من يلقي بالمسؤولية وممن يطلب حقه بالحصول على العلاج ...ولكن وبعد ساعات قليلة جاء الخبر ( وكما نشرت بعض المواقع الاخبارية ) عبر صفحة ما يسمى بالمنسق " وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله تؤخر دخول 1500 طلب لاهالي قطاع غزة لتلقي العلاج".
أعتقد بان الصورة اصبحت واضحة ولا داعي لان ينبري احدهم متهما " هل اصبح الاحتلال مصدرا مصدقا ؟ " ... نحن لا نبرئ الاحتلال، فلقد كنا نتمنى ان نستمر معا بتحميل الاحتلال مسؤولية منع المرضى من تلقي العلاج!!!... ولكن للتذكير فمنذ اسابيع قليلة فقط كان نفي السلطة لخبر مطالبتها حكومة الاحتلال بتقليص كميات الكهرباء المغذية للقطاع ... وبعد ذلك جميع سكان القطاع لم يكونوا بحاجة لتصديق او نفي الخبر المعاكس لذلك والذي نشر في الصحافة الاسرائيلية ... لانهم ببساطة يتمتعون الان بكهرباء لا تزيد عن 4 ساعات يوميا.
لقد كنا نأمل وعملنا جاهدين خلال السنوات السابقة على تحييد الخدمات الصحية عن الخلاف والتجاذات السياسية وعدم الزج بحياة المرضى في خضم هذا الخلاف، ولكن للاسف الشديد فان الفئوية غلبت على العمل الانساني عبر قرارات عديدة من هذا الطرف أو ذاك، ليس اخرها القرار الغير معلن لوزارة الصحة بوقف التحويلات الطبية للعلاج في الخارج (وبغض النظر عن المبررات التي تم ذكرها من البعض بان هذا القرار تم لأسباب سياسية بهدف الضغط على حركة حماس )، فهذا القرار المجحف له تبعات على حياة عدد كبير من المرضى الذين يحتاجون للعلاج في الخارج وبخاصة أنهم يعانون من أمراض مستعصية.
ومع ايماني الشديد بضرورة انهاء الانقسام كمدخل رئيس لحل المشاكل والأزمات التي يعاني منها قطاع غزة وفي مقدمتها المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي، ولحين ذلك دعوني أشير الى جملة من النقاط التي أرى من الضروري التأكيد عليها: ·
الحق في الصحة وتلقي الخدمات الصحية هو حق طبيعي لا يجب المساس به، وهو حق من حقوق الانسان كباقي الحقوق التي كفلتها جميع المواثيق والقوانين الدولية. ·
الاحتلال الإسرائيلي وبصفته قوة احتلال عليه التزامات قانونية اتجاه المواطنين الفلسطينيين بما في ذلك حقهم بتلقي أفضل مستوى من الرعاية الصحية والجسدية والعقلية دون اعتبار للتكلفة المالية...وهذا حق كفله القانون الدولي الإنساني، ويجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة تجاه حياة المرضى في قطاع غزة المحاصر. ·
يجب أن يتحمل القائمين على وزارة الصحة في رام الله وغزة المسئولية القانونية والأخلاقية من اجل إنقاذ حياة المرضى. ·
ما ينفق على العلاج في الخارج من موازنة وزارة الصحة والتي هي جزء من موازنة السلطة ( والتي تعتمد على مساهمات الدول المانحة وايرادات الضرائب التي يتم جبايتها من المواطنين) ... و لا داعي للحديث بان السلطة او حكومة الحمد الله هي التي تدفع وكأن ذلك منة أو صدقة منها اتجاه اهالي القطاع ، فكل المساعدات التي تدفع من الدول المانحة هي من حق الشعب الفلسطيني ، وهي جزء بسيط ولا يقارن مع معاناتنا بسبب الاحتلال والتهجير . ·
الرفض المطلق لزج القضايا الطبية وحياة المرضى في المناكفات والصراعات السياسية. ·
ضرورة وضع آليات وطنية من شأنها معالجة كافة الخلافات وتعمل على تحييد القطاع الصحي من أي نزاعات سياسية ولضمان العلاج لكافة المرضى دون أية عوائق . ·
مطالبة كافة المسئولين بالعمل الجاد من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة وتمكين المرضى من السفر للعلاج بالخارج بكل حرية وأمان .
وعلى ضوء الاخبار المتسارعة الخاصة بالتحويلات الطبية لسكان قطاع غزة للعلاج في الخارج تبادر لذهني سؤال لاصدقائي القانونيين: بعد هذا القرار الظالم (وسلسلة الاجراءات الأخرى المتخذة من قبل السلطة بحق قطاع غزة منذ عدة شهور ) هل يمكننا اعتباره شكلا من أشكال العقاب الجماعي بحق مليوني مواطن من سكان القطاع المحاصر؟؟؟ وهل بامكان المريض المتضرر من هذا القرار( الغير معلن ) وبعد ان سئم المناشدة والطلب والتضامن والقلق والاستنكار بأن يتوجه الى قضاء عادل ( إن وجد) ؟؟؟
د. عائد ياغي - مدير جمعية الاغاثة الطبية